الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استراتيجية جديدة للتدخل العسكري

استراتيجية جديدة للتدخل العسكري

04.07.2013
جوردون آدامز

الاتحاد
الخميس 3/7/2013
لقد خرجنا من العراق، وفي طريقنا الآن للخروج من أفغانستان. ولم تعد للولايات المتحدة شهيّة للتدخل العسكري في سوريا. فما الذي يبقى للشاب ذي الهندام الموحد أن يفعله؟ في يوم 11 يونيو الماضي، زعم «مايكل هيرش» أن الولايات المتحدة (فقدت أعصابها) على المستوى الدولي. وقال إن أوباما تنازل عن دوره الريادي في قيادة العالم، وتخلّى عن وجود أميركا العسكري الاستراتيجي في مناطق التوتر. وبات العديد من الأميركيين يؤيدون «هيرش» في ما أطلق عليه عبارة (الانسحاب التدريجي من الورطات الخارجية)، وباتوا يفضلون أن يعود الجيش الأميركي إلى وطنه بأسرع وقت ممكن، وأن ينسحب من أفغانستان، وألا يتدخل في سوريا على الإطلاق. وقال أحد الخبراء: (كفانا تورّطاً وتدخلاً في شؤون الآخرين).
ويرى بعض المحللين أن هذا المنحى في التفكير ينطوي على خطورة كبيرة، ودعا «دافيد بارنو» النقيب المتقاعد في مركز «الأمن الأميركي الجديد»، إلى الإبقاء على الوجود العسكري للولايات المتحدة في دول العالم. وعمد «بارنو»، الذي شارك في العديد من البحوث الجادة المتعلقة بالتخطيط العسكري لصالح وزارة الدفاع الأميركية، إلى القول مخاطباً «هيرش»: (إن الطعم الحامض-يقصد التدخل العسكري وراء البحار- يطمس الحقيقة التي تؤكد على أن القوة الأميركية حول العالم هي التي تشرف على قولبة النظام العالمي وتضمن له السلام المستدام). وحتى «بارنو» ذاته آثر التعبير عن قلقه فيما يتعلق بالمدى الذي يجب أن تذهب إليه الولايات المتحدة في تدخلها بالقضايا الدولية. وفي معرض حديثه حول الأزمة السورية، كتب يقول: (يمكن تحقيق مصالح الولايات المتحدة عن طريق دعم الدول المجاورة لسوريا والتركيز على الدور الإنساني. وبعد 10 سنوات من التدخل العسكري الدموي للولايات المتحدة في الحروب التي اندلعت في المنطقة، فإن الانزلاق إلى حرب جديدة يتناقض مع المنطق السليم ويتعارض مع المصالح الحيوية الأساسية للولايات المتحدة).
ويمكن النظر إلى اعتراض بارنو على التقوقع الأميركي (أو العزلة) باعتباره يمثل تكراراً لوجهة نظر تعكس الرأي السائد عند صُنّاع القرار السياسي في واشنطن حول الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم. وتقول وجهة النظر هذه: نحن أناس طيّبون، نعمل من أجل الحفاظ على السلام، ونحن الذين وضعنا الأسس التي تبنى على أساسها القوانين، فكيف يمكن أن يكون شكل العالم من دوننا؟ وإن لمن العسير التخلي عن الحذر عند الحديث حول التدخل العسكري من أجل تعزيز دور الولايات المتحدة كدولة قائدة للنظام العالمي. والحق يُقال أن منهجي استعراض العضلات والمبالغة في الحذر لا يجتمعان).
وسأتجنب إطلاق تعبير «الانعزالية» isolationism أو «الانعزالية الجديدة» على هذا النوع من الحذر مثلما فعل «هيرش». وأما الذي يحدث بالفعل على أرض الواقع فهو يمثل المشهد الأخير من مسرحية تاريخية لاستعراض الولايات المتحدة لعضلاتها عندما كانت تتدخل في شؤون الآخرين، وحيث كنا نعتقد جميعاً أن في وسع القوة العسكرية أن تحسم الأمور وتضع حدّاً للمشاكل. وتمثّل المشهد الثاني لهذه المسرحية بالفشل الذريع لهذه الرؤية (في كوريا وفيتنام والعراق وبالمآسي المتلاحقة التي نشهدها في أفغانستان)، وانتهى بظهور أصوات قوية تعارض استخدام الجيش كوسيلة لحسم الأمور في السياسة الخارجية الأميركية.
ولكن علينا أن نتوخى الحذر هنا، إذ يجب الانتباه إلى أن القرار الذي يقضي بالامتناع عن إقحام الجيش بالتدخل في القضايا الكبرى لا يعني أبداً أن القوات العسكرية لن تستخدم بعد الآن. ويمكنني القول إن القيادة العسكرية للولايات المتحدة اختارت لنفسها أسلوباً جديداً فيما يتعلق بتحديد مهمات تدخلها المستقبلية في مناطق التوتر، ولكن ذلك حدث على الأرجح بطريقة لا تتفق مع مصالحنا القومية.
ويطلق «البنتاجون» والبيت الأبيض على هذه الاستراتيجية الجديدة مصطلح (تدعيم القوة الذاتية للشركاء)، وهي تمثل «مذهباً جديداً»، فيما يتعلق باستخدام القوات المسلحة للولايات المتحدة في العالم، وأصبحت استراتيجية أساسية للنظام العسكري الأميركي. ويؤخذ على هذا النموذج أنه مبطّن وخفي وغير معلن، ويتلخص بتدريب وتأهيل القوات العسكرية لدول أخرى صديقة وتجهيزها بالسلاح والمعدات بالإضافة لاستخدام ونشر قوات أميركية أصغر حجماً بحيث تتوزع على عدد أكبر من البلدان حول العالم، (وربما تعدّ مناورات «الأسد المتأهب»، التي جرت في الأردن مؤخراً مثالاً واضحاً، حول هذا التوجّه الجديد).
ولا شك أن الوضع المتأزّم في سوريا يمكن اعتباره نموذجاً مثالياً لدراسة هذه الظاهرة. فبدلاً من اللجوء إلى الأسلوب التقليدي، الذي يتمثل بالغزو المسلح بالاعتماد على قوات برّية ضخمة العُدّة والعتاد أو فرض منطقة للحظر الجوّي، (وهي الإجراءات التي يعارضها بارنو)، فإن السياسة الرسمية للولايات المتحدة تقضي بتزويد المعارضة السورية بالمساعدات الإنسانية وبالأسلحة (غير الفتّاكة)، مثل أجهزة الاتصالات اللاسلكية لتسهيل مهمة اتصال الثوّار ببعضهم البعض. وقبل أسبوعين فقط، أعلن البيت الأبيض بأنه قرر البدء بتزويد الثوّار ببعض الأسلحة الخفيفة.
ولكن، وقبل وقت ليس بالقصير من صدور هذا الإعلان، كانت الأسلحة الفتّاكة تصل إلى الثوّار السوريين. وبما أن هذا العتاد الفتاك لم يأتِ من المخزون الأميركي للأسلحة، فإن من الجدير أن يُقال إن الولايات المتحدة تقوم بدور فعّال في تأسيس نظام لتهريب تلك الأسلحة. ولم يفتضح هذا الأمر إلا مؤخراً بالرغم من أن الإشاعات المتعلقة بهذه القصة كانت تصل إلى مسامعي منذ أكثر من عام. ويمكنني أن أستعير في هذا الصدد جملة وردت على عجل في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» تقول: (لقد لعبت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بالفعل دوراً داعماً في مجال تزويد الثوّار السوريين بالسلاح).
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أننا تحملنا جهود تدريب الثوّار السوريين على هذه الأسلحة في كل من تركيا والأردن، وبما يسوّغ الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تعزز بالفعل من حضورها العسكري في هاتين الدولتين. ونحن الآن نستخدم طائرات (إف-16) المتخصصة بفرض منطقة الحظر الجوّي، وعمدنا إلى تنصيب بطاريات صواريخ باتريوت من أجل الدفاع عن مخيمات اللاجئين السوريين. ونحن نخطط للإبقاء على 700 من جنود القوات الأميركية هناك بمجرد انتهاء المناورات التي جاءوا للمشاركة فيها.
وبهذا تكون الإدارة الأميركية قد اختارت أن تبقي على التدخل العسكري في سوريا ولكن تحت ستار (بناء القوة الذاتية)، إلا أن القرار الأخير بالتدخل العسكري هناك بشكل علني كشف عن برامج، هي الآن في طريقها إلى التنفيذ.
وماذا حول البرنامج المحدد بالمادة رقم 1206، والذي يسمح للولايات المتحدة بتدريب وتسليح ودعم القوات المسلحة في أكثر من 40 دولة؟ وهو التزام يكلف «البنتاجون» 350 مليون دولار سنوياً، كما أنه البرنامج الذي حظي مؤخراً بإقرار لجنة الخدمات العسكرية في الكونجرس بتمديده حتى عام 2018.
أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في واشنطن
ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»