الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استراتيجية الأسدين الراسخة والثابتة: إخفاء الداخل السوري

استراتيجية الأسدين الراسخة والثابتة: إخفاء الداخل السوري

02.11.2013
زياد ماجد *


الحياة
الجمعة 1/11/2013
أظنّ أن واحداً من أكثر "إنجازات" النظام الأسدي بين العامين 1970 و2000 نجاعةً لتغطية القتل والخنق واغتيال السياسة وسحق المجتمع كان تحويل سورية الى موقع ودور. فهذا التحويل أخفى الداخل السوري وجعل سورية تبدو للعالم مجرّد حدود أو مجرّد "وظيفة" في منطقة الشرق الأوسط.
وقد بدأ عمل الأسد الدؤوب على تحقيق ذلك عقب حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 التي عدّها "تحريرية" على رغم أن خطّ فصل القوات بعدها شهد خسارات ترابية إضافية على خسارات العام 1967 حين كان وزير دفاع... فكرّس على مدى سنوات تبعت الحرب مقولات تظهره في موقع البطل المغدور الذي حالت الخيانة الساداتية المفضية الى اتفاقيّة كامب دايفيد دون استرجاعه "كامل الجولان" وتحقيقه النصر الحاسم. ورافق ذلك اجتياح قواته لبنان عام 1976 لمحاصرة منظمّة التحرير الفلسطينية المتمدّدة سياسياً وعسكرياً فيه، وللسيطرة عليه بوصفه مساحة "تبادل رسائل" وتصفية حسابات إقليمية ودولية ثم مرتعاً للارتزاق المالي ولتوزيع المغانم على أجهزة مخابرات نظامه وعلى ضباط الخدمة المقرّبين إليه.
ومع إطباقه على القوى السورية اليسارية والإسلامية المعارضة، له ابتداءً من أواخر السبعينات، كان الأسد يرسّخ علاقاته مع موسكو ويحسّنها مع دول الخليج العربي التي أمدّته بمساعدات مالية ضخمة. ثم ما لبث أن حالف إيران بعد الثورة لمحاصرة عدوّه وشبيهه العراقي صدّام حسين ولتقديم خدماته كوسيط بين الخميني وبين السعودية والدول الغربية المعادية لطهران. وكان له ما أراد طيلة الثمانينات إثر ولادة "حزب الله" في البقاع اللبناني الذي عبر إليه الحرس الثوري من دمشق وما تبع الأمر من أزمات رهائن غربية متعدّدة ومفاوضات أجراها مع باريس ولندن وواشنطن والرياض ترافقت أحياناً مع تفجيرات متنقّلة فاضت مراراً عن الحدود اللبنانية.
إضافة الى ذلك، أمسك الأسد ببعض خيوط المسألة الكردية وسمح لحزب العمّال باستخدام الشمال الشرقي السوري بهدف ابتزاز الأتراك، في وقت كان أكراد سورية يعانون أشدّ أنواع القمع الذي حرم أكثر من ثلثهم من المواطنة السورية وحرم الباقين من كامل حقوقهم الثقافية والسياسية.
أما في التسعينات، فقد رافق إرسال الأسد جيشه لمشاركة الأميركيين وحلفائهم قتال صدام حسين المحتلّ للكويت، ومن ثم انخراطه في مفاوضات "السلام" مع إسرائيل، وضع يده بالكامل على لبنان برضا دولي موقت.
كما رافق الأمر اتفاقه مع إيران على مساعدة "حزب الله" من خلال فصل المسار الإداري والاقتصادي اللبناني عن القضية "الوطنية" وعن مسائل السيادة وقرارات السلم والحرب في الجنوب المحتلّ، ومن خلال تمرير السلاح الإيراني الى الحزب والتنسيق معه. وعمل الأسد، مع كل خروج لنيران المواجهة بين الحزب الشيعي وإسرائيل من المناطق المحتلة، على التحوّل وسيطاً في الجهود الدولية "لإيقاف النار" (اتفاقا تموز/يوليو 1993 ونيسان/إبريل 1996) والتواصل المباشر مع واشنطن.
كل ذلك في وقت كانت أجهزته تخوّن القيادة الفلسطينية لتوقيعها اتّفاق سلام (فاشل) مع الاسرائيليين وتُعلي من شأن سياساته الرافضة لكل "استسلام أمام العدو"، على رغم أن جبهة الجولان ظلّت الأكثر هدوءاً واستكانة.
هكذا، تحوّلت "سورية" الى عرّاب إقليمي وموقع تفاوض دولي، وتحوّلت كذلك الى دور سياسي وعسكري في لبنان والخليج والى قاعدة هجاء إعلامي ولفظي للصهيونية والامبريالية، وغاب مجتمعها تماماً، ليس خلف السجون وفي المنافي أو بسبب قانون الطوارئ وأجهزة المخابرات و "قيادة البعث للدولة والمجتمع" فحسب، بل نتيجة انحسار التعامل الدولي معها خارج إطار دورها وخارج إطار موقع الرئاسة المحرّك لهذا الدور، أي موقع الأسد شخصياً.
لذلك، حملت مقولة "سورية الأسد"، إضافة الى ربطها البلاد بالأسرة المالكة، دلالات ليس أقلّها حصرها بما فرضه الأسد من تقييد لها بوظائف إقليمية (خارجية) يحتكر شخصه الإشراف عليها.
وقد تواصلت المهمة نفسها بعد توريثه السلطة في "جمهورية" لابنه عام 2000. فالأسد الثاني ومستشاروه كما بعض مُجايلي والده وُفّقوا بسلسلة تطوّرات دولية أبقتهم في موقع الدور والوظيفة: من أيلول (سبتمبر) 2001 و "الحرب على الإرهاب" التي عرض النظام خدماته وخبراته على الغربيين فيها، الى الحرب الأميركية في العراق التي شتمها النظام في لحظة غضب رأي عام عربي ودولي عليها، ثم لعب لعبته المفضّلة تجاهها، أي السماح للجهاديّين بعبور سورية في رحلات منظّمة الى العراق لإبقائه مشتعلاً وشاغلاً العراقيين والاميركيين من جهة، وإلقاء القبض على بعض هؤلاء الجهاديّين وسجنهم أو تسليمهم الى الكمائن الأميركية على الحدود كلّما قاربت لهجة استنكار واشنطن التهديد، من جهة ثانية.
وبين حملة اغتيالات واستهدافات لخصوم الأسد في لبنان ابتداءً من 2004 وما تبعها من انسحاب للجيش السوري من البلاد وحرب ضروس بين "حزب الله" وإسرائيل ثم تفجيرات متنقّلة وتوتّرات سياسية، وبين أواخر 2010، نجحت "سورية الأسد" في البقاء حاضرة على حساب مجتمع سورية المغيّب والمهشّم، عبر بقاء شأنها مرتبطاً بقرارات أممية وحملات معادية لها أو داعمة أو تطبيعية انطلاقاً من أدوار النظام ووعوده وخدماته الشرق أوسطية.
ولم يتمكّن ملايين السوريين والسوريات من التغلّب على اختفائهم المعلن منذ 1970 وإسماع أصواتهم إلاّ جزئياً بعد اندلاع ثورتهم الكبرى في آذار (مارس) 2011. فبدأوا من يومها إزالة آثار هذا الاختفاء واكتشاف ذواتهم و "دواخلهم"، لكن بلادهم استمرّت بالنسبة الى كثيرين خارجها "سورية الأسد" نفسها، المتعرّضة لمؤامرات نتيجة موقعها ووظيفتها (وهذا جوهر الخطاب الممانع عربياً و "المناهض للإمبريالية" دولياً)، أو الواجب التفاوض معها أو تركها لحالها أو فصلها عن حلفائها (وهذا مكمن المواقف الإقليمية والغربية الرسمية بأكثرها، المراوِحة بين بحث عن حلّ أو دعم مقنّن للمعارضات السورية).
وليس من الصعب والحال هذه فهم بعض الأبعاد "التراجيدية" التي تواجه الثورة وحجم ما تحاول إطاحته من أثقال 43 عاماً من الخراب والمصائب واللغة الكاذبة وأجهزة البطش والموت العاري كما المقنّع، وكلفة الإطاحة الباهظة. فكيف وأنها فوق ذلك صارت تواجه احتلال قوى عدمية ظلامية لبعض المساحات التي حرّرتها بالدم والعرق من الاستبداد الأسدي؟
plifie<�ai� ��� �ا أراد الاستمرار في العمل نحو عقد جنيف – 2 عليهما، أولاً، أن ينخرطا شخصياً معاً في إصلاح العلاقة مع السعودية لأن لها نفوذ مع المعارضة السورية التي لن يكون ممكناً عقد جنيف – 2 من دون مشاركتها.
ثانياً، على بان والياسون والفريق الذي يدعم الممثل الخاص في مبنى الأمانة العامة في نيويورك – ومن بينهم وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان – أن يتوقفوا عن المواربة في تحديد مرجعية جنيف – 2 ومؤهلات الذين يشاركون في المؤتمر. فليس كافياً القول إن رسالة الدعوة للمشاركة ستنص على أن مرجعية جنيف – 2 هي جنيف – 1 أي إطلاق العملية السياسية الانتقالية في سورية عبر هيئة تتفق عليها الحكومة والمعارضة تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية. يجب الحصول على ضمانات مسبقة بأن الدولة التي ستتشارك في جنيف – 2 ستعلن قبولها بمرجعية جنيف – 1. يجب أن يكون ذلك شرطاً مسبقاً للدول التي ستُدعى إلى جنيف – 2. فالمعركة على تفسير جنيف – 1 دامت سنة ونصف، وما زالت مستمرة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على رغم الاستعداد الأميركي "للتوريق" فوقها الآن. ذلك أن "عقدة الأسد" ما زالت العقدة وليس هناك ما يفيد بأن روسيا – أو إيران – على استعداد للتخلي عن إصرارهما على بقاء فعلي وفاعل للأسد في العملية السياسية الانتقالية وفي الحكم في سورية. لذلك انهما تتملّصان من الوضوح في شأن جنيف – 1. مفهوم أن روسيا كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ستكون طرفاً في جنيف – 2 بغض النظر عن وضوحها أو غموضها نحو جنيف – 1. إنما ليس هناك من داعٍ لأي كان أن يُدعى إلى جنيف – 2 محمَّلاً بالغموض وبالتملص عندما يُسأل عن موقفه من إنشاء هيئة للعملية السياسية الانتقالية يكون لها كامل الصلاحيات لإدارة البلاد. فحقيقة الأمر أن طهران لا توافق على ذلك.
على بان والياسون أن يتذكرا – بل أن يُذكرا العالم – أن عدد القتلى السوريين عند انعقاد جنيف – 1 في حزيران (يونيو) 2012 كان حوالى 10 آلاف شخص. اليوم، إن العدد وصل إلى أكثر من 110 آلاف قتيل فيما استمرار المعارك السياسية على تفسير ما تم الإجماع عليه في بيان جنيف – 1.
عليهما البدء في التفكير بدورهما المباشر في صنع جنيف – 2 في حال استقال الإبراهيمي. فهذه مناسبة لانخراطهما الضروري في المأساة السورية كي لا يظهرا وأنهما في احتفاء دائم بإعادة ملف سورية إلى الأمم المتحدة عبر بوابة الأسلحة الكيماوية وعلى متن عربة الوفاق الأميركي – الروسي الذي أعاد الإجماع على قرار تدمير الترسانة الكيماوية السورية إلى مجلس الأمن. فلقد حان موعد الاستفاقة من الاحتفاءات المفرطة – بعض منها لأسباب خيالية – فيما الواقع على الأرض يسجّل دموية مستمرة ويدشن اندلاعاً خطيراً للنزاع السوري على الأراضي اللبنانية.
يجب ألاّ تكون الأمم المتحدة شريكاً للاستراتيجية الروسية المصرّة على انعقاد جنيف – 2 في موعده ضماناً لفشله – وهذه مسؤولية بان والياسون بصورة مباشرة. على الأمانة العامة الاستدراك لأنها في فوهة البركان. والأهم، ولأنها عنوان القيادة الأخلاقية، على الأمانة العامة أن تكف وراء الاختباء وراء عجز مجلس الأمن حيناً أو إجماعه حيناً آخر. فهي في مسألة مؤتمر جنيف – 2 تمتلك مفاتيح انعقاده. فليشمّر بان كي مون ويان الياسون عن ساعديهما ويدخلا بقوة في عملية إنجاح جنيف – 2 بدلاً من القبوع في ظل ما ترتأيه الولايات المتحدة وروسيا.