الرئيسة \  مشاركات  \  الأزمة السورية تطلق يد إصدار مجلات الأطفال !

الأزمة السورية تطلق يد إصدار مجلات الأطفال !

14.11.2015
علي الرشيد





قد يستغرب المتابع لإعلام الطفولة أن تصدر عشر مجلات أطفال سوريّة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالرغم من أنّها سنون حرب ودمار ومرارة ونزوح وتشرد ، والأغرب أن هذه المجلات تصدر عن منظمات مجتمع مدني ومؤسسات خيرية وإنسانية، بإمكانات متواضعة وجهود تطوعيةأو شبه تطوعية من كتاب ومحررين ورسامين ومخرجين،في ظل ظروف صعبةتحيط بهم ، في حين أن جهود سوريا الدولة ممثلة بوزارة الثقافة والجهات المعنية بالإعلام والثقافة والطفولة لم تقم خلال 45 عاما إلا بإصدار مجلتين للأطفال وللطفولة المبكرة  هما " أسامة" و" شامة"، ولعلهما في الأعوام الاخيرة تعانيان من مصاعب وتحديات مختلفة، فيما لم نر برنامجا تلفزيونيا مميزا أو قناة فضائية أو إذاعية أو دار نشر خاصة بهذه الشريحة، علما أن سوريا من الدول المميزة التي تحظى بوفرة في كتاب وشعراء ورسامي الأطفال،وبأسماء لامعة وخبرات مميّزة في هذا المجال.
وعودة إلى المجلات العشر فقد لاحظت من متابعتي لها أمورا تستدعي الإعجاب، ومنها أن نصفها تصدر بانتظام على الأقل ، بنسخ ورقية والكترونية متاحة لمن يريد متابعتها، ومنها ما يطبع من النسخ الورقية 10.000 نسخة، وأن اثنتين على الأقل تصدران بصفة نصف شهرية، فيما توجد أكثر من مجلة منها تصدر بصفة شهرية، وأن لبعضها مواقع الكترونية جذّابة، وأن لنصفها على الأقل صفحات فاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك، يتم تحديثها يوميا، كما لاحظت أن عدد المعجبين بواحدة منها تجاوز 10.000 شخص ، فيما تجاوزت صحيفة أخرى 7000 إعجاب، وأن أقدمهن صدورا أصدرت 70 عددا حتى الآن ، كما أن بينها ما ينحو باتجاه التخصص، وتحديدا لفئة اليافعين، أو ما هو موجه للطفولة المبكّرة حصرا.  
ولعل هذا الإعجاب يزداد عندما تعلم أن بعض مجلات الأطفال العربية العريقة والمشهورة لامواقع الكترونية لها، أو أنها تحت التطوير منذ مدة طويلة، أو أن هذه المواقع في حال وجودها لا تعكس حضور المجلة الورقية ، لأن درجة التحديث فيها ضعيفة ، وبعضها لم يقم بذلك منذ أشهر ( مثلا لا توجد نسخ الكترونية لأعداد المجلات التي تكون قد صدرت ورقيا) ، كما أنّ هذه المجلات العربية لا يوجد لبعضها صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي ، أو أنّ هذه الصفحات مهملة منذ أشهر وسنوات، وفي حال وجودها لا تستثمر لتعزيز وتفعيل صلتها بجماهيرها المستهدفة بأساليب مبتكرة، وبصفة يومية.
لا شك أن صدور هذه المجلات السورية مفرح لأنها تسد ثغرة كبيرة في مجال التربية والترفيه والتوعية والدعم النفسي وبثّ روح الامل في ظل أزمة مزلزلة تركت تأثيرها الكبير على المجتمع السوري وخصوصا الأطفال الذين يعدّون أكبر المتضررين منها ، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن هناك ثلاثة ملايين طفل سوري لا يذهبون للمدارس حالياً، وأن أكثر من40%  من الأطفال اللاجئين ليسوا على مقعد الدراسة، فضلا عن تفاقم عمالة الأطفال السوريين التي بلغت مستويات خطيرة.
وتعدّ هذه المجلات ورقيا والكترونيا وسيلة مساعِدة بيد المعلمين في مدارس اللاجئين والنازحين والمخيمات وبيد الأسر لملء فراغ الأطفال والترفيه عنهم  وتزويدهم بالمعارف والإسهام في توعيتهم في الجوانب المختلفة.
عدد المجلات قد يعكس تنوعا مفيدا، ويكشف بنفس الوقت عن فعالية منظمات المجتمع المدني وحيويتها، ومحاولتها أخذ زمام المبادرة للتدخل من أجل خدمة الطفولة في سوريا عمليا، والقيامبما يمكنها للتخفيف من حجم الأضرار الواقعة عليها، لكن لابد من الحديث بكل وضوح ومكاشفة عن ضعف مضمون هذه المجلات وقلة غنى محتواها والارتجالية في إدائها، والسبب برأيي هو نقص الموارد وقلة الخبرة، وآمل بعد هذا الامتداد الأفقي الذي كان لا بد منه كمرحلة أولى أن يقوم المسؤولون عن هذه الإصدارات ـ كل على حدة ـ بمراجعة تقييمية لعملهم ، والاستعانة بمختصين في هذا الجانب، كم آمل ان يفكروا جديّا في تكتيل جهودهم للخروج بمجلة واحدة أو مجلتين أو ثلاث كحد أقصى، لتكوناحترافية في أدائها ، ثرية في محتواها، تحقق التفاعل مع المستهدفين منها، وتصل إلى أكبر كم ممكن منهم ، في إطار مشروع إعلامي متكامل للأطفال، يمكن أن يتسع تدريجيا وخطوة إثر خطوة . 
وبعيدا عن هذا وذاك فلاشك أن هذه التجربة النشطة تسترعي التأمل عربيا، وتقدم نموذجا عمليا في استنهاض الهمم، وعدم قبول الأعذار لجهة التقصير الكبير في خدمة إعلام وثقافة الطفل سواء من قبل الأنظمة أو منظمات المجتمع المدني، خصوصا ممن يعيشون ظروفا غير استثنائية .