الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية... والمعادلة الصفرية

الأزمة السورية... والمعادلة الصفرية

27.01.2014
جيمس زغبي


الاتحاد
الاحد 26/1/2014
أود لو أمكنني أن أشعر بالتفاؤل إزاء مؤتمر "جنيف 2"، ولكن ذلك صعب، وفي حين أن كل ما يحدث يبدو جيداً، إلا أنه "لا يزال من غير الواضح هو جيد من أجل ماذا!"،
ولعل الاستماع إلى الكلمات في الجلسة الافتتاحية يرسخ في الذهن تماماً أنه لا أحد من المشاركين متأهب للتعامل مع الواقع الذي أضحى هو أكثر مأساة إرعاباً في هذا القرن الجديد.
وأثناء السنوات الثلاث الماضية، وقع الشعب السوري ضحية لحرب مستعرة لا تهدأ، وفي حين يتجادل الفرقاء المتصارعون بشأن المخطئ منهم والمصيب وما ينبغي فعله الآن، ويبقى الأمر الذي لا مراء فيه هو تلك الأعداد الضخمة ممن قتلوا أو أجبروا على النزوح من منازلهم.
ولعل ما لا يؤخذ كثيراً في الحسبان، وإن كان حقيقة ملموسة، هو الدمار المادي الذي حل بالمناطق التي كانت جميلة وكنوزاً للتراث العالمي، والتدمير المعنوي الذي نزل بالأطفال السوريين الذين سيحملون ندوب هذه الحرب على مدار جيل كامل.
وعلى رغم ذلك كله لا يزال القتال مستمراً بلا هوادة، في حين لا يرغب أي طرف -أو ربما هو غير قادر- في قبول مسؤولية المساهمة في إنهائه، ومع أن الناس منهكون، يبدو أن النظام والمعارضة وداعميهم لا يكَلّون ولا يملّون.
وقد مرت الآن أعوام ثلاثة على هذه الفوضى الدامية، وما كان يجب أن يتم استيضاحه من الخارج بات الآن مؤكداً، فهذا الصراع لا يدور وفق معادلة صفرية تتكشف عن رابح وخاسر، ولن ينتهي بإعلان أحد الجانبين الانتصار الحاسم على الآخر، فلا يمكن للنظام ورعاته الدوليين أو المعارضة والدول الداعمة لها تحقيق الانتصار في النهاية.
وربما أن هذه الحقيقة المجردة ليست -أو ربما لا يمكن أن تكون- مقبولة من قبل أي من الطرفين، وهو ما يبقي الصراع دائراً.
وبينما يَسهل إلقاء اللوم على الأطراف المتصارعة، يشاركها الخطأ أيضاً أولئك الذين مولوها وسلحوها ومدوها بالدعم السياسي من دون قيد أو شرط. ومن دون شك، فإن استمرار القتال ومواصلة دعمه أسوأ بكثير من أن تكون مجرد جهود غير مثمرة!
ولا تزال الأوهام تتراكم، فالمعارضة التي تأكلها الانقسامات وتعتريها الهشاشة ممثلة في مؤتمر جنيف بوفد، لا يزال يقول إنه يتحدث باسم الشعب السوري، في حين أن الواقع على الأرض يشي بخلاف ذلك.
وتلقي المعارضة باللوم على الولايات المتحدة في عدم دعمها، بينما ترفض قبول تحمل المسؤولية عن اضطراباتها، إذ لا يزال بعض من عناصرها يكررون أن ثورتهم ديمقراطية وتعددية، ولكن القوى الرئيسة تمارس القتال، حتى بعض أولئك الذين يشار إليهم الآن بصفة "المعتدلين" يمكن اعتبارهم أي شيء بخلاف هذا الوصف.
ومن بين القوى الثورية الأساسية جماعات متطرفة منظمة ارتكبت أفعالاً مقيتة ضد المدنيين، وحتى الآن يصر ائتلاف المعارضة على وجوب تنحي النظام كشرط مسبق، وكأنهم متأهبون للحكم بدلاً منه.
ومن جانبه، يواصل النظام الحديث عن "شرعيته"، ولكن سلوكه أسقط عنه الحق في ادعاء هذه السلطة، فقد كان نظاماً ديكتاتورياً وحشياً قبل اندلاع الحرب، وأكسبه الصراع على نحو صحيح لقب "مجرم حرب".
وفي هذا السياق كان من المثير للغضب بشكل خاص الاستماع إلى وزير الخارجية السوري في كلمته الافتتاحية أمام المؤتمر يتحدث عن الشعب السوري، ويحاضر على وزير الخارجية الأميركي قائلاً: "لا ينبغي لأحد، يا سيد كيري، أن يسحب الشرعية من الرئيس السوري بخلاف السوريين أنفسهم"!
وبكل تأكيد، فقد قضى هذا النظام نحبه، وكذلك لا تبدو هذه المعارضة في وضع يمكنها من القيادة، وهنا تكمن المأساة السورية، وليس فقط أنه لا أحد يمكنه الانتصار، فالحقيقة أنه لا أحد يستحق النصر ولا يمكنه -بأي حال- أن يحكم البلاد.
والمؤكد أن الشعب السوري يستحق ما هو أفضل، وهؤلاء الذين يصرون على أن ثقافة الشعب السوري تنطوي على الانفتاح والتسامح والتقدمية محقون، غير أن هذه الامتيازات تتبخر بسرعة.
وقد تمخضت أعوام الصراع الثلاثة عن واقع جديد من التعصب والعنف وشرّ العداء الطائفي، وبات من الصعب بناء سوريا جديدة، ولكن السوريين يستحقون فرصة أخرى.
وفي الحقيقة، لم أناصر الحرب يوماً وأجد غصّة في نفسي أن أفعل ذلك الآن، ولكن الاقتناع يزداد في نفسي شيئا فشيئاً بأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تقع عليهما مسؤولية فعل شيء، وربما يتطلب الأمر استخدام القوة للمساعدة على إنهاء هذا الصراع.
ولو أخفق مؤتمر "جنيف 2" في إحراز تقدم في التوصل إلى أية تسوية ذات مغزى، أعتقد أنه لابد من اتخاذ إجراء.
وهناك مطالب لابد من طرحها أمام الأطراف كافة، فيجب على النظام وقف هجومه العدواني على المناطق التي يسيطر عليها الثوار والمناطق المأهولة بالسكان، إذ إن التدمير الذي أحدثته الهجمات على الأحياء والمعاناة التي حلت بالمدنيين الأبرياء غير مقبولة.
وفي غضون ذلك، يجب الضغط على المعارضة لترتيب صفوفها، كي تصبح أكثر شمولية وتتبنى أجندة غير طائفية للتغيير، كما ينبغي أن يكون هناك تطهير لصفوفها من المتطرفين الطائفيين.
وعلى الطرفين أن يوافقا على بدء مفاوضات جادة، من دون شروط مسبقة، للتوصل إلى سلطة انتقالية ترتكز رؤيتها على اتفاق "جنيف 1".
وفي حين يبدو تشكيل حكومة انتقالية تتقاسم السلطة أمراً غير سهل وسيستغرق وقتاً، إلا أنه يجب على كلا الجانبين نبذ مفهوم أنه يمكن أياً منهما الحكم بمفرده.
وما لم يحدث ذلك في غضون فترة محددة من الوقت، عندئذ ربما تجد الولايات المتحدة أنه من الضروري حشد تأييد دولي لشن هجمات في سوريا ضد كل من النظام والمناطق التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة.
ويتعين أن تكون هذه الضربات على الأرجح واسعة النطاق وتستمر بما يكفي لتغيير حسابات الأطراف المتقاتلة، وربما يختار الروس أن يكونوا جزءاً من هذا الحل أو لا، ولكننا سنضيع وقتاً طويلاً عندما يتوقف تقرير مصير سوريا على "الفيتو" الروسي.
وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة أيضاً أن تقود جهوداً تهدف إلى تدشين قوة حفظ سلام بعد التوصل إلى اتفاق وصندوق لإعادة الإعمار والتسوية من أجل سوريا ولمساعدة ملايين اللاجئين النازحين في الداخل والخارج.