الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اذهبوا إلى جنيف

اذهبوا إلى جنيف

26.10.2013
هشام ملحم


النهار
الخميس 24/10/2013
تبين أي مراجعة للحروب الاهلية ان أكثرها يحسم عسكريا. والحروب الاهلية التي تنشب بين طرفين ولا يتدخل فيها أطراف خارجيون تنتهي عادة خلال سنوات قليلة (كالحرب الاميركية). وحتى الحرب الاسبانية التي تدخلت فيها قوات خارجية حسمت خلال ثلاث سنوات لانها كانت بين طرفين. الحروب الاهلية التي يشارك فيها أكثر من طرف تستمر سنوات او عقودا (انغولا، لبنان، أفغانستان). حرب سوريا تنتمي الى الفئة الثانية، ومرشحة للاستمرار وقتا طويلا، ليس بالضرورة بالوتيرة الحالية، خصوصا أننا نرى "كانتونات" تسيطر عليها القوى المتحاربة: النظام يسيطر على بعض دمشق وبعض حلب، وتربطه طريق بالمنطقة العلوية، بينما يسيطر بعض قوى اسلامية متشددة على بعض شمال سوريا وفصائل من الجيش السوري الحر" على بعض الجنوب، ويسيطر الاكراد على مناطقهم في شمال شرق سوريا.
صحيح ان فرص انعقاد مؤتمر جنيف - 2 ضئيلة، وفرص نجاحه أكثر ضآلة، لكن تهديد بعض القوى المعارضة بمقاطعته او حتى مقاطعة مبدأ التفاوض مع بعض من يمثلون النظام القائم،هو خطأ تكتيكي واستراتيجي. استمرار القتال سيؤدي الى تفكيك سوريا ويحول ما هو الان تقسيم اولي او "ناعم" Soft Partition الى تقسيم حقيقي وربما نهائي والى تعزيز التيارات السلفية المذهبية، ويخدم الذين يدعون ان الصراع الان بات بين نظام "علماني" وقوى "ظلامية". انعقاد جنيف - 2 يمكن ان يتحول فرصة جديدة لمعارضة مفككة وضعيفة اكتسبت سمعة غير براقة داخل سوريا، ويقع جزء كبير من المسؤولية على أطياف المعارضة غير المتشددة اسلاميا كي تثبت انها تمثل بالفعل الشعب السوري وتدافع عن مصالحه، وأنها ستبذل كل ما في وسعها، ليس فقط للتخلص من نظام استبدادي والعمل على إيجاد بديل تمثيلي منه، ولكن ايضا لتخفيف معاناة السوريين بأي وسيلة ممكنة خلال هذه الفترة المأسوية من حياتهم.
غياب المعارضة عن جنيف - 2 سيخدم الخطاب التضليلي للنظام بأنه يحارب "المتطرفين"، ويمكن ان يسهل على واشنطن التي أثبتت التطورات والتسريبات الصحافية الاخيرة انه لا يمكن الاعتماد على دعمها وتعهداتها، كي تقبل بتسويات تكون على حساب تطلعات السوريين الى التغيير الايجابي. جنيف - 2 يمكن ان يكون فرصة للمعارضة لان تضع اميركا والذين يسمون أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري" امام مسؤولياتهم، لاقامة السلطة الانتقالية بصلاحياتها الكاملة من دون مشاركة الاسد، والافراج عن المعتقلين، وتوفير الدعم الانساني للاجئين والمقتلعين، ورفع الحصار عن حمص والغوطة، والحصول على الدعم المادي لادارة المناطق المحررة. لا أوهام في شأن جنيف - 2، لكن تحقيق هذه المكاسب الآنية مهم حتى في غياب حل نهائي. لا بديل من التفكير السياسي العقلاني والبارد.