الرئيسة \  واحة اللقاء  \  احترام الآخر المختلف والحاجة إلى صحوة ضمير عالمية 

احترام الآخر المختلف والحاجة إلى صحوة ضمير عالمية 

24.05.2021
عبدالباسط سيدا


القدس العربي 
الاحد 23/5/2021 
قصة الطفلة السورية نهلة، التي ماتت وهي مقيدة بسلاسل حديدية داخل قفص في مطلع الشهر الجاري في مخيم من مخيمات إدلب وهي لم تبلغ السادسة بعد، قصة مأساوية، هزت، وتهز، كل صاحب وجدان وضمير من الأعماق. وهي قصة تنذر بالجانب الأفظع والأكثر سوداوية في التراجيديا السورية المستمرة منذ أكثر من عشرة أعوام. ربما كانت الطفلة تعاني من حالة نفسية، لا ندري؛ ولكن على الأرجح أن الوالد هو الآخر يعاني من اضطرابات عميقة تنم عن حالة فقدان التوازن، وعدم القدرة على التصرف السليم، إلى درجة أنه وجد في الصغيرة المريضة عيباً لا بد من إلغائه عبر إخفائه، وتهيئة مقدمات الموت لها. 
هذه القصة هي مجرد عنوان لمئات، إن لم نقل آلاف القصص التي لو تم تسليط الضوء عليها، لأدركنا حجم الكوارث التي تنتظر جيلأ كاملاً من السوريين الذين حرموا من الطفولة والتعليم. وفُرض عليهم التسول والتسكع. وكانوا ضحايا شذوذ الكبار وعقدهم. أسر ممزقة، مسلوبة الإرادة والمستقبل. 
أما في لبنان، فإن الزمرة الفاسدة، التي أنهكت الشعب والبلد، تتفنن في إذلال اللاجئين السوريين، وتحمّلهم مسؤولية فسادها. تطالب الناس بتقديم وثائق مصدقة من سفارة النظام، مقابل مبالغ خيالية، حتى يتمكن أبناؤهم من التقدم إلى الامتحانات، وذلك بتنسيق كامل مع مافيات سفارة النظام الأسدي في بيروت. 
وفي الدانمارك، يعيش قسم من اللاجئين السوريين على أعصابهم، بعد أن سحبت الحكومة منهم اقاماتهم المؤقتة؛ وطلبت منهم الاستعداد للعودة إلى مناطق دمشق وريف دمشق، والذريعة أن تلك المناطق قد باتت آمنة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سنوات. وكالعادة تكون الطفولة باعتبارها الحلقة الأضعف، هي الضحية. ومن الواضح في الحالة الدانماركية أن الحسابات الانتخابية، ومحاولات استيعاب وكسب تأييد المناهضين لسياسات استقبال المزيد من المهاجرين، خاصة من منطقة الشرق الأوسط، هي التي تتحكم بقرارات وممارسات السياسيين الدانماركيين بصورة عامة. والخشية في هذا المجال، هو أن تتسع الدائرة لتشمل دولاً أوروبية أخرى، الأمر الذي سينعكس سلباً على مصير عشرات الآلاف من الأسر السورية التي هربت من جحيم الأسد، ولاذت بمجتمعات اعتقدت أنها ستعوضها ولو جزءاً يسيراً مما فقدته من أمن وأمان، واطمئنان إلى المستقبل. 
ومع تزايد وتيرة التشدد والتطرف سواء الديني أم المذهبي أم القومي والعنصري، وبالتفاعل مع تنامي النزعات الشعبوية لدى مجموعة من السياسيين الفاسدين الذي يستغلون ضعف وترهل الأنظمة الديمقراطية التي تحتاج إلى التجديد واستعادة الحيوية؛ فإن الوضعية تصبح معقدة أكثر، ويسود التشاؤم في جميع الأنحاء. ولعل ما حدث من صدامات ومواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين في مختلف المناطق الفلسطينية، وحرب في غزة، يعكس إلى حد كبير واقع خطورة هيمنة نزعات الحقد والكراهية بكل أشكالها، لا سيما في ظل غياب المعالجات المطلوبة التي تستوجب البحث عن أسباب المشكلة، ومحاولة ايجاد الحلول الواقعية المقبولة لها. 
وليس سراً أن الذي أسهم في وصول الوضع إلى المأزق الحالي كان هو الرئيس الأمريكي السابق ترامب، الذي دخل مع نتنياهو في حلف مصلحي شعبوي، على أمل أن يفوزا في الانتخابات، ويتمكنا من تحاشي مواجهة التحقيقات في العديد من الملفات، خاصة ملفات الفساد في حالة نتنياهو. 
ولكن وعلى الرغم من كل الترتيبات التي كانت بخصوص التطبيع، فقد انهار فجأة كل شيء دفعة واحدة أمام إرادة وإصرار الشباب الفلسطيني الذين أثبتوا للعالم بأسره أن حقوق الشعوب لا بد أن تحترم، وأن الصفقات المشبوهة مهما كانت متقنة تظل أضعف من أن تواجه صلابة الحق. 
ما يشهده عالمنا من توترات، وتصاعد لنزعات التطرف بكل أشكالها، ينذر بما هو أخطر، وبما قد يصل إلى مرحلة غرق الحضارات على حد تعبير أمين معلوف، ما لم تبذل جهود جادة لمعالجة العوامل التي تمكن القوى والشخصيات الشعبوية من استغلال الثغرات في الأنظمة الديمقراطية، ووضع الضوابط التي تقطع الطريق أمام عملية مغازلة ميول التطرف بهدف الحصول على المزيد من الأصوات. وهذا ما يمكن العمل عليه من خلال التمسك بالمبادئ الديمقراطية، وعدم اعتماد سياسة ازدواجية المعايير التي تفقد الهيبة، وتشكك في المصداقية، خاصة بالنسبة إلى دولة عظمى (الولايات المتحدة الأمريكية) ما زالت جميع المقايسس تؤكد أنها الدولة الأكثر قدرة على أداء دور ريادي مطلوب منتظر. 
هناك تحديات كبرى تنتظر إدارة جو بايدن، في مقدمتها التحديات الداخلية في ظل حال الاستقطابات الحادة التي فرضتها الإدارة السابقة على المجتمع الأمريكي، وفي مقدمات تلك التحديات النزعات العنصرية والدينية المتشددة. ولكن في عالمنا المعاصر، لم يعد من الممكن الفصل بين الداخل والخارج في أي مكان، خاصة في الواقع الأمريكي. وهنا لا بد من الإشادة بمواقف العديد من أعضاء الكونغرس الذين طالبوا الرئيس بايدن بالضغط على نتنياهو في موضوع الحرب على غزة. كما أن بايدن نفسه قد تعامل مع الموضوع بالحكمة المطلوبة من رئيس أقوى دولة في العالم. 
يحتاج عالمنا اليوم إلى صحوة ضمير تمكّنه من احترام الآخر المختلف بالأفعال لا بالأقوال. وهذا لن يكون من دون احترام حقوق الشعوب، وتطلعاتها، ورفع الغطاء عن الأنظمة والأحزاب والزعامات الفاسدة التي تستغل الحكم، لتحقيق المزيد من المكاسب والاستيلاء من دون وجه حق على الموارد، وذلك لاستخدامها من أجل الاستمرار في التسلط والفساد. 
وفي هذا السياق، لا بد من التوقف عند خزعبلات وبهلوانيات إعادة التدوير لتسويق النظام الأسدي مجدداً هذه الأيام. وهو النظام الذي مارس الإذلال بحق السوريين على مدى عقود، وتسبب في قتل وتهجير الملايين وتدمير البلاد. ومع ذلك كله يسعى اليوم عبر أبواقه من المنافقين والمستفيدين من جماعته، وبدعم وتغطية من رعاته الروس والإيرانيين، لتكريس أباطيل زائفة مضللة، منها أنه قد حقق الانتصار على المؤامرة الكونية الكبرى التي استهدفت خطه "المقاوم الممانع". وما المهزلة الانتخابية سوى ثمرة من ثمار "نصره المبين". 
لقد صرح بايدن قبل أيام بأن هذا النظام يمثل خطراً على شعبه، واستقرار المنطقة؛ بل يمثل خطراً على المصالح الاستراتيجية الأمريكية. ومرة أخرى نقول: الشعب السوري ينتظر أفعالاً لا أقوالاً. فلو كان هناك موقف دولي فاعل، خاصة من جانب الأنظمة الديمقراطية في العالم، ومن الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً؛ لما تجرأ رأس هذا النظام أن يمارس كل هذا الدجل المبتذل الذي ليس من السهل اختيار الكلمات المناسبة لتوصيف تفاهته، وتجرّده من أي حسٍ انساني، فضلاً عن عدم التزامه بأي مسؤولية وطنية. 
فسوريا اليوم مقسمة الأوصال بين جيوش أجنبية، وميليشيات محلية ووافدة ترفع شعارات متباينة، ولكنها تتشارك في قمعها للسوريين وتغطيتها للمافيات المتعددة الجنسيات التي تتبادل الخدمات فيما بينها. 
ويبقى السؤال وماذا بعد التدوير؟ هل سنشهد حواراً وطنياً جاداً بين السوريين بإشراف عربي، أممي؟ حوار تشارك فيه النخب السورية الوطنية الحريصة على مستقبل شعبها وبلدها، بهدف ايصال السوريين إلى بر الأمان. 
أم أن عملية التدوير هي الغاية والهدف؟ 
فبشار الأسد قد ورث الجمهورية عن والده بقوة الأجهزة الأمنية، ومباركة الجهات الدولية التي تعين الحكام في منطقتنا. وهو ما زال يعتمد الوسيلتين للبقاء سبع سنين عجاف أخرى على الأقل في ظل واقع التخبط الذي تعيشه هيئات "المعارضة الرسمية". وعدم الجدية من جانب القوى الدولية التي تعلن رفضها لانتخاباته من جهة، ولكنها لا تعطي أي إشارات جادة تنذر بممارسة ضغوط أكيدة مؤثرة عليه، ترغمه على القبول بعملية انتقال سياسي حقيقية، تضع حداً لمعاناة السوريين، وتفتح الآفاق أمام أجيالهم الشابة المقبلة.