الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اقتراح لقيادة الائتلاف الجديدة: التقوِّي بالسوريين

اقتراح لقيادة الائتلاف الجديدة: التقوِّي بالسوريين

14.07.2014
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 13/72014
بعد أربعة أيام من مداولات أعضاء الهيئة التي يُفترض فيها تمثيل الثورة السورية سياسياً، خرج الأمين العام السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية يُبشرُ السوريين بخبرٍ واحدٍ ووحيد يتمثل في انتخاب هيئةٍ رئاسية جديدة. ولأول مرةٍ في مثل هذه الاجتماعات، لم يكن هناك أي بيانٍ رسمي عن مداولات الهيئة العامة يُشير إلى أنها خرجت بقرارٍ واحد يتعلق بأي شأنٍ من شؤون الثورة السورية.
حتى الجهدُ البسيط الذي كان الائتلاف يبذلهُ سابقاً، على خجل، ليُشعر السوريين بأن أمور ثورتهم تُناقش، بشكلٍ أو بآخر، في اجتماع هيئته العامة، صار شيئاً من الماضي.
هكذا، تتكرر التجربة التي صارت سِمةً لعمل الائتلاف، خمسةُ أشهر من الجمود يتلوها شهرٌ من المباحثات والصفقات والمناورات الكثيفة (والشرسة أحياناً) التي تهدف فقط للوصول إلى قيادة الائتلاف مع نهاية الشهر السادس. والكل يبرر لنفسه وللآخرين أنه ما إن يصل إلى مقعد القيادة، فإنه سيعمل للسوريين وثورتهم، ثم تعود الأمور إلى الجمود.
يصدق كثيراً في وصف الوضع ما قاله ياسين سويحة في مقاله منذ أسابيع: "يعيش الائتلاف، ككيان سياسوي افتراضي، في واقعٍ لا يشبه وقائع ما يجري في الداخل السوري في شيء. لا إيقاعُ تحرّكه يتناسق مع مجريات الداخل، ولا فداحة النكبات الكبرى التي وقعت على رؤوس السوريين ترتدّ في أدائه السياسي. السوريون، من يُتابع منهم أخبار الائتلاف، على موعد مع ضجيج دوري كلّما اجتمع أعضاؤه لـ"انتخاب" رئيس جديد له، ضجيج يَصدر ويُسمع في واقع سريالي، ليته كان واقعاً موازياً بأقل درجات التوازي. لا أخبار عن الائتلاف بالكاد إلا المشاحنات والخصومات والمكائد، وتغيّر اصطفافات وتحالفات أعضائه كأفراد، أو الكيانات الهُلاميّة – كي لا نسمّيها وهميّة – التي يُفترض أنها تُكوّنه. يجري كلّ هذا وسط ضبابيّة ووراء كواليس مثيرة للريبة وللغضب، على ماذا يختلفون؟ على ماذا يتفقون؟ لماذا يتحالف هذا مع ذاك اليوم؟ لماذا خاصم هذا ذاك أمس؟ وهل ستعود الخصومة غداً؟".
لا يفيد في شيء تأليفُ مُعلقةٍ هجائيةٍ أخرى للائتلاف، رغم أن غالبية أعضائه لا يفهمون من أي نقدٍ سوى أنه يهدف للتهجم والاتهام، ولهذا فالأرجح ألا يمتلكوا الصبر على قراءة أي نقدٍ موجهٍ إليه، فضلاً عن إمكانية الاستفادة منه في قليلٍ أو كثير. والنتيجةُ السريعة والمباشرة هي اتهامُ كل من يُوجهُ النقد بالخصومة الشخصية وتصفية الحسابات وغير ذلك من الاتهامات الجاهزة المُعلَّبة، والاستراحةُ من عناء التفكير، والعودة للانشغال بمسيرتهم المألوفة.
بغضَّ النظر عن معاني هذه الممارسة، هناك مسؤولية كبيرة جداً تقع على القيادة الجديدة للائتلاف لتواجه تحدياتٍ عديدة، بعضُها ينبع من تركيبة الائتلاف وثقافته، في حين ينبثق بعضها الآخر من الظروف التي لابست وصولها إلى موقعها القيادي.
ثمة أولاً المعنى الكامن في الانقلاب الجذري في التحالفات، والذي أدى إلى النتيجة الجديدة، وهو انقلابٌ من النقيض إلى النقيض، يعرف الجميع تفاصيله الغرائبية. لن نناقش هنا دلالات هذا الموضوع فيما يتعلق بالقيم والمبادئ، إذ يبدو أن هذه الأخيرة لم تعد ذات علاقة بالفكر السياسي السائد في الائتلاف.. وإنما يكمنُ الخطر في دلالاتها العملية فيما يتعلق بالمستقبل. فحين تحدثُ مثل هذه الانقلابات لحسابات ومصالح انتخابية بحتة هذه المرة، كما في مراتٍ سابقة، فإن هذا يعني إمكانية حصولها دوماً في أول موقفٍ تتضارب فيه تلك الحسابات والمصالح. ومن المعرفة بشؤون الائتلاف، فقد يحدث هذا أقرب مما يتصور الكثيرون، الأمر الذي يُصيب أي مبادرات جدية بالشلل، ويجعل القيادة دائماً محكومةً بالحفاظ على توازناتٍ يمكن تأمينها بالسلبية وانعدام المبادرة، أكثر بكثير من ضمانها بالفعل الإيجابي المُبادر.
وفي مساقٍ آخر، الواضح أن رئيس الائتلاف الجديد هو أكثر شخصيةٍ مرت في قيادات الائتلاف تمتلك حداً أدنى من الكمون الإداري والثقافي المطلوب لقيادةٍ فعالة. لكن عليه أن يتذكر دائماً كيف أن آليات العطالة والتعطيل الداخلية تحكمُ تركيبة الائتلاف وثقافته بشكلٍ يمكن لها بسهولةٍ أن تقتل ذلك الكمون.
على سبيل المثال، ليس لدينا أي عاملٍ شخصي ضد أعضاء الهيئة الرئاسية الجديدة، لكن معرفتنا بهم تؤكدُ بأن تركيبة الهيئة هي أبعد ما تكون عن التجانس، على المستوى الفكري والشخصي والخلفية الثقافية والقدرات التنظيمية والإدارية. وهو تجانسٌ يُمثل الشرط الأول لإمكانية إحداث أي نقلةٍ مؤسسيةٍ، مطلوبة منذ زمن، في عمل الائتلاف.
والواضح على مدى قرابة عامين من عمر الائتلاف أن ثقافة عميقة ترسخت فيه لا يمكن أن تسمح أصلاً بأي نوعٍ من أنواع العمل المؤسسي.
رغم هذا، ورغم أن رئيس الائتلاف محكومٌ بشكلٍ أو بآخر بأعراف الائتلاف وتحالفاته، إلا أن ثمة أفقاً يُمكن أن يُفتح إذا ما بادر إلى الخروج، بشكلٍ مُخططٍ ومتوازنٍ ومدروس، من حصار هيكلية الائتلاف إلى فضاء المجتمع السوري الواسع المؤيد للثورة، بكل ما فيه من طاقات وخبرات وإمكانات. وهؤلاء يُعدون بالمئات على الأقل، لم يستطع الائتلاف يوماً أن يوظف طاقتهم الإيجابية، بل إن ممارساته ومواقفه عملت على تحييدها أو تحويلها إلى طاقةٍ سلبية ضده عملياً ونفسياً وإعلامياً.
توجدُ حتماً وسائل كثيرة للتواصل مع تلك الشرائح على المستوى الشخصي، كما يمكن ابتكار آليات لاستيعاب جهودهم في إطار أداء وظائف الائتلاف، دون كونهم أعضاء فيه بالضرورة.
التقوِّي بالسوريين إذاً.
قد يكون هذا مدخلاً وحيداً يُخرج قيادة الائتلاف من الاستعصاء المتحكم بهيكلية الائتلاف وثقافته، ونحن لا نطرحُ هذا غراماً بالائتلاف، وإنما لكون هذا الجسد المترهل مفروضاً على الثورة كممثلها السياسي. وإذا كان من السهل الزهدُ فيه وفي شؤونه لدى الكثيرين، لكن هذا لا يغير من حقيقة تأثيره السلبي البالغ على الثورة في وضعه الراهن.
ثمة فسحة زمنية محدودة أمام رئيس الائتلاف الجديد لإظهار ملامح تغييرٍ حقيقي فيه، وبما أن مصير الطريق القديم معروف، فقد تكون الجرأة على السير في طريقٍ جديد يلتحمُ بالسوريين سبباً لإصلاح الائتلاف، أو لإعذارٍ يحفظ المقام أمام الشعب والتاريخ.