الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استراتيجية أميركية لإعادة رسم خارطة المنطقة بدءا بالجولان السوري

استراتيجية أميركية لإعادة رسم خارطة المنطقة بدءا بالجولان السوري

25.03.2019
رانيا مصطفى


العرب اللندنية
الاحد 24/3/2019
تغريدة جديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر، أطلقها مساء الخميس، يعترف فيها بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السوري المحتل، متحدّيا، وخلافا لكلّ الإدارات التي سبقته، كل القرارات الأممية والشرعية الدولية الرافضة لاحتلال إسرائيل لأراضي الجولان في يونيو 1967، وأهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981، بشأن بطلان القرار الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي في العام نفسه، بضم الجولان، وفرض قوانين إسرائيل وولايتها القضائية وإدارتها على الجولان السوري المحتل، واعتباره لاغيا، وليست له أي شرعية دولية.
لاقى الموقف/ التغريدة ردود فعل رسمية عربية ودولية رافضة له، باعتباره يخالف الشرعية الدولية، وقوانينها؛ حيث رفضته بيانات وتصريحات للنظام السوري، ولمعارضيه ممثلين بالائتلاف الوطني، ولجامعة الدول العربية، ووزراء خارجية مصر والأردن ومجلس التعاون الخليجي، ولتركيا، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا وألمانيا، وإيران، فضلا عن روسيا، الدولة ذات النفوذ الأكبر في سوريا.
إضافة إلى أن هذا الموقف أحدث ارتباكا داخل الدوائر الأميركية، باعتباره متسرّعا، ويتجاهل تداعياته وأبعاده الإقليمية والدولية المحتملة على المديين القريب والبعيد.
ترامب، المعروف بنسفه للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، يريد بهذا الموقف الإطاحة أيضا باتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التصرّف بوضع الأراضي المحتلة، أو التسبب بالأذى لها ولسكانها، وبالتالي تكريس سياسة الاحتلال كأمر واقع على الأرض.
بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قال إن ترامب “صنع تاريخا”، كان قد قرر زيارة واشنطن الاثنين والثلاثاء القادمين، ما يوحي بأن تنسيقا مسبقا تم قبل إعلان ترامب عن موقفه الأخير.
ورغم أن توقيت اعتراف ترامب جاء ملائما لصديقه نتنياهو، كونه سيخوض انتخابات في 9 أبريل المقبل، مع تقلّص فرصته في الفوز، لكنّه لم يكن اعتباطيا ومفاجئا تماما؛ بل جاء ضمن استراتيجية أميركية لإعادة رسم خارطة المنطقة، بدأت بتسريبات ما سمّي بـ”صفقة القرن”، ويشارك نتنياهو بنفسه في صياغتها، أي بما يحقق مصالح إسرائيل وأميركا، التي ينشط فيها اللوبي الصهيوني، ويؤثر على قراراتها. وقد ذكر ترامب في تغريدته أن مرتفعات الجولان تتّسم “بأهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل والمنطقة”.
غير الحديث عن “صفقة القرن”، في ديسمبر 2017، وقّع ترامب قرارا يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل بدلا من تل أبيب، متحديا الإجماع الدولي في هذا الشأن. وفي الأسبوع الماضي، صنّفت وزارة الخارجية الأميركية الجولان في خانة “المنطقة الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية” بدلا من “تحت الاحتلال”، كما جرت العادة في السابق، بحجة أن التقرير يصف الواقع على الأرض، الأمر الذي أكده بومبيو أثناء زيارته الحالية إلى إسرائيل، حيث رافق نتنياهو إلى حائط المبكى في خطوة غير مسبوقة لدعم رصيده الانتخابي.
وللمرة الأولى، كانت الولايات المتحدة قد صوتت، في نوفمبر الماضي، ضد قرار أممي يعتبر ضمّ إسرائيل للجولان “لاغيا وليس في محله”، حيث كانت الدولة الوحيدة التي اتخذت هذا الموقف.
مما سبق يتبيّن أن الاعتراف أتى بعد نقاشات مستمرّة لأشهر، وبتحريض من نتنياهو، الذي رافق السيناتور الأميركي الجمهوري ليندسي غراهام في زيارة إلى هضبة الجولان في 11 من شهر مارس 2019، وطلب منه الضغط على ترامب للاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
وقد قال غراهام إن هناك مشروع قانون بهذا الشأن في الكونغرس سيتمّ التصويت عليه، ما يعني أن تغريدة ترامب أتت عن سابق تخطيط ودراسة.
والحدود المعترف بها دوليا هي تلك التي رُسمت في 1923، أي بعد ترسيخ اتفاقية سايكس بيكو، وبالتالي المنطقة المعنية من هضبة الجولان تمتد من حدود 1923، الخاصة بدولة فلسطين قبل الإعلان عن قيام الكيان الإسرائيلي، وحتى حدود 1967 التي احتلتها إسرائيل، وتشكّل ثلثي مساحة هضبة الجولان، وهي أراضٍ خصبة ومنتجة، تعمّدت حكومات إسرائيل استمالة الدروز الذين يشكلون نصف سكانها السوريين، وتقديم بعض الامتيازات المادية لهم، وقامت باعتقالات تعسفية للسوريين، وفرضت الجنسية، واستمرت بتوسيع المستوطنات.
فيما جبهة الجولان هي الأكثر هدوءا من جهة قوات النظام السوري، منذ 1974، بموجب اتفاق فض الاشتباك الذي رعته الأمم المتحدة. وبالتالي فإن إسرائيل وأميركا كانتا راضيتين عن حالة الاستقرار قبل اندلاع الثورة السورية، لكن الانهيارات التي حصلت في سوريا، والمنطقة عموما، دفعت واشنطن وتل أبيب إلى التفكير في ترتيب جديد للوضع والمنطقة.
إسرائيل رتّبت الوضع مع موسكو، بما يتعلق بالتهديد الإيراني لها من الأراضي السورية، وهي تقصف بحرية المواقع الإيرانية، بالتنسيق مع قاعدة حميميم الروسية، تجنبا لتكرار حوادث مماثلة لحادثة سقوط الطائرة الروسية؛ وانتهت زيارات نتنياهو المتكررة إلى موسكو، مؤخرا بالتوصل إلى تفاهمات حول ترتيبات أمنية على الحدود السورية الإسرائيلية في الجولان المحتل، يشرف عليها الروس، لمنع أي مواجهة مفتوحة بين الجيش الإسرائيلي والميليشيات الإيرانية وحزب الله، القابعة في الجنوب السوري. حيث نشر الروس منتصف العام الماضي قوات من الشرطة العسكرية في هضبة الجولان، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إقامة 8 مواقع مراقبة في المنطقة، دعما لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مؤكدة أنه يجب عودة قوات النظام إلى المنطقة فور استقرار الوضع.
وبالتالي ترامب متضايق من التقارب الروسي الإسرائيلي، وأراد اقتحام الوضع، والتصدر مجددا لحماية أمن إسرائيل. وكذلك روسيا ترفض اعتراف ترامب الأخير، ولا ترغب بترتيب جديد للمنطقة دون مشاركتها، خاصة أنه يهدد مصالحها ورغبتها في الاستفراد بالوضع السوري.
في كل الأحوال، الاستراتيجية الأميركية- الإسرائيلية “لإعادة رسم خرائط المنطقة” تستغلّ ظروفا صعبة للغاية تمرّ بها سوريا والمنطقة، من حالة لا استقرار وانهيار عسكري وسياسي واقتصادي؛ ولعل هذه الاستراتيجية الجديدة أيضا دفعت واشنطن إلى التراجع عن انسحابها من سوريا، وتولي مهمة ترتيب الوضع، بالضد من تنامي الهيمنة الروسية في المنطقة.=
لكن قرار ترامب بالاعتراف بهيمنة إسرائيل على الجولان السوري المحتل لن يمرّ بهذه السهولة، إذ يحتاج إلى سلسلة طويلة من المساومات الشاقة مع كل الأطراف الدولية والعربية التي رفضت القرار، والذي يعيد العالم إلى شريعة الغاب؛ عدا عن رفض الشعب السوري له، وما سينجم عنه مستقبلا من حركات مقاومة شعبية، أو مدعومة من أطراف رافضة له أيضا.