الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اقتراحان لإخماد حرب القرن

اقتراحان لإخماد حرب القرن

11.06.2013
د.طيب تيزيني

الاتحاد
الثلاثاء 11/6/2013
مع تعاظم غير مسبوق لاستخدام السلاح في سوريا، يجد المرء نفسه أمام حالة قد تنتهي بهذه الأخيرة إلى مصائر خطيرة، يبرز منها اثنان، التدمير الكامل بالمعنى الجغرافي الطبيعي، وتقسيمها إلى عدد من المناطق أو المحاور السياسية الجغرافية أو الطائفية وغيرها. وليس من قِبل المبالغة أو التهويل أن نقول بأن حدوث المصيرين الاثنين أو الواحد منهما، أمر تحتمله الأحداث القائمة على قدم وساق. ومن ثم، فإن بذل جهود إنقاذية قصوى حيال سوريا الوطن يمثل الحد الأدنى من الواجبات المطروحة على أبنائها وأصدقائها. وقد قُدمت مبادرات ومشاريع وخطط واقتراحات من الداخل والخارج أُريد لها أن تطفئ نار الموت المشتعلة، لكن واحداً منها لم تتح له فرصة النجاح، فظل الأمر مفتوحاً، بل وربما يبشّر بازدياد رهان الحرب وحشية وباستمرارها إلى أجل مفتوح وغير مسمّى.
من هنا، يصبح ذا مشروعية كبرى أن تفكر المجموعات الوطنية الشريفة في اجتراح حلول جديدة، تسهم في إسكات أصوات المدافع والطائرات، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن السياسة والحرب كلتيهما لا تُغلقان احتمالات الدخول في تنازلات ومساومات تمر عبرها إجراءات ما قد توصل إلى السلم الأهلي عبر قناتين اثنتين، قناة العدل وقناة الخروج بسوريا موحّدة وديمقراطية مدنية وعصرية. أما القناة الأولى فنعني بها التأسيس لمحاكم وطنية برقابة دولية تنجز مهمة عظمى لعلها تنتج حالة من الإجابة على السؤال التالي: منْ مِن الأطراف المتنازعة كان هو الذي لجأ إلى الحل العسكري، في وقت كان فيه كبح جماح النزاع ممكناً بل وسهلاً؟ إن محاكمة عادلة لمن تسببوا في إشعال السلاح البسيط إلى المعقد، يمكن أن تخلق حالة من الرضا والتوازن في أوساط الجميع، وتأتي القناة الثانية لتقدم نفسها بصيغة الموادعة بين كل الأطراف. وهنا بالضبط، يصح التحدث عن مصالحة وطنية قائمة على العدل والشعور بضرورة إيقاف شلالات الدم، وذلك على نحو يُطيح بالنزعة الثأرية وبالطائفية البغيضة لما يعمق مفاهيم الديمقراطية والمجتمع المدني في حياة الأطراف كلها. أما القناة الثانية فتعلن عن نفسها بصيغة إطلاق سراح الفئات الثلاث من المعتقلين، دون تأجيل. وتبرز الفئة الأولى من هؤلاء بشخوص السياسيين، الذين اعتُقلوا وزُجّ بهم في السجون، بسبب مواقفهم وآرائهم السياسية. أما الفئة الثانية فهي تشتمل على سجناء الرأي المخالف لرأي المعبّرين عن النظام المهيمن. وأخيراً تعلن الفئة الثالثة عن نفسها ممثّلة بمن نطلق عليهم «سجناء الضمير» وهؤلاء هم الذين أعلنوا عن مواقفهم المتضامنة مع من دافعوا عن السجناء كلهم، الذين دخلوا بسبب تضامنهم الحضاري والإنساني والأخلاقي معهم.
وإذا وضعنا القناتين المذكورتين في حسبان الصراع الدموي في سوريا، فإننا سنتجه بيدنا إلى أهم نتيجة تتأتّى عن القناة الأولى، هي معرفة مَنْ أعطى أوامر القتل الناري، ومّن نفذه بعد أن سوّغه؟ أما ما يمكن وضع اليد عليه في سياق تطبيق القناة الثانية وتعميق نتائجها التي تندرج في إطار العملية الجديدة في المجتمع، فيتحدد في اكتشاف أهمية السعي إلى التأسيس لنظام اجتماعي سياسي جديد.
إن حراكاً معمقاً على صعيد اجتراح الحلول الواقعية والممكنة يبقى حاسماً في سبيل بلوغ سِلم أهلي في سوريا، مع التأكيد على أن ما يحدث في سوريا ليس هو، في الأساس، مؤامرة كونية يشترك فيها سلفيون وجهاديون ومجموعات مسلحة، وإنما هو حالة طبيعية من إعادة بناء سوريا العربية بعد عقود مديدة، وإن كان هؤلاء قد ظهروا في سياق الأحداث في سبيل الإطاحة بالمشروع الناهض إلى الإصلاح نحو الحرية والديمقراطية.