الرئيسة \  واحة اللقاء  \  احتجاجات تركيا .. لماذا الآن؟!

احتجاجات تركيا .. لماذا الآن؟!

03.06.2013
ياسر أبو هلالة

الدستور
الاثنين 3/6/2013
لا أحد من المراقبين يبدو مقتنعا بحكاية السبب الذي يقف خلف مظاهرات ميدان تقسيم، وكثير من المظاهرات الأخرى في عدد من المدن التركية، فحين يحقق حزب حاكم كل هذا النمو الاقتصادي وسط أزمة مالية عالمية، يغدو من العبث محاسبته على قرار يتعلق بتحويل حديقة إلى مجمع تجاري (ليس مجمعا تجاريا، بل إعادة بناء قلعة عثمانية قديمة)، فضلا عن استخدام جزء منها في مد خطوط المترو لحل أزمة المواصلات في المدينة الواسعة (اسطنبول).
من الواضح أن قوى المعارضة اليسارية، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري قد استغلت هذه الواقعة التي أثارت قطاعا محدودا من الناس في سياق من التصعيد ضد حزب العدالة والتنمية الذي حقق شعبية غير مسبوقة (مقابل تراجع شعبيتها)، وذلك على أمل الحد من تصاعد شعبيته، ومن أجل الضغط عليه لتحقيق أهداف أخرى. وتأكد ذلك إثر استمرار الاحتجاجات رغم إلغاء القرار الذي اندلعت بسببه.
خلال العامين الأخيرين، كان الملف السوري هو الأكثر حضورا وحساسية في المشهد التركي، لاسيما أن قطاعا لا بأس به من الشعب التركي (يتحدثون عن 10 إلى 15 في المئة) ينتمي إلى الأقلية العلوية، وهم يؤيدون حزب الشعب والقوى اليسارية غالبا، ما يعني أن النسبة الأكبر من العلويين في العالم موجودون في تركيا وليس في سوريا، وهم يعتبرون أن النظام الحاكم في سوريا بسيطرة الطائفة العلوية على مفاصله الأساسية يشكل ظهيرا لهم.
وفي زمن انفجار الهويات في العالم أجمع، وليس في منطقتنا فحسب عشية الربيع العربي، يمكن القول: إن موقف أردوغان من الثورة السورية قد استفز العلويين في تركيا، وإن بدا أن بعضهم قد اتخذ موقفه منها على خلفية يسارية تحت مسمى أن هناك مؤامرة إمبريالية صهيونية على نظام بشار الأسد.
والحال أن موقف أردوغان من الثورة السورية قد تردد شهورا قبل أن يُحسم في تجاه دعم الثورة، لاسيما أن علاقته بنظام بشار كانت تصاعدت على نحو غير مسبوق خلال السنوات القليلة التي سبقت الربيع العربي؛ ما جعل ثمن الموقف كبيرا، بخاصة على المستوى الاقتصادي، ولكن تلكؤ بشار في الاستجابة للوساطات التي قامت بها تركيا من أجل تسوية الوضع، واستمراره في لعبة المماطلة والكذب لم يترك مجالا أمام حكومة العدالة والتنمية غير حسم الموقف في تجاه الانحياز إلى الثورة التي بات الموقف منها يهدد ما راكمه الحزب من علاقات حسنة مع جماهير الأمة العربية والإسلامية.
سعت المعارضة في ضوء ذلك إلى إثارة هذا الموقف والتلويح الدائم بمخاطره على الداخل التركي، لاسيما بعد تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا، وما ترتب على ذلك من مشاكل أمنية واقتصادية، ورأينا كيف حاولت استغلال تفجيرات الريحانية في إثارة الناس، قبل أن يثبت أن لبعض دوائرها صلة بما جرى كما أثبتت التحقيقات. وترى تلك المعارضة، تماما كما هي حال نظام بشار وإيران إنه لو أغلقت تركيا حدودها مع سوريا أمام حركة الثوار، فإن نهاية الثورة ستكون محتومة خلال شهور (خلال شهر واحد بحسب بشار الذي خاطب الأتراك من خلال محطة تركية قبل شهرين تقريبا، فيما التقى وفدا من قواهم المؤيدة في دمشق قبل أسابيع).
ولا شك أن الإنجاز التاريخي الذي حققته حكومة أردوغان بتسويتها للعلاقة مع الأكراد عبر الاتفاق مع عبد الله أوجلان وحزب العمال قد زادت في منسوب الحقد لدى دوائر المعارضة، لاسيما إن ذلك الإنجاز يمهد الطريق أيضا أمام تغيير دستوري يحول تركيا إلى نظام رئاسي قد يمنح أردوغان فترتين رئاسيتين، مع تأكيد لسيطرة الحزب على الحياة السياسية تبعا للإنجازات الكبيرة التي حققها.
من المؤكد أن الدوائر الإيرانية والسورية الرسمية قد لعبت دورا في إثارة تلك القوى (سياسيا وإعلاميا على الأقل)، فيما ثبت باعتراف دوائر كردية أن إيران قد حاولت معها من أجل إفشال الاتفاق مع أردوغان، وقدمت لها عروضا مغرية على هذا الصعيد.
وكان مثيرا للسخرية بطبيعة الحال أن يخرج وزير إعلام بشار ليتحدث عن القمع الذي تعرض له المتظاهرون في ميدان تقسيم، والذي كان خاطئا بطبيعة الحال، لكن من يقتل شعبه بالرصاص وصواريخ الدبابات والطائرات لا يمكن أن ينظّر على أحد في الحرية ونبذ القمع (باستخدام خراطيم المياه)، وقد شارك في الزفة عدد من الرموز والقوى المنحازة لنظام بشار.
تحضر في هذا السياق بعض السياسات الداخلية التي اتخذها أردوغان في الآونة الأخيرة، وبدا من خلالها أنه يستعيد جذوره الإسلامية، وآخرها قضية تقنين بيع الخمور؛ ما استفز- بطبيعة الحال- بعض الدوائر العلمانية واليسارية.
لكن المؤكد أن الجزء الأكبر من الاحتجاج ذو صلة بما يجري في سوريا من جهة، إلى جانب مساعي المعارضة للحد من تصاعد شعبية حزب العدالة والتنمية، مقابل تراجع شعبيتها، لكن الشارع التركي لن يستجيب لهذه اللعبة، والأرجح أنه لن يكافئ الحزب على إنجازاته الكبيرة بالانحياز لأصحاب الأصوات العالية الذين جرّبهم مرارا فجروه من فشل إلى فشل، ولم يكونوا أنبياء الحرية كما يزعمون أيضا، فيما نتوقع أن يرد أنصار العدالة والتنمية عبر تجمعات شعبية أضخم بكثير إذا رأى قادته ذلك.