الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية إلى المقعد الخلفي

الأزمة السورية إلى المقعد الخلفي

22.03.2014
د. موسى شتيوي


الغد الاردنية
الخميس 20/3/2014
بعد أن كانت الأزمة السورية تحتل مكان الصدارة على الأجندة الدولية والإقليمية إلى ما قبل شهرين فقط، يبدو أنها لم تعد تمثل أولوية لتلك الأطراف.
وهناك أسباب عديدة لتراجع أهمية الصراع على المستويين الدولي والإقليمي، من أهمها:
أولا: فشل مؤتمر "جنيف2" في التوصل إلى تسوية للنزاع، أو على الأقل الاتفاق على خريطة طريق لإنهاء الأزمة. فبالرغم من أن روسيا والولايات المتحدة قد بذلتا جهداً كبيراً مع كل الأطراف لانعقاد المؤتمر، وجمع أطراف النزاع على طاولة واحدة، إلا أنه كان واضحاً، ومنذ البداية، أنه لا يوجد اتفاق بين الكبار حول كيفية إنهاء الأزمة، وأن اللاعبين السوريين (الحكومة والمعارضة) لا يمتلكان مفاتيح الحل. ومن ثم، توقف الجهد الدولي بعد الاجتماع الثاني في جنيف.
ثانياً: اندلاع الأزمة في أوكرانيا وتفاقمها، وما حصل من تطورات لاحقاً أدت إلى وضع روسيا والغرب في مواجهة مع بعضهما بعضا، ما أدى إلى تغير الأولويات لتلك الدول. والكل يعرف أنه من دون حراك دولي، لن يتم إنجاز أي شيء على الأرض.
الأهم من ذلك بالنسبة لأوكرانيا، هو انتهاء حالة التوافق أو الشراكة بين روسيا والولايات المتحدة، على الأقل فيما يتعلق بسورية، ودخولهما في أجواء الحرب الباردة، ما يعني عدم قدرتهما على العمل ضمن تفاهمات مشتركة حول الأزمة السورية.
ثالثاً: لا بد من الإشارة أيضاً إلى تزعزع التحالف الإقليمي والسوري المعارض للنظام، وعدم قدرته على بلورة تصور مشترك لكيفية حل الأزمة في سورية، والأهم هنا هو تشرذم المعارضة السياسية وتعدد مرجعياتها. وبالنسبة للمعارضة المسلحة، فهي تعاني أيضاً من خلافات أيديولوجية وسياسية، فضلاً عن انعكاس تلك الصراعات على المعارضة السورية، وبخاصة المعارضة المسلحة وانشغالها بحروبها الداخلية. كل ذلك أضعف المعارضة عسكرياً وسياسياً، وبدأت تتلقى الضربات تلو الأخرى.
رابعاً: بعد انتقال الثورة السورية إلى المعارضة المسلحة، دخلت الدول الإقليمية على الخط، وبدأ التنافس بينها، وأصبح الصراع ليس على تحقيق أهداف الثورة، بل على إسقاط النظام السوري. ولكن كانت هناك مصالح للدول الإقليمية سعت إلى تحقيقها خلال الأزمة. ويمكن القول إن اللاعبين الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل، والدوليين وعلى رأسهم روسيا والولايات المتحدة، قد تحققت مصالحهم أو جزء كبير منها قبل حسم المعركة عسكرياً وسياسياً. فبالنسبة للمعسكر الغربي وحلفائه الإقليميين، تحققت معظم أهدافه، وأهمها إضعاف قدرة الجيش السوري، وتدمير ترسانته الكيماوية والاستراتيجية. وكنتيجة لذلك، لم يعد بمقدور سورية أن تشكل تهديداً استراتيجياً لأحد، وبخاصة إسرائيل. ثم إن المعارضة الإسلامية الراديكالية المسلحة تحارب بعضها بعضا، وخسرت سياسياً الكثير. وكذلك الحال بالنسبة لروسيا وحلفائها الإقليميين، فبالرغم من الحرب الضروس ضد النظام، إلا أنه لم يسقط، ولم تخسر روسيا قواعدها ومصالحها، وكذلك إيران وحزب الله وغيرهما من الحلفاء.
حصيلة الصراع في سورية حتى الآن "لا غالب ولا مغلوب"، وحرب أهلية طويلة أدواتها سورية ورعايتها وتمويلها إقليميان ودوليان. والنتيجة هي التدمير التدريجي لسورية الدولة والاقتصاد والمجتمع، وتحوّل الشعب السوري إلى "حالة إنسانية" بعد لجوء وتشرد الملايين، وانهيار الاقتصاد والصحة والتعليم.
أليس من الممكن أن يصبح الوضع الحالي هو السيناريو المرغوب فيه للعديد من القوى الدولية والإقليمية؟! المستقبل كفيل بالإجابة عن هذا السؤال.