الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استقلالية الأكراد وتشظي المجتمعات العربية

استقلالية الأكراد وتشظي المجتمعات العربية

17.08.2013
محمد نور الدين

الشرق القطرية
السبت 17/8/2013
لا يمكن أن يمر تهديد رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني بالدخول إلى سوريا للدفاع عن أكراد سوريا في مواجهة جبهة النصرة وغيرها من المعارضة السورية على أنه مجرد موقف في سياق الأزمة في سوريا والصراع في منطقة الشرق الأوسط عموما.
يختزل تصريح البرزاني عددا من الدلالات في الوقت نفسه.
الأولى أن أكراد المنطقة باتت لهم كلمة في تطورات المنطقة والقدرة على التحرك لتغيير مسار بعض الأمور. وهذه القدرة بدأت تطل برأسها منذ أن اختلف أكراد العراق مع حكومة بغداد المركزية حول اتفاقيات النفط وتصديره وحشد الطرفين قواتهما استعدادا للحرب.
الدلالة الثانية أن أكراد العراق يتصرفون تجاه قضايا خارج العراق كما لو أنهم دولة مستقلة. وهم يمكن أن يتخذوا هذه المواقف في القضايا الداخلية كونهم جزءا من المكون العراقي ضمن الوحدة الجغرافية له. لكن أن يتعهدوا بالتدخل في خارج العراق ومن خارج التنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد يشكل سابقة خطيرة على طريق ترسيخ استقلالية الفيدرالية الكردية كدولة مستقلة وليس كجزء من جغرافية العراق.
الدلالة الثالثة أن إقليم كردستان العراق يطرح نفسه ليس كجزء من العراق ولا من المنطقة الشرق أوسطية ككل بل كونهم جزءا من كردستان الكبرى. وهذا تعكسه المؤتمرات التي لا تتوقف في أربيل والتي يشارك فيها كل أكراد الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار يمكن إضافة التصريح النوعي لرئيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري صالح مسلم الموالي لحزب العمال الكردستاني التركي والذي قال فيه إنه يمكن لأجزاء كردستان الأربعة في سوريا والعراق وإيران وتركيا أن تقيم فيما بينها ما يشبه "الاتحاد الأوروبي" في إشارة إلى الانفصال عن الأطر التي هم فيها والتوجه لخلق كيانية كردية شاملة.
ليس من أحد ينكر الهوية الكردية وتطلعات الأكراد لترجمة شخصيتهم وهويتهم في كيانية معينة. وهذا من حقوقهم حيث تسعى كل قومية إلى دولة خاصة بها. وإذ نالت كل الشعوب بعد الحربين العالمية الأولى والثانية دولة خاصة بها بقي الأكراد خارج اللعبة واستمروا تابعين للدول التي هم فيها. وبما أن الدولة القومية في الشرق الأوسط لم تنجح في ممارسة مواطنة تساوي بين الأديان والمذاهب والأعراق والعشائر وما إلى ذلك فإن الوسيلة الوحيدة أمام الأكراد وبعض القوميات الأخرى الأصغر كان التمرد واستخدام العنف والسلاح من أجل نيل المطالب. ولم يكن غزو العراق عبثيا من أجل ضرب الخريطة الحالية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى والثانية والتي هي انعكاس لسايكس بيكو والانتقال إلى سايكس بيكو جديدة أكثر شرذمة للأمة العربية والإسلامية خصوصا حيث يوجد أكراد. وهنا تدخل تركيا وإيران أيضا في الجغرافيا التي يستهدفها التفتيت علما بأن القاعدة الجديدة للتفتيت والتقسيم ليس صرف جغرافية بل إنه حيث يضطر الخارج إلى إبقاء الوحدة الجغرافية لبلد معين فإنه يدخل في سياسة التفتيت الديني والمذهبي والاجتماعي بحيث تدخل الأحقاد والكراهية قلوب أبناء البلد الواحدة ليعيشوا في اضطراب دائم وليبقى الجرح مفتوحا إلى ما شاء الله وهو ما يراد تحديدا في العراق وسوريا ومصر.
وليس من ذرة شك في أن إسرائيل والغرب هما الأكثر استفادة وتحريضا على استمرار حمام الدم العربي والإسلامي في المنطقة. وإن ضرب الدولة المركزية في الدول العربية والإسلامية وضرب قوة الجيوش فيها وتحطيم قدراتها هما هدفان رئيسيان للمخططات الغربية وبقدر ما تنهار السلطة المركزية وفي ظل ضرب القوات المسلحة تصبح الطريق مفتوحة أمام تشظي وحدة الكيانات وسيطرة قوى الأمر الواقع والعصابات المسلحة والنزعات العرقية والمذهبية. والتقليل من الخسائر المتحققة حتى الآن يحتاج إلى مراجعة عميقة للأخطاء والتبصر بالمخاطر الهائلة التي تهدد الواقع العربي والإسلامي. وهذه لا شك مسؤولية كل الأطراف من تركيا إلى إيران إلى العرب قبل أن ينهار السقف، المتهالك أساسا، بكامله على الجميع.