الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية والانفراج الدولي: قرار مجلس الأمن يعبد الطريق إلى ‘جنيف 2′

الأزمة السورية والانفراج الدولي: قرار مجلس الأمن يعبد الطريق إلى ‘جنيف 2′

05.10.2013
د.عبد الحميد صيام



القدس العربي
الجمعة 4/10/2013
ثلاث حقائق تبلورت خلال الأسبوعين الماضيين أثناء مداولات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثامنة والستين، واعتماد مجلس الأمن يوم الجمعة 27 أيلول/ سبتمبر الماضي القرار 2118 بالإجماع، حول التخلص من الأسلحة الكيميائية السورية، في ضوء الهجوم الذي تعرضت له منطقة الغوطة شرق دمشق يوم 21 آب/أغسطس الماضي، وأدى إلى مقتل مئات المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ. الحقيقة الأولى أن التقارب الروسي الأمريكي فتح ثغرة في جدار الأزمة السورية المستعصية على الحل منذ نحو 30 شهرا. والحقيقة الثانية أن التقارب الأمريكي الإيراني على أبواب أن يفتح ثغرة في جدار أزمة إيران النووية مع الدول الغربية، وبالتالي ينعكس إيجابا على حل الأزمة السورية. أما الحقيقة الثالثة فقد تم تهميش القضية الفلسطينية وبطريقة تكاد تكون متعمدة إلا من إشارات مقتضبة هنا وهناك، حول ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. وأود أن أستبق الأحداث وأقول إن التقاربين الروسي الأمريكي والأمريكي الإيراني قد رفع نسبة التفاؤل هنا حول انعقاد مؤتمر ‘جنيف 2 لحل المأساة السورية من جميع جوانبها، وأن اتفاقا بهذا الخصوص ربما تم التوصل إليه ضمن صفقة كبيرة تبدأ بالتخلص من الترسانة الكيميائية السورية، وتنتهي بتنصيب حكومة سورية جديدة تجسد طموحات الشعب السوري وتضحاياته العظيمة وتمثل كافة شرائح المجتمع السوري من دون استثناء.
إن المبادرة الروسية لم تأت صدفة على إثر التقاط وزير الخارجية لافروف الإشارة التي أطلقها نظيره الأمريكي كيري في مؤتمره الصحافي في لندن عشية الاثنين 9 سبتمبر. لقد دل تتابع الأحداث على أن المبادرة قد تم طبخها على نار هادئة منذ أن اتصل كيري بوزير الخارجية السوري وليد المعلم مساء الخميس 22 أغسطس 2013، بعد يوم واحد من مذبحة الغوطة التي كانت تتكشف فصولها المريعة لحظة بلحظة، وصور الأطفال الموتى الممدين على الأرض تقطع القلوب. تم التشاور بين الرئيسين الأمريكي والروسي على هامش قمة مجموعة العشرين في بطرسبيرغ حول القيام بعمل فعال أقل درجة من الحرب، وأكبر بكثير من الشجب والإدانة وانتظار نتائج تحقيق المفتشين الدوليين غير المخولين بتحديد من هو الفاعل. لقد وضع الهجوم بالسلاح الكيميائي على المدنيين في الغوطة خطوط أوباما الحمراء موضع اختبار، والتحالف الروسي السوري موضع اختبار، وقدرة المجتمع الدولي على تحمل هذه المأساة موضع اختبار، وإمكانية صمود النظام السوري في وجه كل هذا الحشد العالمي موضع اختبار. جميع الأطراف المعنية وجدت نفسها في مأزق خاصة الرئيس أوباما الذي لا يريد الحرب، ولكنه كان يتعرض لهجمات لاذعة من منافسيه الجمهوريين الذين يشككون في قدرته على القيادة ويتهمونه بالضعف والتردد. إذن كانت المبادرة وما تبعها من اتفاقيات وقرارات خشبة الإنقاذ التي تعلق بها أوباما وبوتين والأسد كل بطريقته.
السلاح الكيميائي يوحد مجلس الأمن
تحولت المبادرة الروسية الأمريكية إلى حركة دؤوبة ومتتابعة ومتصاعدة من باريس إلى جنيف إلى نيويورك، إلى أن تبلورت في مشروع قرار متوازن ومعقول بعيدا عن التهديد باستخدام السلاح، يدين الفعل من دون الإشارة إلى الفاعل وتجسد هذا الإجماع في قرار مجلس الأمن 2118، الذي نفخ شيئا من الروح في مجلس ظل مشلولا لنحو عامين، بينما يرتفع عدد الضحايا من أبرياء الشعب السوري ليزيد عن المئة وعشرين ألف قتيل ومليوني لاجئ وأربعة ملايين مشرد داخليا- مأساة وصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها أبشع ما شاهد العالم منذ مأساة رواندا عام 1994. لقد كان يوم 27 سبتمبر نقطة فاصلة في العلاقات بين أطراف الأزمة، وبالتالي في التعامل مع الأزمة نفسها، ولا بد إلا أن ينعكس كل ذلك على طريقة حل الأزمة.
القرار الأممي فتح الطريق واسعا أمام المؤتمر الدولي لحل الأزمة السورية برمتها على طريقة مؤتمر دايتون لحل أزمة البوسنة عام 1995، الذي نجح بفضل حضور جميع أطراف الصراع والدول الداعمة لهم وإصرار الولايات المتحدة على التوصل لاتفاق قبل انفضاض المؤتمر. لقد أشار الرئيس الأمريكي أوباما في كلمته أمام الجمعية العامة بضرورة تعاون جميع الأطراف المؤثرة في سورية للعمل معا لإنهاء النزاع هناك. وهي دعوة مبطنة موجهة بالتحديد لإيران. وقد تعزز هذا الشعور بعد التقارب الإيراني الأمريكي، الذي توج باتصال هاتفي لمدة عشرين دقيقة بين الرئيسين أوباما وروحاني يوم الجمعة الفائت 27 سبتمبر والذي يشير إلى أن هناك قناعة أمريكية بأن القيادة الإيرانية الجديدة تتسم حقيقة بالمرونة والبراغماتية وتحظى بدعم غالبية الشعب الإيراني من جهة، والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامئني من جهة أخرى، وتسعى لإخراج إيران من أزمتها الاقتصادية وعزلتها السياسية وورطتها في خطاب التطرف الذي كان يمثله الرئيس السابق أحمدي نجاد.
الطريق إلى جنيف
بعد الاتفاق على كيفية التعامل مع الترسانة الكيميائية السورية لم يبق إلا العمل الجاد نحو التوجه إلى ‘جنيف 2 في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر القادم، كما أعلن بان كي مون، وهو ما نأمل حدوثه من دون عوائق أو مطبات أو مفاجآت أو مؤامرات. وأود أن أطرح مجموعة من النقاط للمساهمة في النقاش الجاري الآن حول الحل السياسي للمأساة السورية:
- ليس أمام النظام السوري أو ما تبقى منه إلا أن ينصاع للقرار المذكور، الذي ينص على تبني ‘مبادرة جنيف’ التي اعتمدت بالإجماع من قبل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2012، وتنص حرفيا على الانتقال السلمي للسلطة، مما يعني استبدال ما هو قائم بتركيبة جديدة تحظى بكافة الصلاحيات التنفيذية. إذا كان النظام يعتقد أنه سيذهب إلى جنيف لفرض شروطه فهو واهم في ظل التقاربين الروسي الأمريكي والإيراني الأمريكي.
- هذه فرصة ثمينة أمام المعارضة السورية الشريفة التي تحب وطنها وتحاول أن تحافظ على ما تبقى منه وتفضل الانتقال السلمي للسلطة، أن تشارك في المؤتمر بوفد موحد يستبعد كافة العناصر المتطرفة والتكفيرية القادمة من خلف الحدود، والتي أساءت للثورة السورية وأهانت الشعب السوري واعتدت على مقدساته وقناعاته وليس في واردها بناء دولة لا مدنية ولا ديمقراطية ولا تعددية، بل تسعى إلى إستنساخ إمارة الملا عمر في كهوف تورا بورا، أو إمارة مالي الإسلامية أو جماعات الشباب الصومالي.
- هذه فرصة للدول التي ما زالت تصر على الحسم العسكري عن طريق الإمداد بالسلاح أن تراجع مواقفها وتكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة. فقد ثبت بما لا يقبل مجالا للشك أن الحل العسكري مستحيل، بل وممنوع أيضا فالدول الراعية لكل من طرفي النزاع لن تسمح بهزيمة أحدهما والنتيجة إطالة الحرب إلى أن يفنى الطرفان وتفنى معهما سورية وطنا وشعبا وتاريخا وحضارة ومستقبلا.
- هذه فرصة لروسيا أن تستعيد مكانتها العالمية ليس كداعم فقط لنظام الطغيان، بل وكابح لجماحه أيضا وفرملته عن الاستمرار في طريق الانتحار للبقاء في السلطة ولو هدمها حجرا على حجر. روسيا وهي على أبواب استعادة دورها العالمي الذي فقدته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لا تستطيع أن تستعيده إلا عبر القوة الناعمة وليس عبر السلاح وحاملات الطائرات والصواريخ العابرة للقارات. الدول العظمى تفتخر بمدى نجاح قوتها الناعمة في تحقيق ما تعجز عن إنجازه عنجهية القوة واستعراض العضلات. إنها أيضا فرصة لأوباما أن يثبت خطل اليمين المتطرف الذي لا يفكر إلا بلغة القوة، سواء في التعامل مع سورية أو مع إيران. لقد ثبت في موقفه الرافض لاستخدام السلاح فورا مستندا إلى مزاج شعبي عارم يرفض الحروب ويرفض التورط في نزاعات لا تهدد أمن البلاد القومي، كما يدعي أنصار اليمين ومنظمة أيباك الأقرب إلى السياسة الليكودية.
لا نريد أن نغرق في التفاؤل فالأيام القليلة القادمة قد تثبت أن هناك من العقبات والمطبات أمام ‘جنيف 2 ما لم نتوقعه. لكننا الآن دعونا نأمل أن النافذة التي فتحت مواربة للتو ستنفتح على مصراعيها قريبا لتسمح لخيوط الفجر أن تدخل بحرية.
لقد فتحت هذه الأزمة الآن فرصة ثمينة للدولتين معا للتصدي للأزمات الكبرى بشكل جماعي، وأغلقت عقلية التفرد والهيمنة والتسلط التي ميزت سلوك الولايات المتحدة خلال العقد الأول بعد انتهاء الحرب الباردة. فهلا توجه الطرفان معا وبجدية إلى ‘جنيف 2 لوضع حد لمأساة الشعب السوري العظيم والانتقال بعدها إلى قضية فلسطين التي تمثل أكثر قضايا التاريخ ظلما وقهرا وعنجهية. ألم يحن الوقت لردع هذه الدولة المارقة التي تتباكى على برنامج إيران النووي غير المؤكد وتجلس على ترسانة نووية تزيد عن المئتي رأس، من دون مساءلة أو حتى إشارة؟ ألم يحن الوقت لإقامة نظام أمني عالمي أكثر عدلا وتوازنا من صيغة مجلس الأمن الحالي الذي يثبت استفراد خمس دول فقط في مجريات الأمور في هذا العالم؟
* أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك