الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استراتيجيات إسرائيلية في خدمة نظام الممانعة!

استراتيجيات إسرائيلية في خدمة نظام الممانعة!

08.08.2016
ماجد كيالي


الحياة
الاحد 7/8/2016
لا شكّ في أن القضية الفلسطينية تختلف عن القضية السورية، وأن وضعية إسرائيل بالنسبة إلى الفلسطينيين غير وضعية السلطة السورية بالنسبة إلى السوريين. هكذا ففي القضية الفلسطينية ثمة شعب اقتُلع ثلثاه من أرضه بالقوة وبالإكراه، وحُرم وطنه وهويته، بفعل حركة استعمارية استيطانية عنصرية وإحلالية وأيديولوجية (دينية)، فيما القضية السورية تتعلق بشعب يصارع نظاماً استبدادياً وشمولياً احتل مجاله العام والخاص، وصادر حرياته وهيمن على موارده وسيطر على دولته، وحوّل النظام الجمهوري إلى نظام عائلي - وراثي ("جملكية").
بيد أن هذا البعض من الذين يأنفون عقد مقارنة كهذه، على خلفية أن العدو الرئيسي إسرائيل، وأن العدو "القومي" أو الخارجي أخطر من الداخلي، يحجبون حقيقة موجعة، لا يريدون أن يروها أو يقرّوا بها، مفادها أن مقارنة كهذه لا تصبّ في مصلحة النظام السوري، بل تدينه، وتدين الساكتين عنه. إذ هؤلاء يتجاهلون فارقين كبيرين: أولهما، أن إسرائيل عندما تقتل أو تدمر أو تحاصر فهي تفعل ذلك بشعب آخر، الفلسطينيين أو اللبنانيين مثلاً، فيما تحرص على حياة مواطنيها اليهود، وحتى على اليهود في كافة أرجاء المعمورة، ممن تدّعي أنها دولتهم، وهو أمر يفوت معظم الأنظمة العربية، كما يفوت النظام السوري الذي ذهب ضحية بقائه وعناده حوالى نصف مليون، فضلاً عن تشريد الملايين من السوريين وتدمير ممتلكاتهم وعمرانهم. ثانيهما، أن إسرائيل في استراتيجيتها هذه لا تقتل فلسطينيين، أو غيرهم، من أجل القتل البحت، وإنما تفعل ذلك، لا سيما بوحشية في زمن الحرب، لتأكيد قدرتها على الردع، ولإزاحتهم من مجالها الإقليمي أو للسيطرة عليهم، وإخضاعهم، وهذا غير ما تفعله البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية (والقصف بالكيماوي) التي يلقيها النظام السوري بطريقة عشوائية على ما يعتبره بيئات شعبية حاضنة للثورة، وبأبشع مما تفعل أي سلطة استعمارية.
هذا الكلام لا يقلّل البتّة من الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل. فهذه الدولة ساهمت في تشريد ثلثي الفلسطينيين عند قيامها (1948)، أي، بإحصائيات اليوم، خمسة أو ستة ملايين، وارتكبت عديد المجازر، ودمرت نحو 400 قرية، واحتلت مدناً، وما زالت مصرة على حرمانهم الوطن والهوية والحق في المساواة وتقرير المصير، على رغم كل تقديمات القيادة الفلسطينية.
المعنى من ذلك أن الجريمة جريمة مهما كان حجمها، صغيراً أو كبيراً، ومثلما أن جرائم إسرائيل لا تجبّ جرائم النظام السوري، فإن العكس صحيح أيضاً. والمشكلة هنا أن بعضهم حين يركّز على إسرائيل يحاول طمس الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، بدعوى "القومية" أو بدعوى "اليسارية" ومواجهة إسرائيل والامبريالية العالمية. وهذا يصحّ على التغاضي عن الأدوار الخطيرة التي لعبها نظام إيران، وضمنها تصديع وحدة مجتمعات المشرق العربي، على أسس مذهبية، وتخريب دولها، من العراق إلى لبنان مروراً بسورية، باستخدام ميليشياته الطائفية المسلحة.
ثمة جانب آخر يفترض تسليط الضوء عليه هنا، وهو أن "نظام المقاومة والممانعة" إنما ينتهج الاستراتيجيات العسكرية والسياسية والدعائية ذاتها التي اتبعتها إسرائيل في مواجهتها الفلسطينيين، طوال العقود الماضية... ولو أن كل المقارنات لا تصبّ في مصلحة النظام السوري، لا من حيث مستوى الوحشية، ولا العدد، ولا من جهة أن إسرائيل كانت توجه بطشها ضد شعب آخر، فيما النظام السوري يوجهه ضد شعبه.
هكذا، يخوض نظام الأسد حرباً وجودية، أو صفرية، ضد أكثرية شعب سورية، مستخدماً كل ما في ترسانته العسكرية من أسلحة، وهو استخدم في ذلك استراتيجية "الضاحية"، التي انتهجتها إسرائيل ضد منطقة بيروت الجنوبية (2006)، وبأكثر مما يفعل أي جيش احتلال. وهو، في حصار مناطق كثيرة في مدن سورية متعددة، يستخدم أسلوب إسرائيل في حصارها قطاع غزة منذ 2007، وهذا ينطبق على سياسة الاعتقال العشوائي أيضاً.
على الصعيد السياسي، لا تعترف إسرائيل بأن للفلسطينيين حقاً في أرضهم ووطنهم، فهذه بمثابة "أرض الميعاد" بالنسبة إليها، وهو ما ينطبق على النظام السوري الذي يعتقد ويتصرف بناء على أن هذه "سورية الأسد إلى الأبد"، وأن الوطنية تعني الخضوع للأسرة الحاكمة، وأن كل شيء يمكن التفاهم عليه ولكن تحت سقف الوطن، أي تحت سقف الاعتراف بالأبد الأسدي، وهذه هي المقاربة الإسرائيلية نفسها مع الفلسطينيين. فكل شيء يمكن التفاوض عليه على أساس الاعتراف بالسردية الإسرائيلية، وبيهودية الدولة، وباعتبار أن الصراع بدأ في 1967 وليس في 1948، وأن الفلسطينيين مجرد مقيمين، أو طارئين، وأن ما يتمتعون به من حقوق بمثابة منّة من إسرائيل!
هذا يحصل، أيضاً، في الاستراتيجية التفاوضية للنظام، إذ يحاول تصوير القضية السورية باعتبارها قضية إنسانية، وقضية صراع ضد الإرهاب، وهذا ما فعلته إسرائيل طوال مفاوضات مدتها قرابة ربع قرن. حتى في المداولات التفاوضية ليس هناك جدول زمني، ولا جدول أعمال، كأن المفاوضات مجرد لعبة، أو دوامة، لا مخرج منها، مع التركيز على فكرة محاربة الإرهاب والأمن أولاً، وهي المصطلحات الإسرائيلية ذاتها. أما على صعيد الدعاية، فيجري الترويج لعدم قدرة السوريين على حكم أنفسهم، وعدم جدارتهم بالديموقراطية، وهو ما تروجه إسرائيل بالنسبة إلى الفلسطينيين. فكما أنه لا حقوق للفلسطينيين، لا حقوق للسوريين، لا في الحرية ولا في المساواة ولا في تقرير المصير.
أخيراً، أضحت قضية السوريين بمثابة قضية دولية وإقليمية ومحلية، مثلها مثل قضية الفلسطينيين، وهذا ما اشتغل عليه النظام منذ البدايات. ولعل هذا يفسر القطبة المخفية في الموقف الأميركي اللامبالي، الذي يوظّف خراب المشرق العربي، وضمنه سورية، في أمن إسرائيل على المدى الاستراتيجي.
على أية حال، الأجدى بمن يأنف مقاربات كهذه أن يدرك أن الواقع أكثر قسوة ومرارة وخطورة بكثير من الكتابة عنه، وأن الإنكار أو المكابرة لا ينفعان مع موت الضمائر، وأن نقد الواقع هو المطلوب لا نقد توصيفه أو الكتابة عنه.