الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الآثار الجانبيّة لخطابات حسن نصرالله

الآثار الجانبيّة لخطابات حسن نصرالله

07.07.2013
عارف حمزة

المستقبل
السبت 7/7/2013
جاء اليوم الذي يوشوش فيه الغريب في أذن الشعب السوريّ، عن مصلحته وأخطائه، وضرورة العودة إلى رشده. وإذا لم يعد "إلى جادة الصواب" فهو بحاجة إلى قتال كي يفيق من غيبوبته، التي أبعدته عن الصف "العروبيّ" في الممانعة والمقاومة، أو عن مصلحته على الأقل. جاء اليوم الذي يُقلّد فيهم أحدهم النظام السوريّ في سياسته طوال عقود سابقة؛ في التدخل في شؤون الدول العربيّة الأخرى، باسم المقاومة والممانعة؛ النظام الذي كان يرى في نفسه بأنه يفهم في شؤون العراق أكثر من العراقيين، وفي الشأن اللبناني والفلسطيني والأردني، أكثر من اللبنانيين والفلسطينيين والأردنيين. هذا ما يظهر عليه السيد حسن نصر الله، منذ بداية الأزمة السوريّة، في الوقوف إلى جانب النظام السوريّ، ثم تطوّعه إلى مرحلة القتال السرّي في سوريا، بعد أشهر قليلة من بداية الثورة السورية، ثم إلى مرحلة القتال العلنيّ لمنع سقوط "الجدار الأخير للممانعة والمقاومة". وفي مرحلة القتال العلنيّ، وبسحب مقاتليه من شمال فلسطين المحتلة، إلى شمال سوريا، كان عليه أن يظهر إلى العلن ليبرّر وجود قوّاته على الأرض هناك، وليبرّر توالي ظهور الجنازات الغامضة لعناصر من حزبه إلى مثواها الأخير، في المناطق اللبنانيّة التي يسيطر عليها. ولتنهار تلك الصورة، "الذهبيّة"، تماماً، بعد ظهور تشقّقات فيها، بسبب الصمت المريب في بداية الأزمة السوريّة، تلك الصورة التي كان قد حصل عليها، لدى العامة، من المواطنين العاطفيّين على الأقل، بعد حرب تموز مع إسرائيل. كان الناس يضعون جزءاً من صوته، الذي كان يلعلع في خطاب حماسيّ ما، كرنّة للموبايل، ناهيك عن صوره، وأعلام حزبه، التي صارت تحتلّ حتى البيوت، بعد احتلالها المستمرّ والمتتالي للمؤسّسات العامة والأمنيّة والعسكريّة في البلاد.
ظهر في القرن الحادي والعشرين مَن يُخاطب السوريّين بلهجة الانتداب الجديد، ولكنه انتداب غير متمدن على الأقل، وطائفيّ على أبعد تقدير. فهو ظهر كي يقول للسوريين "المتخلفين والجهلة والمبتدئين في فهم ما يُحاك للمنطقة" بأنه يُقاتل السوريين، على الأرض السوريّة، كي يُحافظ على الدولة السوريّة من الخراب. وأضاف بأنه كان سيُحارب النظام السوريّ نفسه لو أن هذا النظام يريد خراب الدولة السوريّة، من دون أن يسأل نفسه لماذا على مقاتليه بالذات فعل ذلك؟ ولا من الذي طلب منه حماية الدولة السوريّة من الخراب؟ ولماذا القتال العلنيّ في "القصير" بالذات، و"حمص" بالذات، كبوّابة للقتال، بدلاً عن الجيش السوريّ، في بقيّة المناطق السوريّة الثائرة؟ ولا عن نوع الثأر الذي بينه وبين مقاتلين لا يعرفهم، ولم يسمع رأيهم أو يلتقي بهم؟
وبعيداً عن كلّ تلك الأسئلة والتفاصيل، فإن خطاب السيّد الانتدابيّ الأخير أدى مباشرة إلى انهيار سعر صرف الليرة السوريّة أمام الدولار الأميركي وليس العكس؛ فقد كان سعر الدولار الواحد، قبل الخطاب، يعادل /142/ ليرة سورية، وبعد الخطاب صار يعادل /250/ ليرة! ثمّ عاد بعد عدة أيام، بعد تدخّل المصرف المركزي في سوريا، إلى /170/ ليرة للدولار الواحد. وخافت الناس من أن يؤدّي هذا الخطاب إلى انهيار الاقتصاد السوريّ برمته، في طريق قوات سماحة السيّد لمنع خراب الدولة السورية.
كل شيء تغيّر سعره بعد الخطاب مباشرة، وباتت المواد الأساسيّة تنفقد من الأسواق، من زيوت وسمن وسكر ورز وأدوية وحليب الأطفال... بسبب ارتفاع أسعارها المتوالي والجنوني بين ساعة وأخرى من ترجمة الخطاب الإنقاذي، لدرجة أن الناس صارت تتوجّس من أيّ خطاب جديد؛ وبعضهم قال بأنّ خطابين جديدين، لا سمح الله، سيؤدّي إلى انهيار الاقتصاد السوري كاملاً بالفعل، وقد يموت السوريّون من الجوع بسبب خطابات السيد حسن نصر الله وليس بسبب شراسة و"عقيدة" مقاتليه.
أراد خطاب سماحة السيد أن يلصق تهمة جديدة لمناصري الثورة السوريّة؛ بأنهم عملاء للكيان الصهيونيّ؛ طالما أن عدو إسرائيل صار عدوّهم. وبأنه ذاهب لتحرير الأرض السورية في طريقه لتحرير الأراضي العربيّة المحتلة من قبل إسرائيل. وهذا ما صوّر الأزمة السورية في أنّ طرفاً "وطنيّاً" يواجه طرفاً "خائناً" للوطن، للحفاظ على مبدأ مقاومة الكيان الصهيونيّ!
وبدا الأمر ذاهباً نحو انقسام أكبر بين الطوائف السورية المتعدّدة، بعد وصول حزب من المذهب "الشيعيّ" لمناصرة الطائفة "العلوية" في قتال "السنّة". بمعنى أنه من المراد تحويل الثورة السوريّة إلى ثورة طائفيّة بامتياز. ويبدو أنّ هذا الأمل هو من مقتضيات الحفاظ على الدولة السوريّة من الخراب في نظر سماحته.
لقد تعرّضنا للتحقيقات الأمنيّة والاعتقال و"تسويد" الصفحة لدى أجهزة أمن النظام؛ عندما طالبنا، في بيانات للمثقفين السورييّن، بانسحاب الجيش السوريّ من لبنان. وهذا مبدأ وليس منّة على اللبنانييّن، بل هو أقلّ الإيمان وفق تعابير سماحة السيد، إذ كان النظام يهدف إلى الحفاظ على سلطته في سوريا من خلال تخريب لبنان، باقتتال اللبنانيّين، والذي كانت تُجهّز فيه الانقلابات السورية السابقة لعهد النظام المستمرّ. وكثير من هؤلاء المثقفين يُعتبرون من مناصري الثورة السورية منذ انطلاقتها في شهر آذار من عام 2011، ووقفوا في وجه النظام بكلّ شجاعة، من أجل إعادة الاعتبار للدولة السورية والمواطن السوري على حدّ سواء، وباتوا الآن أيضاً في مواجهة حزب لبنانيّ يتدخل بالسلاح في الأزمة الداخليّة السوريّة.
إن سماحة السيّد يعمل وفق عقليّة النظام السوريّ، الذي رأى في تخريب الدولة اللبنانيّة حفاظاً على سلطته ونظامه واستمراره، ولكن بطريقة عكسيّة هذه المرّة؛ فالوقوف إلى جانب النظام، بكلّ الوسائل، التي من بينها القتال بدلاً عنه، ومنعه من السقوط على أيدي الثوّار، هو الوقوف بالضبط إلى جانب حزبه ومنعه من السقوط في الساحتين السوريّة واللبنانيّة.