الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استراتيجيات الحوار في محادثات جنيف

استراتيجيات الحوار في محادثات جنيف

08.02.2014
د. يوسف نور عوض


القدس العربي
الخميس 6/2/2014
من أساسيات علم المنطق أن الحوار بين طرفين يحتم الاتفاق على مقدمة واضحة، إذ بدون هذا الاتفاق سيظل الطرفان يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان مطلقا، ولا شك أن الكثيرين في العالم العربي رحبوا بفكرة الحوار بين الحكومة والمعارضة في سوريا، ورأوا فيها السبيل الوحيد المتاح لوقف حمام الدم بين الطرفين. غير أن الكثيرين لم يقفوا ليتساءلوا كيف يمكن لطرفين أحدهما يدعو إلى أن يستوعب المعارضة في داخل جلبابه والآخر يريد تفكيك النظام أن يلتقيا في هدف مشترك؟
تلك هي المشكلة إذن التي تواجهها المباحثات السورية السورية والتي لا يمكن أن يتمخض بسببها حل مقبول للقضية القائمة في سوريا، ومن هنا نستطيع أن ننظر في تطور هذه القضية منذ نشأتها لنتعرف على ما مرت به من عقبات. .
ولا يمكننا هنا أن نتجاهل أن ما حدث في بلاد الشام كان امتدادا لثورات الربيع العربي، لكن، نظرا للظروف الخاصة التي تتميز بها سوريا فإن الأحداث بدأت تأخذ مسارا آخر.
البداية كانت في شهر آذار/مارس من عام ألفين وأحد عشر عندما خرجت تظاهرات في دمشق ودرعا تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ولم تتساهل قوات الأمن مع تلك التظاهرات، وعلى الفور قامت بإطلاق النار على المتظاهرين وقع على إثر ذلك عدد من القتلى والجرحى وهو ما أدى إلى سيل من التظاهرات في سائر مدن البلاد امتدت لعدة شهور.
ونتيجة لهذه التظاهرات قام الرئيس بشار الأسد بإطلاق سراح عدد من السجناء، كما قام بإلغاء قانون الطوارىء الذي ظل قائما مدة ثمانية وأربعين عاما.
وفي شهر ايار/مايو دخلت قوات النظام إلى ‘دمشق’ و’درعا’ و’بانياسو’حمص’ وأعملت وسائلها تقتيلا في المواطنين ما جعل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقرران فرض عقوبات على النظام، وعلى الفور أعلن النظام أن مئة وعشرين عضوا في القوات المسلحة قتلوا على يد من أسمتهم العصابات المسلحة في مدينة ‘جسر الشغور’، وقد حاصرت قوات النظام تلك المدينة ما دفع عشرة آلاف مواطن إلى الهروب واللجوء في الأراضي التركية، وعند ذلك بدأ الرئيس بِشار الأسد يطالب بما سماه الحوار الوطني.
وفي شهر تموز/ يوليو من العام نفسه قام الأسد بعزل حاكم حماة بعد اندلاع التظاهرات فيها، كما أرسل قوات للمحافظة على الهدوء في تلك المدينة .وكنتيجة لذلك أسس المجلس الوطني السوري في شهر تشرين الاول/أكتوبر جبهة متحدة للمعارضة الداخلية والخارجية، أما في الشهر التالي فقد وافقت جامعة الدول العربية على تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة. وشيئا فشيئا تحولت الانتفاضة ضد حكم الرئيس بشار الأسد إلى ما يوصف بأنه حرب أهلية،
أما في شهر كانون الاول/ديسمبر فقد وافقت سوريا على مبادرة من الجامعة العربية ترسل بموجبها الجامعة مراقبين لمراقبة الوضع السياسي والأمني في البلاد، لكن تزايد وتيرة العنف في سوريا جعل الجامعة العربية تقرر وقف هذه المبادرة .
وفي شهر شباط/فبراير عام ألفين واثنين اعترضت كل من روسيا والصين على مشروع قرار في مجلس الأمن موجه ضد النظام السوري.
وحدث ذلك في وقت واصل النظام فيه قصف مدينة ‘حمص’ وغيرها من المدن بالبراميل المتفجرة ما أدى إلى مقتل الآلاف من المواطنين، وفي شهر آذار/مارس وافق مجلس الأمن على خطة سلام غير ملزمة اقترحها مندوب الأمم المتحدة في سوريا ‘كوفي عنان’، وتدين هذه الخطة أعمال العنف التي تقوم بها الحكومة السورية ضد مواطنيها، .وفي هذه المرحلة أخطر الرئيس بشار الأسد مجلس وزرائه بأن هذه المشكلة ستكون طويلة الأمد ويجب أن تكون لها الأسبقية على كل شيء آخر، كذلك أعلنت تركيا عن غضبها بعد أن أسقطت الحكومة السورية إحدى طائراتها.
ومهما يكن من أمر فإن الأحداث بدأت تتصاعد إلى الدرجة التي أصبح لزاما على المجتمع الدولي أن يتدخل من أجل إيجاد صيغة تصالح بين الفرقاء السوريين.
وكان ذلك بداية مؤتمر جنيف الأول في الثلاثين من ايار/مايو عام ألفين واثني عشر والذي بدأه مندوب الأمم المتحدة ‘كوفي عنان’ وشاركت فيه وزيرة الخارجية الأمريكية ‘هيلاري كلنتون’، كما شارك فيه وزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ ووزير الخارجية البريطاني ‘وليام هيغ’ وممثل للحكومة الصينية، وقد صرح ‘كوفي عنان’ بأن المؤتمر وافق على تكوين إدارة انتقالية تشمل أعضاء من الحكومة القائمة والمعارضين، وأضافت وزيرة الخارجية الأمريكية ‘هيلاري كلينتون’ بأن الرئيس بشار الأسد لن يكون له مكان في هذا التوجه الجديد، وذلك ما اعترض عليه وزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’.
وبعد هذه النتيجة عين ‘الأخضر الإبراهيمي’ مندوبا جديدا للسلام في سوريا في شهر آب/أغسطس عام ألفين واثني عشر، وقد اتفق وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي على ضرورة التقريب بين الحكومة والمعارضة للجلوس مع بعضهما بعضا لمحاولة الوصول إلى حل للأزمة السورية، وكانت تلك بداية مؤتمر جنيف الثاني الذي ما زال يواجه العقبات.
وعلى الرغم من قضاء أسبوع كامل بين المعارضة والحكومة في جنيف فإن المؤتمر لم يستطع أن يتوصل إلى حل للقضية السورية، بل لم يستطع أن يضع قدميه على بداية الطريق الموصل إلى هذا الاتفاق، وقد أوضحنا من قبل أن سبب ذلك يكمن في حقيقة أنه لا توجد أرضية مشتركة بين الأطراف المتصارعة، ذلك أن الصراع في سوريا ليس مجرد خلاف سياسي بل هو خلاف طائفي في المقام الأول، وهذه حقيقة ظلت غائبة عن الكثيرين فترة طويلة من الزمن، ذلك أن الشعار الذي كان يرفعه النظام السوري عبر مساره الطويل هو تحقيق مبادئ حزب البعث العربي الإشتراكي، والمعروف أن المبادئ المعلنة لهذا الحزب هي مبادئ قومية ويسارية، وتلك مبادئ لم يلتزم بها النظام في أي مرحلة من مراحل وجوده، بكونه ظل نظاما طائفيا، ولا يستطيع أن يفرض مبادئه على أمة يقف سوادها الأعظم في الجانب الآخر من الانتماء الطائفي، وبالتالي فلا معنى لأن تتواصل الحوارات بين اتجاهات متعارضة أصلا ولا توجد أرضية مشتركة بينها.
وهنا لا بد أن ننظر إلى البعد العالمي الذي يمكنه أن يفعل شيئا إذا أراد، لكن هذا البعد لن يفعل شيئا لأن روسيا والصين حددتا موقفهما بتأييد نظام الأسد.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تبدو في الظاهر وكأنها معترضة على ما يجري في سوريا، فإنها في الحقيقة لا تستطيع أن تتخذ مواقف مغايرة لما تريده إسرائيل، ولا شك أن إسرائيل تريد استمرار هذه الفوضى في سوريا لإنهاكها، ولأنها تعتقد أن أي تغيير قي سوريا لن يكون في صالحها، لأنه سيأتي بعناصر إسلامية متشددة، وهذا السيناريو لن يكون مقبولا لديها .
ويبقى التساؤل المهم، وهو أين الدور العربي في هذه الأزمة ؟ والإجابة هي، إنه دور غائب وسيظل غائبا، ذلك أن الدول العربية ليست لديها القدرات لحل أزمة معقدة من هذا القبيل، كما أن الجامعة العربية أثبتت فشلها في التصدي لمثل هذه الأزمات؟
ولكن ماذا يعني كل ذلك؟
ما يعنيه هو أن النزاع السوري سيظل نزاعا متواصلا لفترة طويلة خاصة مع وجود حكومة لا تمانع في تدمير شعبها وكل منجزاته كما هو حادث الآن، إذ لم نر في التاريخ الحديث أو القديم نظام حكم يعمل جاهدا لتدمير شعبه وكل منجزاته المدنية والحضارية كما يفعل النظام السوري في الوقت الحاضر .
 
‘ كاتب من السودان