الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأرشيف الرقمي للحرب السورية مهدد بالاندثار

الأرشيف الرقمي للحرب السورية مهدد بالاندثار

10.03.2021
العرب اللندنية


العرب اللندنية 
الثلاثاء 9/3/2021 
بيروت- يخشى خبراء وناشطون سوريون خسارة أبرز الأدلة الرقمية، التي وثقت أسوأ النزاعات في القرن الحالي مع اقتراب الحرب من طي عامها العاشر، رغم الجهود الضخمة لحفظها من التلف وطمس قرائن محاسبة نظام الأسد. 
ومنذ أيام النزاع الأولى، وثّق مواطنون مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي تروي يوميات الحرب. لكنّ جهدهم ذهب سدى بعدما حذف برنامج تشغيل ذاتي أرشيفهم الشخصي في الإنترنت. 
وأحد هؤلاء، المعتز بالله، الذي اعتبر خلال مقابلة قديمة مع وكالة الصحافة الفرنسية أن البرنامج الإلكتروني يقدر أن محتوى مقاطع الفيديو يخرق معايير موقع يوتيوب، لما تتضمّنه من مشاهد عنف. 
وبعكس فيديوهات كثيرة تمكن ناشطون من استعادتها، لم يكن ممكناً إنقاذ أرشيف المعتز بالله، الناشط، الذي اعتقله تنظيم داعش المتطرف عام 2014 في الرقة وأعدمه جراء نشاطه التوثيقي. 
ويقول سرمد جيلان، صديق المعتز بالله، وهو لاجئ حاليا في ألمانيا “لم تكن مجرد فيديوهات تمّ حذفها، بل هي أرشيف كامل لحياتنا”. 
ويضيف جيلان، وهو أحد مؤسسي حملة “الرقة تذبح بصمت”، المنصة الأبرز التي وثّقت انتهاكات داعش في مدينة الرقة، معقل الجهاديين السابق في سوريا، “تشعر وكأن جزءاً من ذاكرتك المرئية مُحي” تماماً. 
وعلى غرار شركات أخرى، أطلقت يوتيوب، المنصة التي استخدمها معظم الناشطين السوريين لتحميل مقاطع الفيديو، في 2017، برنامج تشغيل ذاتي لرصد وحذف أي محتوى يعارض المعايير المعتمدة من المنصة، كمشاهد العنف والدماء، فأزال مئات الآلاف من المقاطع المصورة في سوريا. 
وكانت هذه المقاطع المصورة وثقت الضربات الجوية التي نفذتها قوات النظام على معاقل الفصائل المعارضة، وما خلّفته من قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والأطفال ومن دمار. ونقلت للعالم مشاهد قاسية من هجمات بأسلحة كيميائية اتُهمت دمشق بشنها. كما أظهرت وحشية الجهاديين الذين استولوا على مناطق واسعة في سوريا ونفذوا إعدامات غير مسبوقة. 
ضياء كيالي: الشعور السائد أن هناك نيّة لإزالة جزء من التاريخ السوري 
وشكّلت مقاطع الفيديو التي التقط معظمها شبان سوريون على الأرض، مرجعاً لصحافيين ومحققين للاطلاع على ما يجري في بلد يشهد نزاعاً تعددت أطرافه ولم يكن دخول صحافيين مستقلين إليه متاحاً في كل المراحل. 
ويقول جيلان “تشكل الفيديوهات جزءا من ذاكرة شعب كامل. كل مقطع يذكرنا بكل قذيفة استهدفتنا، بتاريخ الحدث، حتى بما شعرنا به يومها”. 
وبعدما حذف يوتيوب قبل أربع سنوات محتوى حملة “الرقة تذبح بصمت” تمكن القيمون عليها من استعادته بمساعدة من مبادرة “الأرشيف السوري”. 
وتهدف المبادرة إلى الحفاظ على “الوثائق المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الأخرى المُرتكبة من جميع أطراف النزاع في سوريا بهدف استخدامها في قضايا المناصرة والعدالة والمساءلة القانونية”. 
وتعد المبادرة أحد مشاريع منظمة “مينوميك” الدولية لأرشفة المواد الرقميّة المُهدّدة بالاختفاء. وتمكنت منذ عام 2017، من إنقاذ أكثر من 650 ألف مقطع مصور على يوتيوب، وهو جزء بسيط جداً مما تمّ حذفه. 
ويقول ضياء كيالي من المنظمة “ثمّة شعور حقيقي لدى من يعمل في مجال التحقيقات عبر المصادر المفتوحة بأنه هناك نية لإزالة التاريخ السوري.. إنها عملية نزف ثابتة ومستمرة لمجموعة أدلة”. 
ووفق كيالي، فإنه بعد مقارنة مقاطع الفيديو المحفوظة لدى “الأرشيف السوري” بتلك المتوفرة إلكترونياً تبين أن ربع المحتوى الموثّق لم يعد موجوداَ على يوتيوب. 
ويمكن للوضع أن يتفاقم فقد توصّل نوّاب في الاتحاد الأوروبي نهاية العام الماضي إلى اتفاق أولي يفرض قواعد أكثر تشدداً على منصات التواصل الاجتماعي الكبرى بينها إزالة أي مواد تعتبر مسيئة خلال ساعة واحدة فقط من نشرها. 
ويرى كيالي أنه في حال تطبيق هذه القواعد ستزداد محاولات إنقاذ المحتوى السوري صعوبة، ما يدفع المعنيين إلى “أرشفة أي مادة بمجرد أن نجدها”. 
ويعتمد يوتيوب على برامج ذاتية التشغيل فضلاً عن مراقبين لرصد المحتوى. لكن تفشي فايروس كورونا دفع الموقع، وفق آخر تقاريره، إلى الاعتماد بشكل أكبر على البرامج للتقليل من عدد الموظفين في المكاتب. ويعني ذلك أن الموقع قد يحذف أحياناً “محتوى قد لا يشكل انتهاكاً لسياساتنا”. 
ورصدت البرامج الذاتية التشغيل 8.8 مليون شريط فيديو من أصل أكثر من تسعة ملايين أزالها الموقع في الفصل الأخير من عام 2020، حُذف نحو 36 في المئة منها قبل حتى أن يشاهدها مستخدمو يوتيوب. ويوضح متحدث باسم يوتيوب “حين نُبلغ عن أي فيديو أو حساب حذف عن طريق الخطأ، نعمل سريعاً على إعادته”. 
لكن رغم الحذف، يحفل الإنترنت بأرشيف كبير عن سنوات الحرب. ويقول نيك ووترز من موقع “بيلينغ كات” المختص بالتحقيقات عبر المصادر المفتوحة “لدينا كمية مشاهد من الحرب السورية أطول من الحرب نفسها”. 
وساهم النزاع السوري في تحويل “بيلينغ كات” إلى أحد أبرز المراجع التي تعتمد على المصادر المفتوحة، بعدما عمد إلى تحليل صور ومشاهد من سوريا للتحقيق في مزاعم حول هجمات كيميائية. 
ولجأت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومنظمات حقوقية عدة إلى المصادر المفتوحة للتحقيق في صحة هذه الهجمات. ويعتقد ووترز أن المحتوى الذي يحمّله شخص ما مهم لناحية تحديد “ما الذي حصل، متى وأين”، لكنه قد لا يكون على هذا القدر من الأهمية حين يتعلق بالإجابة عن سؤالين: لماذا ومن المسؤول؟ 
ويقول ووترز “كل فيديو أو صورة عبارة عن حقيقة رآها شخص ما ولذلك عبر حذف مقاطع الفيديو، خصوصاً تلك العائدة لأشخاص قتلوا.. تُدمر كبرى مواقع التواصل الاجتماعي الأدلة”.