الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأجندة الأمريكية في سوريا

الأجندة الأمريكية في سوريا

23.01.2018
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 22/1/2018
يلحظ المراقب للسلوك الأمريكي تجاه الحدث السوري، منذ اندلاع الحراك في أواسط مارس/‏ آذار 2011، حالة من عدم الثبات في الأجندة السياسية الأمريكية تجاه عناصر الصراع الوطني السوري، وتناقضاً كبيراً بين التصريحات الرسمية للبيت الأبيض والمؤسسات الأمريكية الفاعلة (وزارة الخارجية، البنتاجون) وبين السلوك الفعلي المباشر، وبعد أن كان التوجه الأمريكي خلال الأعوام الثلاثة الأولى ينحو باتجاه تغيير النظام، أصبح لاحقاً ينحصر بشكل كبير في محاربة الإرهاب، وهو التوجه الذي تكلّل بإنشاء "التحالف الدولي على الإرهاب"، الذي قادته الولايات المتحدة.
في قضية الكيماوي السوري، وافق الرئيس الأسبق باراك أوباما على إلغاء الضربة التي كان قد قررها على منشآت عسكرية وأمنية تابعة للنظام السوري، مقابل نزع السلاح الكيماوي، وأعطى الروس اليد الطولى في هذا الملف، ومنحهم نقاط قوة كبيرة في معالجة الصراع في مختلف أوجهه،.
خسرت الإدارة الأمريكية في عهد أوباما ثقة الحلفاء التقليديين في الخليج العربي، فقد بدا سلوكها محاولة للانكفاء عن مجمل ملفات المنطقة، بما فيها أمن الخليج، الذي كان أحد ثوابت السياسات الأمريكية على مدار عقود، وهو ما منح إيران قدرة كبيرة على التحرك في الشرق الأوسط، وتحديداً في الملفين السوري واليمني، وأعطى انطباعاً لدى مختلف اللاعبين بأنه لا يمكن التعويل على اللاعب الأمريكي في إحداث حالة من الاستقرار في المنطقة، وهو ما أفقد الجميع القدرة على الوصول إلى توافقات فيما بينهم، بل على العكس من ذلك، فإن الغياب، وعدم الفاعلية الأمريكية، أوحى لبعض اللاعبين بإمكانية اقتناص الفرصة، لتحقيق مكاسب أكبر، عبر المزيد من التدخل.
في الصراع السوري، تتوافق التصريحات المعلنة للإدارتين السابقة والحالية حول وحدة التراب السوري، لكن السلوك العملي للإدارتين لا يظهر فعلياً أن أمريكا تعمل بجدية من أجل منع ذهاب سوريا نحو شكل من أشكال التقسيم، حتى لو لم يكن ذلك التقسيم معلناً، لكن الوقائع الفعلية لتقاسم النفوذ الخارجي تظهر أن الوطن السوري لم يعد واحداً، بل مقسّماً وفق خريطة مصالح الدول الفاعلة في الصراع، وبالتالي فإن الولايات المتحدة لا تبدو حريصة على وحدة سوريا، بقدر حرصها على إدارة الصراعات، وتحقيق مكاسب عبر ما ينشأ من تناقضات بين اللاعبين أنفسهم.
تبدو إدارة ترامب أكثر وضوحاً في الإفصاح عن المصالح الأمريكية في الميدان السوري، فهي من جهة الجنوب تريد تحقيق ابتعاد إيران وحزب الله عن الحدود مع "إسرائيل"، بمسافة تتجاوز 40 كلم، ومن جهة الحدود مع العراق، في منطقة التنف، تريد توسيع حضورها، من أجل منع تواصل النفوذ الإيراني من طهران إلى المتوسط في لبنان، وفي الشمال تعمل على دعم "قوات سوريا الديمقراطية" لتشكّل حاجزاً مع تركيا، وهو ما جاء في الإعلان الأمريكي مؤخراً حول تشكيل قوة من 30 ألف مقاتل لحماية الحدود، قوامها الأساس من "قوات سوريا الديمقراطية"، ذات الأغلبية الكردية.
السؤال الأساس حول هذه الأجندة هو: إلى أي حدّ تساعد فعلياً في تحقيق حل سياسي؟
من المعلوم أن الولايات المتحدة لم تقدّم منذ بداية الصراع السوري تصوّراً متكاملاً حول الحل السياسي، على الرغم من دعمها المباشر لبعض فصائل المعارضة المسلحة، ومشاركتها في تشكيل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، من دون أن تجعل دعمها حاسماً للصراع، فقد أبقت دعمها مشروطاً بتوازنات الصراع نفسه، كما أعطت اللاعبين الإقليميين مساحة من النفوذ المباشر على عدد من فصائل وهيئات المعارضة، ولم تسعَ إلى انخراط سياسي جدي مع القوى الإقليمية من أجل الوصول إلى حل سياسي.
وبناءً عليه، فإن الأجندة الحالية لا تبدو أكثر فاعلية في تشكيل خريطة طريق للحل السياسي، بل أنها في بعض جوانبها، خصوصاً فيما يتعلق بالشمال السوري، تأتي لتعمق المشكلات في الصراع السوري نفسه، ولتزيد من التوترات الإقليمية، وتضع عقبات جديدة أمام المسار الروسي في المضي نحو خفض التصعيد، وإعادة خلط الأوراق في الساحة السورية، وإذا ما قاربنا هذا السلوك مع التجربة الأمريكية في العراق، يظهر لنا غياب الحرص الأمريكي على تماسك عناصر الحل، بل زيادة الفوضى والاضطراب فيه، وتعميق الهوة بين حوامل هذا الحل داخلياً وخارجياً.