الرئيسة \  تقارير  \  الأزمة الأوكرانية: بوتين يترنح ولكنه يسعى للثبات والبحث عن الثغرات الأوروبية

الأزمة الأوكرانية: بوتين يترنح ولكنه يسعى للثبات والبحث عن الثغرات الأوروبية

17.10.2022
القدس العربي


القدس العربي
الاحد 16/10/2022
باريس ـ “القدس العربي”:  شكلت حملة القصف الروسية على أوكرانيا يوم الإثنين الماضي وخاصة قصف السكان المدنيين في العديد من المدن الأوكرانية، العنوان الأبرز للتطورات الميدانية المتصلة بالحرب في أوكرانيا خلال هذا الأسبوع الذي عرفَ أيضاً ادانة أممية بأغلبية كبيرة لإقدام روسيا على ضم أربع مناطق أوكرانية، ووعود غربية بإرسال مساعدات إضافية إلى كييف.
حملة القصف الروسي الدامي الذي تعرضت له أوكرانيا صباح الإثنين الماضي، تُعد تطوراً عسكرياً غير مسبوق من حيث نطاقه، حيث طالت جميع أنحاء البلاد، لا سيما العاصمة كييف التي استهدفت للمرة الأولى منذ نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي، بالإضافة لمناطق خميلنيتسكي ولفيف ودنيبرو وفينيتسيا وزابوريجيا وسومي وخاركيف وجيتومير. ولا حاجة بنا في هذا السياق إلى تصريحات رسمية لفهم أن هذه الضربات أتت كرد انتقامي على الإذلال الذي تعرض له الكرملين قبلها بيومين بتفجير الجسر الذي يربط شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014 إلى الأراضي الروسية. ولا بأس أن نُذكِّر هنا بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد حرص بنفسه في شهر أيار/مايو عام 2018 على تدشين هذا الجسر الكبير وتابع عملية تشييده لبنة بلبنة للتأكيد على أن أن شبه جزيرة القرم جزء لايتجزأ من أراضي الفيدرالية الروسية. وقاد وهو يدشن أكبر جسر في أوروبا شاحنة استمر سيرها فوق الجسر ست عشرة دقيقة. ومما قاله بوتين في الخطاب الذي ألقاه في يوم تدشين الجسر “كان الناس في لحظات كثيرة من التاريخ، حتى في أيام القيصر، يحلمون بتشييد هذا الجسر، وجددوا المحاولات في ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن الماضي. أخيرًا بفضل عملكم وموهبتكم، تحقق هذا المشروع، هذه المعجزة في يوم استثنائي، يوم احتفال تاريخي لروسيا”.
وكان من الطبيعي أن ينزل خبر تفجير بعض أجزاء الجسر على الرئيس الروسي كما نزلت عليه صاعقة. وسبقت ذلك نكسات عسكرية تعرّضت لها موسكو في شمال شرق أوكرانيا وشرقها وجنوبها مما جعل بوتين يقول إنه “لم يكن من الممكن ترك الهجمات الأوكرانية تمر من دون رد، وتوعد بأن الرد على أي هجمات أوكرانية أخرى سيكون قاسيا ومتناسبا مع مستوى التهديد”. ومن الواضح، وفق محللين، أن الروس يريدون من الهجمات الأخيرة إلحاق أكبر ضرر ممكن بالبنى التحتية الأوكرانية المرتبطة بالطاقة.
هذا التطور الميداني، من تخريب جسر القرم الحيوي يوم السبت من الأسبوع الماضي، إلى الانتقام من المدنيين يوم الإثنيين الماضي في أنحاء متفرقة بأكرونيا، يرى مراقبون أوروبيون أنه يكشف عن ضعف الجهاز الأمني الروسي، لأن جسر القرم كان موضع نظام مراقبة متطور جعلت منه موسكو مصدر فخر. كما يرون أنه من الواضح أن الأنظمة الأمنية والعسكرية الروسية مخترقة من الداخل وأن أجهزة الرصد والتجسس الأمريكية المتطورة جدا ساعدت الأوكرانيين كثيرا على تسجيل تقدم كبير في عملية استرجاع مناطق كانت القوات الروسية تحكم السيطرة عليها منذ أشهر، وإحباط أو إفشال جسر القرم. كما يمكن أن تستخلص من التصعيد الميداني هذا الأسبوع، أنه على الرغم من قسوة الضربات الجوية الروسية المتفرقة يوم الإثنين الماضي، فإن هناك تدرجاً في الرد الروسي، على خلفية الاستمرار في تخويف أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بإمكانية اللجوء إلى السلاح النووي التكتيكي إذا اقتضت الضرورة. ويقول بعض المحللين الغربيين إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يُريد أن يصبح سيد شروط التصعيد من خلال ترويع الرأي العام الغربي (على الهواء مباشرة) في خرجاته التلفزيونية، لكنْ يتم تقويضه، لحسن الحظ في كل مرة.
اختبار طول النفس والإمكانات
في ضوء التصعيد المتزايد مع غياب أي أفق للتهدئة، يتوقع متابعون أن الأمور تتجه نحو صراع طويل الأمد، في وقت أصبح فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مضطرا إلى مواصلة الحرب تحت وطأة اضطرابات خطيرة في دوائر قراراته، ولا يبدو الأوكرانيون مستعدين للتراجع، بل إنهم يريدون الآن استعادة شبه جزيرة القرم بالإضافة إلى الأراضي الأوكرانية الأخرى التي اجتاحتها القوات الروسية في الحرب الحالية. وعليه، من الواضح أن الصراع وصل إلى نقطة تحول وستكون الأشهر المقبلة حاسمة. وسيعتمد كل شيء على تعبئة القوات والقوة الاقتصادية للمتحاربين وقدرتهم على دعم المجهود الحربي.
وفي مواجهة الحملة العسكرية الجديدة من الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة التي تستهدف البنية التحتية المدنية الأوكرانية، أتت وعود غربية جديدة بتقديم المزيد من الدعم لكييف، والذي سبق أن تمكنت بفضله من استعادة مناطق من الروس في جنوب البلاد. حيث وعد حلف شمال الأطلسي “الناتو” هذا الأسبوع بتقديم دفاعات مضادة للطائرات “في أسرع وقت ممكن” بعد موجة من عمليات القصف الروسية. وهي أنظمة قادرة على تحييد الصواريخ الروسية في سماء أوكرانيا، حسب ينس ستولتنبرغ، أمين عام الحلف. كما أعلن الاتحاد الأوروبي يوم 13 تشرين الأول/اكتوبر الجاري على لسان المسؤول عن سياسته الخارجية أنه سيوافق على تمويل جديد الأسبوع المقبل يقضي برفع دعمه العسكري لأوكرانيا إلى “أكثر من 3 مليارات”. وهذا أمر مهم جدا لأن كثيرا من المحللين الأوروبيين كانوا ولا يزالون يأخذون على الدول السبع والعشرين المنخرطة في الاتحاد الأوروبي عدم المساهمة بما فيه الكفاية في مساعدة كييف ماليا على عكس ما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، والحال أن الحرب الروسية في أوكرانيا تدور رحاها في عقر الديار الأوروبية لا على الأراضي الأمريكية. كما وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “فرانس 2” خيمت عليها الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على فرنسا وأوروبا، بتسليم الأوكرانيين “رادارات وأنظمة وصواريخ” مضادة للطائرات من دون أن يحدد موعد تسليمها، مضيفا أن باريس تعمل مع كوبنهاغن لإرسال ست مدفعيات “سيزار” بالإضافة إلى 18 أخرى سبق أن تم تسليمها لكييف. وجدد الرئيس الفرنسي دعوة نظيره الروسي إلى العودة الى طاولة المفاوضات، بهدف الرجوع إلى “حدود عام 1991” أي إلى الوضع الذي كانت عليه الحدود قبل أن تضمّ روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 ثمّ تضيف إلى ذلك في الأيام الأخيرة أربع مناطق أوكرانية جديدة، معتبرا أنّ الحرب دخلت مرحلة غير مسبوقة مع مقتل مدنيين في جميع أنحاء أوكرانيا وتدمير مرافق كهرباء وتدفئة في أول مرة من نوعها.
وأكدت بريطانيا، بدورها، أنها ستزود أوكرانيا بصواريخ دفاع جوي إضافية، بما في ذلك ذخيرة قادرة على إسقاط صواريخ كروز. وأتى هذا الإعلان الصادر عن وزارة الدفاع البريطانية في إطار الإرادة التي أظهرها حلفاء أوكرانيا في اجتماعهم يوم الأربعاء الماضي في بروكسل لمساعدة كييف في تعزيز دفاعها المضاد للطائرات في أسرع وقت ممكن، بعد القصف الروسي المكثف على البلاد. وأعلنت لندن عن إمدادها بمئات من صواريخ الدفاع الجوي الإضافية، زيادة عن مئات الطائرات بدون طيار لدعم المخابرات الأوكرانية. وستتبرع المملكة المتحدة أيضًا بـ 18 مدفع هاوتزر، والتي ستتم إضافتها إلى 64 أخرى تم تسليمها بالفعل.
وبينما وعد صندوق النقد الدولي بدعم أوكرانيا “طالما كان ذلك ضروريا” لمعالجة العواقب الاقتصادية للغزو الروسي والتي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده بحاجة إلى 55 مليار يورو، 38 مليار دولار منها لتغطية عجز الميزانية المتوقع للعام المقبل، و17 مليار، حسب قوله، لإعادة إعمار البنية التحتية للبلاد والتي دمرتها أشهر القصف الروسي.
في خضم ذلك، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة “الضم غير القانوني” للأراضي الأوكرانية، في عملية تصويت كانت منتظرة أجريت أخيرا يوم الأربعاء المُنصرم. كانت موسكو قد استخدمت حق الفيتو ضد نص مماثل قُدم إلى مجلس الأمن في نهاية أيلول/سبتمبر. وتبنت الجمعية العامة للدول الأعضاء البالغ عددها 193 التي اجتمعت بشكل عاجل منذ يوم الاثنين مشروع هذا القرار الذي قدمته أوكرانيا وشارك في صياغته الاتحاد الأوروبي، بأغلبية 143 صوتًا، مقابل خمس دول ضده وامتنعت 35 دولة عن التصويت. ومن بين الدول التي امتنعت عن التصويت: الصين والهند وباكستان وجنوب أفريقيا رغم الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة. واعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّ الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة أرسلت رسالة واضحة إلى الكرملين مفادها أنه لا يمكن لروسيا أن تستولي على أراضي دولة أخرى تغيّر الحدود بالقوة.
البحث عن ثغرات في المسار الوحدي الأوروبي
وبعيداً على لغة السلاح، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على نظيره التركي رجب طيب اردوغان، خلال اجتماعهما الخميس المنصرم على هامش منتدى إقليمي في كازاخستان، إنشاء “مركز غاز” في تركيا لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، ويمكن أن يساعد إنشاء مركز غاز محتمل في تركيا في “تحديد أسعار” هذه الهيدروكربونات، “الباهظة حاليًا” وفقًا لفلاديمير بوتين. وهي مبادرة تأتي في الوقت الذي تأثرت فيه شحنات الغاز الروسي إلى أوروبا بشدة بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، حيث يفكر الاتحاد الأوروبي في وضع حد أقصى لأسعار الغاز في مواجهة ارتفاع فواتير الطاقة الناجمة عن الهجوم الروسي في أوكرانيا. وقد ردت الرئاسة الفرنسية باعتبار مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “لا معنى له” لأن الأوروبيين يريدون تقليص اعتمادهم على الطاقة والغاز الروسيين في ظل دعوة سيّد الإليزيه كما فعل يوم الأربعاء الماضي إلى الاستعداد “لقضاء الشتاء في سياق الحرب هذه”. لكن أمام تزايد المخاوف والامتعاض الشعبي في أوروبا حيال نقص الطاقة ووسط الانقسام الأوروبي المستمر، بما في ذلك الألماني الفرنسي، بشأن كيفية التعاطي مع أزمة الطاقة المستفحلة، إلى أي حد قد يعزز اقتراح فلاديمير بوتين إنشاء مركز لتصدير الغاز الروسي من الانقسام حول موضوع الغاز، ويلقي بظلاله على مواقف الدول الأوروبية حيال التعاطي مع موسكو، لاسيما في ما يتعلق بمسألة الطاقة؟