الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اختطاف مجلس الأمن الدولي

اختطاف مجلس الأمن الدولي

12.10.2016
عيسى الشعيبي


الغد الاردنية
الثلاثاء 11/10/2016
وفّر النقل التلفزيوني المباشر من داخل قاعة مجلس الأمن الدولي، لدى مناقشة المجلس لمشروعيّ قرارين خاصين بالكارثة الإنسانية في حلب، فرصة لتكوين رأي عام دولي، عما آلت إليه حال أرفع هيئة دولية على الإطلاق، أمعن الأعضاء الدائمون في تلطيخ صورتها، وإظهار فشلها الكامل في القيام بمسؤولياتها المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة؛ بحفظ الأمن والسلام الدوليين، وحماية المدنيين زمن الحرب.
وليس جديداً مثل هذا الاستنتاج المؤسف، الذي قد لا يختلف عليه اثنان، إلا أن ما تجلى في ليلة حلب الطويلة من كباش دبلوماسي، فاق كل ما سبقه من مشاهد سريالية سابقة، أدى إلى سقوط هذا المجلس بمسطرة المعايير السياسية والأخلاقية، وتجريده من المبادئ التي تم اعتمادها لدى تكوينه بعد الحرب العالمية الثانية، كسلطة تعلو ولا يعلى عليها في مجال منع الدول المتمردة من العودة مرة أخرى إلى أهوال تلك الحرب التي حصدت أرواح الملايين في العالم.
وأحسب أن مجلس الأمن الدولي بات منذ اليوم، وعلى نحو أكثر من أي وقت مضى، اسماً على غير مسمى، إذ لم يعد مجلساً قادراً على معالجة أبسط الأزمات الإنسانية، بلا سلطة قانونية فعالة، وبلا احترام أو مهابة، وليس له علاقة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، حتى حين تلوح في الأفق نذر حرب كبرى غير مستبعدة. وهو فوق ذلك ليس دولياً، إلا بكونه منبراً للخطابة، ومنصة لاستعراض القوة المادية المجردة من أي اعتبارات إنسانية.
إذ يبدو أن هذا المجلس الذي كان تعبيراً عن النظام الدولي المتشكل في أعقاب الحرب الكونية الثانية، قد شاخ بعد أن بلغ من العمر عتياً، وآل إلى جسد بلا روح، هدته المتغيرات التي جرت في غضون السبعين سنة من حياته، دالت فيها دول وقامت أخرى، وتبدلت فيها قيم ومفاهيم ومُثُل وحقائق وموازين قوة، أودت بهذا المجلس المختطف من جانب الأعضاء الخمسة المتمتعين بحق النقض الكاسر لأي إجماع دولي محتمل.
وبالقدر الذي وقع فيه مجلس الأمن، منذ إنشائه، ضحية لمغالاة الولايات المتحدة وتعسفها في استخدام حق النقض، مراراً وتكراراً، خصوصاً حيال أزمات الشرق الأوسط، بالقدر الذي يقع فيه هذا المجلس، الآن، ضحية للتكتيكات الوحشية الروسية، على نحو شديد الفظاظة، يخلو من البراعة الدبلوماسية التي كان يفشل الأميركيون أيضاً في تظهيرها، لدى نقض مشروع قرار يمس إسرائيل، أو لاستصدار آخر بحصار العراق وتجويع شعبه، ومن ثم ضربه بلا رحمة.
ولا يفيد عقد مقارنة بين الاستخدام المشين لحق النقض من جانب أميركا وروسيا، فكلتا الدولتين المفتونتين بقوتهما العسكرية، تضربان بأي اعتبار أخلاقي عرض الحائط. إلا أن المشهد الروسي الأخير، وقد تكرر للمرة الخامسة، يبعث على الرثاء لدولة تنافس على مركز زعامة العالم، من دون أن تكون لديها قوة تصويتية معتبرة، حيث لم تجد إلى جانبها مؤخراً -باستثناء الصين ومصر- سوى دولة مفلسة، فاشلة ومنبوذة مثل فنزويلا.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإنه لا يسع المرء إلا أن يعقد مقارنة أخرى بين روسيا وبين الاتحاد السوفيتي الذي كانت لديه رؤية ورسالة ومبادئ تحكم تصويته بحق النقض، بما لا يخل بقواعد اللعبة، ولا يتعارض مع تعريفه لنفسه كحليف للشعوب المناضلة، فيما تبدو روسيا دولة مأزومة، تتوسل القوة العسكرية المجردة، كتعبير عن رفعة المكانة الدولية، الأمر الذي جردها من كل عناصر القوة الأخلاقية والسياسية، بدليل فشلها المدوي لدى التصويت على مشروع قرارها البائس.
لقد أصاب المندوب البريطاني تماماً، حين علق على استخدام روسيا لحق النقض في مواجهة الإجماع الدولي، بقوله إن هذا الموقف الذي لا يستحق الشكر، قد نال من احترام العالم لمجلس الأمن. ونحن نزيده من الشعر بيتاً، بالقول؛ إن مثل هذه البلطجة ستقوض مكانة المجلس وتودي به لاحقاً، وتفتح الباب، أكثر من ذي قبل، أمام ضرورة إجراء مراجعة لقانون هذا المجلس، على نحو يحرم الدولة الخارجة على مبادئ القانون الدولي الإنساني من التعسف باستخدام "حق" أنتجته مخرجات نظام لم يعد صالحاً لعالم ما بعد نهاية الحرب الباردة.