الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اسم القاتل

اسم القاتل

23.08.2013
حسام عيتاني

الحياة
الجمعة 23/8/2013
لو قُيض لواحد منا، نحن الآمنين في بيوتنا، ان يجول بين أطفال الغوطة الشهداء، لظن انهم اخوة الأبناء الذين يدخل غرفهم الدافئة ليلاً للاطمئنان عليهم. فتعابير وجه هذا تشبه تلك التي ترتسم على وجه ابنك البكر عندما ينام. وشعر تلك لا يختلف عن شعر ابنة اختك الطويل الأملس. والرضيع ذاك كأنه توأم ابن صديقك الذي زرته قبل ايام للتهنئة بالمولود الجديد.
التآلف مع وجوه الضحايا والتماهي معها، يضع الناظر في موضع الشاهد على الجريمة. هول الفجيعة يُخرس الأصوات ليبدو الاستنكار والغضب عديمي المعنى وسط الذهول والعجز الشاملين. السؤال عن حقيقة المشهد يتقدم تفسيره بأشواط. كيف يجري هذا القتل الكثير بالقرب منا مستفيداً من صمتنا وتواطئنا ولا مبالاتنا. كيف انحدرنا، كبشر، إلى هذا الدرك من البهيمية لنقبل رؤية هذه الأجساد ممددة على البلاط البارد، ثم نشيح وجوهنا ونتابع حياتنا البائسة اللاهية؟ أصحاب الضمائر الحية بيننا يضيئون شمعة وبعضهم قد تنزل دمعة من عينيه، ثم يستأنفون في الصباح التالي سعيهم الى أرزاقهم.
السؤال عن القاتل والمجرم والمسؤول لم يعد ذي جدوى. الكل يعلم اسم القاتل. الكل يعلم من أمر بارتكاب المجزرة ومن خطط لها ومن وجد سياقها في خدمة هدفه السياسي. ومن بررها بالكلمة وبالموقف وبالتهنئة والشماتة. القتلة والمجرمون باتوا من العادية والابتذال بحيث يمكن الإشارة الى اسمائهم ورتبهم ومواقعهم وبيوتهم، من دون خطأ او التباس. الأذيال والاتباع معروفون أيضاً، بوسائل اعلامهم الرخيصة وابتساماتهم الصفراء ووجوههم الميتة وكلمة «إنها الحرب» القذرة.
لا قيمة لسؤال عن الطاغية ولا عمّن أدمن الإقامة بين أوساخ اجهزة المخابرات بذريعة «الممانعة» و»المقاومة» والتصدي للمؤامرات الغربية الدنيئة. فهؤلاء نراهم كل يوم، أذلاء تافهين يمجدون المجرم ويحرضونه على المزيد من قتل الأبرياء. يهذون بكلمات فارغة عن الاستراتيجية والعواصم والدول.
السؤال الذي يطلب إجابة سريعة هو ذاك المتعلق بنا. بمن يُعلن انحيازه الى جانب الضحية. ومن يقول انه لا يقبل بموت بريء. من يرفض ربط قضية فلسطين بأقبية تعذيب تحمل اسمها. من يرى في الحياة قيمة مجردة، تعلو «الضرورة» وقائدها الرمز المفدى.
السؤال ينبغي ان يبحث في كيفية الخروج من خانة الضحية العاجزة الواقعة بين أنياب ذئاب الداخل والخارج، والانتقال الى موقع الفعل والتأثير وتقرير المصير والقدرة على رد غوائل القتل المجاني وجوائح القتلة. فهؤلاء، وبعد أن استمرأوا طعم الدم واطمأنوا الى عجز العالم وخواء تحذيراته وتلوّن خطوطه الحمر بألوان اللامسؤولية، لن يقلعوا عن عادتهم بالنصح والموعظة.
لا يعني هذا الكلام استدراج ردود على المجزرة بمجازر مشابهة ولا مقابلة العنف بعنف مكافئ. فهذا من باب تحصيل الحاصل بعدما فتح القتلة ذاتهم دورة العنف والقتل والثأر الجهنمية. بل يقول ان خطوط فصل جديدة يجب ان تُرسم بين مواطني هذه البلاد. بين من ذهب في «الواقعية» الى حدود الارتكاس نحو القطيع الطائفي، وبين من يصرّ على الحفاظ على بقايا الإنسان فيه حتى لو كلفه ذلك ما يكلفه.
المعركة ليست مع سفاح دمشق وحده. وليست أيضاً مع مبرري القتل اليومي في سورية ولبنان وغيرهما. هذه المعركة للحيلولة دون بقاء بلادنا حقولاً للقتل وغابات للصيد يتسلى فيها المجرم وحاشيته وينتظر فيها ذوو النوايا الحسنة انتظاراً يائساً مجيء مخلص من ملكوت ما. هذه المعركة لمنع استمرار معرض تتراصف وتتكدس فيه جثث أطفالنا تحت العدسات وبين مكعبات الثلج.