الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استذكار الجولان المحتل!

استذكار الجولان المحتل!

23.03.2014
منار الرشواني


الغد الاردنية
السبت 22/3/2014
ربما تكون الصورة الأشهر والأبلغ التي تداولتها وكالات الأنباء العربية والعالمية، في نيسان (أبريل) 2011، بعد أيام من انطلاق الثورة السورية سلمياً، هي تلك التي أظهرت سيارة محترقة بسبب هجوم قوات نظام بشار الأسد على المتظاهرين في مدينة بانياس، وقد كتب عليها أهالي المدينة "انتبه.. أنت في بانياس لا في إسرائيل"! كذلك، يظل واحداً من الشعارات الأبرز التي رفعها المتظاهرون آنئذ، هو ذاك المطالب لقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، بإرسال جنوده إلى جبهة الجولان السوري المحتل، بدلاً من إرسالهم لقتل المواطنين السوريين.
والحقيقة أن البعض ظن، أو توهم، أن يبادر الأسد إلى مواجهة الثورة بإشعال حرب مع إسرائيل، تصرف الأنظار تماماً عن بؤس الداخل. لكن مثل هذا التوقع والتمني كان مستحيلاً بداهة، طالما أن الأسد يقاتل لأجل منصبه وامتيازاته، واللذين كانت الحرب مع إسرائيل تعني زوالهما تماماً وبسرعة شديدة.
الآن، وبعد ثلاث سنوات على اندلاع الثورة، كيف يمكن تفسير التحركات "الاستثنائية وغير المسبوقة" على جبهة الجولان؛ من خلال حادثة إطلاق إسرائيل النار، مطلع الشهر الحالي، على من قالت إنهما عنصران من حزب الله كانا يحاولان زرع عبوات متفجرة على الجبهة الهادئة منذ أكثر من أربعين عاماً، ثم انفجار عبوة أخرى فعلاً، الأسبوع الماضي، بجنود إسرائيليين أدت إلى مقتل ضابط بينهم؟
حتماً، لا يمكن أبداً الادعاء برغبة الأسد وحزب الله في المبادرة إلى فتح جبهة الجولان أو سواها مع إسرائيل؛ إذ ما يزال هدف الأسد بالبقاء في السلطة بأي ثمن قائماً على حاله، ناهيك عن عدم وجود جيش مقاتل أصلاً، بعد أن تم استنزافه تماماً في قتال الشعب السوري. وهنا يبدو ملفتاً أن النظام لم يحتفظ عقب الغارات الإسرائيلية الأخيرة، رداً على إصابة الجنود في الجولان، "بحقه في الرد في المكان والزمان المناسبين" كما درج على القول عادة.
أما بشأن حزب الله، وعدا عن حقيقة استنزافه أيضاً في القتال إلى جانب الأسد، فلا بد من تذكر أن نجاحات الحزب يوم كان مقاومة ضد إسرائيل، إنما ارتبطت بعاملين اثنين: أولهما، وجوده في بيئة حاضنة طبيعية في الجنوب اللبناني؛ وثانيهما، عدم تورط الحزب تقريباً (كحزب لا كأفراد) في الحرب الأهلية اللبنانية. وهما العاملان اللذان ينتفيان تماماً في حال قرر الحزب "اللبناني-الإيراني" اتخاذ الجولان "السوري" جبهة جديدة له، بعد أن بات ميليشيا طائفية تقتل السوريين على هذا الأساس، لأجل شخص وحفنة مستفيدين حوله، أو أسوأ من ذلك لأجل إيران.
عند هذا الحد لا يبقى إلا تفسيران للاستذكار المتأخر جداً للجولان السوري؛ إن قياساً إلى عمر الثورة أو إلى عمر الاحتلال الإسرائيلي.
التفسير الأول يقوم على "نظرية المؤامرة" التي يحبها الأسد وأنصاره، وهي تبدو هنا في أن إسرائيل تفتعل الأزمات على جبهة الجولان، بما فيها زرعها هي عبوات ناسفة تطال جنودها، ليكون ذلك ذريعة لعمل عسكري ضد حزب الله في سورية ولبنان. لكن إذا كان يمكن قبول "نظرية المؤامرة" ابتداء، فعلى هذا يمكن طرح أن تحريك جبهة الجولان يتم بعمليات يقوم بها حزب الله فعلاً، إنما بشكل محدود جداً، فقط للتغطية على مضمون وثائق سورية رسمية تنشرها المعارضة اليوم، وتؤكد إحداها قيام الحزب بنقل رسائل طمأنة لإسرائيل عبر الروس، للتفرغ لقتال السوريين إلى جانب الأسد.
التفسير الثاني الأكثر منطقية، هو أن حزب الله وإن كان لا يسعى إلى فتح جبهة الجولان الآن، إلا أنه يتخذ الاستعدادات ليوم يظن أنه سيأتي حتماً؛ عندما تقرر إسرائيل أن الفرصة صارت سانحة لهجوم كبير على الحزب بعد أن يستنفد دوره في سورية، ويستنفد أكبر قدر من إمكاناته. وعندئذ، يريد الحزب تشتيت القوات الإسرائيلية، أو على الأقل إيقاع أكبر ضرر بإسرائيل على أكثر من جبهة.
استذكار الجولان السوري المحتل الآن، ليس هدفه التحرير أبداً، ناهيك عن أنه لم يعد يفيد أبداً في تغيير صورة الأسد وحزب الله. وإنما يتم استغلال الجولان، كما كل سورية وفلسطين، وقود محرقة لتنفيذ أجندات أخرى، حماية حزب الله؛ ضمن مصالح إيران الأكبر فقط.