الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية خطر يهدد بخلق جيل ضائع

الأزمة السورية خطر يهدد بخلق جيل ضائع

12.02.2015
د. خالد بن محمد العطية



الشرق القطرية
الاربعاء 11-2-2015
مع دخول الثورة السورية عامها الرابع فإن التداعيات على المستوى الإنساني تشكل صدمة بالنظر إلى أعداد القتلى والمصابين والمهجرين مابين لاجئ ونازح في الحدود السورية والدول المجاورة، إن هذه المأساة خلفت نحو 200 ألف قتيل معظمهم من المدنيين وأكثر من 12.2 مليون نسمة (أكثر من نصف تعداد الشعب السوري) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم مليون اتخذوا قرار الهجرة خارج سوريا و7.6 مليون أجبروا على ترك منازلهم ليصبحوا نازحين فضلا عن اللاجئين بالدول المجاورة.
إن هذه المأساة قد طالت الدول المجاورة وكلفتها ثمنا باهظا وتحديدا الأردن ولبنان وتركيا، وهذه الدول التي وجدت مواردها الخاصة تحت ضغط كبير نتيجة اضطرارها لتلبية احتياجات الذين تم تشريدهم وتهجيرهم.
وكلما طالت الحرب فإن ذلك يزيد من مخاطر امتدادها للدول المجاورة وتهديد اقتصاداتها واستقرارها وسوف يمتد ذلك إلى دول المنطقة والعالم.
إن جميع هذه الأسباب جعلت قطر تفتخر بلعب دور في التحالف الدولي الساعي إلى إنهاء الحرب، إن من المهم على المجتمع الدولي ألا يغض الطرف عن التداعيات الإنسانية المروعة لهذه الحرب، ولهذا السبب حرصنا في منتدى ميونخ للأمن الذي انعقد مؤخرا على الدفع باتجاه التوصل إلى حل لهذه المأساة.
لقد قدمت دولة قطر مساعدات إنسانية بقيمة 1.6 مليار دولار للتخفيف من المعاناة التي يواجهها السوريون، فضلا عما تقوم به طائرات الإغاثة القطرية في نقل المعونات الغذائية والملابس الشتوية والمستلزمات الطبية لتوزيعها على اللاجئين والنازحين، الذين يعانون من أكثر الشتاءات قساوة على مدى عقود ماضية.
إن دولة قطر تعهدت بالتخفيف من معاناة كل من يرزح تحت وطأة هذا الصراع المرير، وفي الوقت نفسه نحن نتابع العمل عن كثب مع حلفائنا في الدول الإقليمية وفي الغرب، لمحاولة إنهاء الصراع القائم، وقدمنا إجراءات جديدة صارمة لمنع تمويل الإرهاب، وبينما تستمر الحرب القاسية في سوريا في تصدر عناوين الأخبار، علينا ألا ننسى أن العديد من الدول في العالم العربي أيضاً يواجه تحديات خطيرة تهدد استقرارها. إن كلا من العراق واليمن وليبيا تعاني من صراعات داخلية، في حين يبقى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي مصدرا دائما للتوترات بالمنطقة، خاصة معاناة أهل غزة.
وهناك سبب آخر يحتم على المجتمع الدولي ألا يغض الطرف عن التحديات الإنسانية التي تخلقها هذه الصراعات، وهو أن الحرمان والتهجير وتشريد العائلات التي تعيش ظروفا إنسانية قاسية يؤدي في غالب الأمر لتأجيج التوترات المذهبية والعرقية، الأمر الذي قد يستغله المتطرفون لمصالحهم الخاصة وإذا ما نجحوا في ذلك فإن مهمة بناء هذه المجتمعات بعد انتهاء الحرب تصبح أصعب بكثير وربما ستكون مستحيلة، ولهذا السبب فإن أحد الأهداف الأساسية لبرنامج المساعدات القطرية هو محاولة التخفيف من آلام ومعاناة اللاجئين وحمايتهم من التلاعب بأفكارهم أو استغلالهم من قبل الجماعات التي تتبنى العنف وغيرها من الجماعات المتطرفة.
إن علينا جميعا أن نتصرف للحيلولة دون خلق كيانات مهمشة في العالم العربي تكون ضعيفة أمام الرسائل التي يحاول المتطرفون الترويج لها، ويجب عدم ادخار أي جهد لحل هذه الأزمة وغيرها من الصراعات التي تعصف بالمنطقة من خلال ترسيخ قيم العدالة والمساواة وحرية التعبير.
إن هذه المبادئ منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وفي العديد من الاتفاقيات الدولية التي تأخذ حكم التشريعات الوطنية ولكنها غالبا ما يتم تجاهلها.
إن الأمر لا يتعلق فقط بتلبية احتياجات الأطفال الإنسانية، بل بالحرص على ألا يتحول شعورهم بالتهميش والإهمال من قبل المجتمع الدولي إلى شعور باليأس، لأن اليأس قد يحولهم بسهولة إلى أشخاص لديهم استعداد للانخراط في الجماعات المتطرفة.
إننا إذا أدرنا ظهورنا لهؤلاء فإننا بذلك نتركهم لخطر التعرض للأكاذيب والأفكار الهدامة، لأولئك الذي يسعون لتشويه معتقداتنا وتدمير قيمنا ومبادئنا.
حتما إذا خذلنا هؤلاء الأطفال والشباب وهم الضحية الأضعف في صراعات المنطقة فإننا نخاطر بخلق جيل ضائع، يتم استغلاله وإقناعه ليكونوا أداة طيعة في أيدي من اختاروا أن تستعبدهم أيدلوجية الكراهية.
* نشرته التلغراف البريطانية