الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية والقانون الدولي

الأزمة السورية والقانون الدولي

03.09.2013
نوح فلدمان


الاتحاد
الاثنين 2/9/2013
لا بد من الاعتراف أولاً أن قصف سوريا لاستخدامها السلاح الكيماوي ضد مواطنيها يمثل انتهاكاً للقانون الدولي كما هو موجود حالياً، لكن ذلك لا يجيب عن سؤال ما إذا كان على الولايات المتحدة المضي قدماً في ضربتها بصرف النظر عن هذا الانتهاك للقانون الدولي، فبعض الشرور تكون على درجة من البشاعة ما يستدعي أحياناً خرق القوانين لتصويبها، لا سيما عندما لا ترقى تلك القوانين إلى جسامة اللحظة، وهو ما قامت به أميركا عندما انتهكت القانون الدولي بضربها صربيا عام 1999 لمنع ما بدا وكأنه حرب إبادة في كوسوفو، ليبقى السؤال الحقيقي، بعيداً عن الحاجة المؤكدة أحياناً لخرق القانون الدولي لوقف المجازر الكبرى، هو ما إذا كان يتعين علينا فعل ذلك فقط لبعث رسالة رمزية مفادها أن استخدام السلاح الكيماوي يمثل خرقاً للقانون الدولي، بحيث يصبح الأمر وكأنه خرقاً للقانون لمنع خرق آخر للقانون، بدل أن يُضحى بالقانون الدولي لمنع ما هو أكبر مثل المساس الخطير بالحياة الإنسانية.
والحقيقة أن التحليل القانوني للتدخل الدولي يظل بسيطاً في جوهره، فأي استخدام للقوة خارج إطار الأمم المتحدة ومن دون ترخيص مجلس الأمن الدولي يظل هو الآخر خارج نطاق القانون، ما عدا في حالات واضحة حددها المجتمع الدولي مثل استخدام القوة للدفاع عن النفس، أما أن تلجأ دولة، أو مجموعة من البلدان مثل حلف شمال الأطلسي إلى السلاح فذلك قطعاً مناف للقانون الدولي.
هذا التحليل كان الأساس الذي بنت عليه الحكومة البريطانية بيانها الذي أصدرته قبل أيام تقول فيه إن القانون الدولي يقر بحق التدخل عندما تُهدد حياة العديد من الأشخاص، وهو ما يصطلح عليه في تسميات أخرى بالمسؤولية الدولية للحماية.
لكن المشكلة مع هذه الحجة التي استخدمتها بريطانيا للمشاركة في قصف كوسوفو مع قوات حلف شمال الأطلسي، أنه لا وجود لها في أي اتفاقية دولية، أو في أي بند من بنود القانون الدولي، ومع أن المحامين البريطانيين قد يجادلون بأن العرف الدولي يقر بحق التدخل للحماية، لا سيما بعد سابقة كوسوفو، إلا أن العرف لا يتحول إلى قانون إلا بعد إجماع الدول عليه، وكما نعرف من المعارضة الصينية والروسية للتدخل في سوريا ليست كل الدول موافقة على التدخل، بل حتى بعد سابقة كوسوفو لجأت بريطانيا والولايات المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي بحثاً عن الترخيص عندما قررتا غزو العراق في عام 2003، والأمر نفسه تكرر في ليبيا، ما يعني أنه لا غنى عن القانون الدولي حتى عندما يتم انتهاكه في حالات محددة، ومع ذلك ورغم النقاش القانوني المشروع حول قانونية التدخلات العسكرية، إلا أن ذلك يجب ألا يمنعنا من التفكير في خرق القانون أحياناً، فالقوانين إنما سنت لتنتهك، وبخاصة عندما تغطي تلك القوانين عن ارتكاب فظائع لا أخلاقية تمس بالحياة الإنسانية، بحيث سيكون من غير المقبول التفرج على قتل المئات، أو الآلاف، وأحياناً الملايين، من الأشخاص، فيما يمكن تجنبه، فقط لأن روسيا قررت تعطيل التحرك في مجلس الأمن.
وفي هذا السياق كان التدخل العسكري في كوسوفو مبرراً من الناحية الأخلاقية، لأنه أنقذ حياة الآلاف من الناس حتى لو كان منافياً للقانون الدولي، ولو أن المجازر في رواندا والبوسنة وكمبوديا وأوروبا التي كانت تحتلها ألمانيا النازية أمكن وقفها في حينها لكان ذلك عملاً صائباً حتى دون قانون دولي.
غير أن عصيان القانون الدولي عليه ألا يؤخذ بسهولة، فالقانون إنما وجد لحماية مصالح الدول والشعوب، وفي أغلب الحالات لا بد من احترامه، لأن انتهاكه على نحو متكرر يسفه القانون، كما يفرغ المعاهدات والاتفاقيات من مضامينها، لذا سيكون من المفهوم والمبرر خرق القانون لإنقاذ حياة المئات، أو الآلاف من الناس في سوريا، لو فعلاً ثبت أن التدخل سيحقق ذلك الهدف، والحال أن ما أعلنته إدارة أوباما لا يندرج في هذا الإطار، بحيث تتحدث الولايات المتحدة عن قصف محدود النطاق بهدف لا يتعدى ردع نظام الأسد عن استخدام المزيد من سلاحه الكيماوي، ومع أنه من غير الواضح ما إذا كانت ضربات محدودة للأسد ستردعه عن الفتك بشعبه وتسميمه بالغاز الكيماوي، لا سيما وأن خطوط أوباما الحمراء فشلت في هذا الجانب، إلا أنه حتى لو افترضنا نجاح الضربة في ردع الأسد علينا أن نتساءل ما إذا كان هذا الهدف المتواضع يستحق انتهاك القانون الدولي من أجله، وهل سننقذ الضربة المحدودة ما يكفي من السوريين لتبرير كلفتها؟
وحسب منطق أوباما، فإن ما يدين استخدام السلاح الكيماوي ليس قتله لعدد كبير من المواطنين، فقد سبق للأسد أن قتل أكثر من ذلك العدد خلال السنتين الماضيتين، بل ما يدينه هو انتهاكه للقانون الدولي، فعلى مدار القرن الأخير اكتشفت الإنسانية أن استخدام السلاح الكيماوي، أو البيولوجي حتى في الحروب يسبب خسائر هائلة، ما دفع الدول إلى منعه بموجب اتفاقيات دولية، وبمعنى آخر ينحصر المبدأ وراء قصف سوريا في توجيه رسالة للأسد مؤداها إما احترام القانون الدولي بعدم اللجوء للسلاح الكيماوي، وإما مواجهة العواقب، لكن المسألة لا تستقيم لو اختزلت في احترام القانون الدولي، إذ كيف نركز على احترامه في حين أن قصف سوريا نفسه هو مناف لذلك القانون؟ وكيف يمكننا القول إننا نسعى لمنع انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة في وقت نخرق فيه نحن ذلك الميثاق؟
لذا تبقى الخلاصة المؤلمة والواضحة في الوقت نفسه أنه لو ثبتت قدرتنا على إنقاذ الأرواح علينا أن نمضي قدماً في ضرب النظام السوري، لكن الاكتفاء ببعث الرسائل الرمزية لا يكفي لتكريس سابقة انتهاك القانون الدولي، لا سيما عندما تكون هذه الرسالة الرمزية متعلقة بضرورة احترام القانون الدولي، وهو في حالة الأسد عدم استخدام السلاح الكيماوي، الذي نحن نخرقه بدورنا.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أستاذ القانون بجامعة هارفارد الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»