الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية..تدويل الحوار

الأزمة السورية..تدويل الحوار

27.10.2015
د. طيب تيزيني



الاتحاد
الاثنين 26/10/2015
كثُر اللغط ويكثر في أوساط سورية وإقليمية ودولية حول القضية السورية، كما اتسعت دائرة الحديث عن هذه القضية، إلى درجة لعلها أصبحت رهينة إجابة العالم كله. وصرنا بين من يضيف إلى الحوار المعني هنا شخصيات دولية وغيرها وبين من يصر على مجموعة من المحاورين دون أخرى. وبين هذا وذاك، نجد أنفسنا قد دوَّلنا ذلك الحوار، بحيث يصبح أحد شؤون الآخرين الملزمة لهم دون الانتباه المنهجي السياسي والأخلاقي والإجرائي العملي إلى أن أقصى ما يمكن أن يفعله الآخرون لا يخرج عن المساعدة في التمكين للسوريين لامتلاك طرق الاتصال باتجاه إنجاز هدفهم. ذلك لأن الأمر إذا خرج عن هذا الإطار وتعدّاه، فإنه قد يُنتج أخطاء والتباسات بنيوية كبرى، ناهيك عن الصراعات الدموية، حيث ينتقل الأمر إلى حقل السلاح، كما هو الحال الآن.
في مواجهة ذلك كلّه كان على المعنيين بالأمر ألا يخرجوا عن المرجعية الشرعية السورية عبر إدخال مزيد من الأطراف والسلاح، كما هو الحال بالنسبة إلى دخول الروس المباشر في الشأن السوري.
المرجعية المذكورة من شأنها القيام بما هو حاسم على ذلك الطريق. ويتجلى ذلك في أن هذا الأخير يتحدد أولاً بإيقاف السلاح، وذلك بمساعدة لجنة سورية دولية أولاً، وباتجاه تشكيل مجلس وطني من كل الأطراف السورية ثانياً، باستثناء من تلوثت أيديهم بدماء الموت. أما المهمات التي تواجه هذا المجلس الوطني فتتمثل مبدئياً بثلاث، هي إخراج السجناء السوريين السياسيين من سجونهم أولاً، والبدء ثانياً بتأسيس مجلس أعلى من أعضاء المجلس المذكور يضعون – مع خبراء من الأمم المتحدة – لجاناً مركزيةً وخططاً مفتوحةً لإعادة المهاجرين والمهجّرين من السوريين إلى بلدهم وبالتوافق مع دول المهجر ذاتها. وتبقى المهمة الثالثة – وهي ذات أهمية وفاعلية خاصتين – فتتمثل في إنجاز انتخابات برلمانية ديمقراطية يشرف عليها سوريون ومن يطلبون من الآخرين مساعدة السوريين في هذه المهمة. ومن أجل إنجاز هذه المهمة، يتعين القيام بانتخابات برلمانية، بعد أن يكون قد تحقق ما يدخل في نطاق التأسيس لدستور وطني مرحلي، قد يكون مقدمة لدستور وطني ثابت بالاعتبار الاستراتيجي.
تلك أمور لا يمثل إنجازها عملية سريعة ولا متسرعة، بقدر ما يكون مقدمة أوّلية لتأسيس المرجعيات ذات الوضعية القانونية والوطنية الحاسمة. ومن ثمَّ، فإن البدء بذلك كله إنما هو ذلك القادر على فتح الطريق لما ينبثق عنه ويتممه، نعني إنما هو خطوة حاسمة باتجاه تقريب المواقف بعضها من بعض، دون الاعتقاد بأن ذلك يمكن أن يسير بسرعة قصوى، أي بوتيرة متوازنة وبأقل ما يكون من الاختلاط والاضطراب. واستكمالاً لذلك، لابدَّ من التأكيد على أن (مؤتمر جنيف) بتجلياته المتعددة يمثّل مرجعية يجب العودة إليها والاستئناس بمعطياتها.
إن القضية السورية تستوجب، الآن قبل الغد، الانخراط في الخطوات الثلاث المذكورة بدقة منهجية سياسية وأخلاقية قصوى لأن ما قد يخرج عن ذلك يجعل المسألة أكثر اضطراباً واحتمالاً لإنتاج صراعات جديدة محلياً وإقليمياً ودولياً. ذلك لأن السنوات الأربع والنصف المنقضية على هذه الأخيرة جديرٌ بها أن تمثل مقدمة مفتوحة وصائبة إلى ما يوقف شلالات الدم السوري، تلك الشلالات التي تحولت إلى سلعة دولية يتاجر بها سادة الاضطراب والقلق العالميين. وبهذا لعلّ الأمر التالي هو الذي راح يبدو أن الثابت الحقيقي في ذلك كلّه: تدويمُ المأساة السورية بوصفها بوابة الولوج إلى مشكلات العالم كله وإلى أمدٍ مفتوحٍ مفتوح. ولعلنا نستنبط هذا الثابت. على سبيل المثال من الاستراتيجية الأميركية والأخرى الروسية إضافة إلى أطراف أخرى من هنا ومن هناك.
إنه إذاً أمرٌ متمثل في ثلاث خطوات برؤية إجمالية واحدة: إغلاق ملف السجناء السياسيين الذين يعيشون الموت البطيء المتباطئ، وفتح ملف الهجرة والتهجير والنزوح للسوريين، وأخيراً البدء بملفٍ يطال البنية السورية الداخلية سياسياً وعمرانياً ومدنياً وأخلاقياً.