الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية في عامها الرابع

الأزمة السورية في عامها الرابع

18.03.2014
د. رحيل محمد غرايبة


الدستور
الاثنين 17/3/2014
الأزمة السورية تدخل عامها الرابع، وليس هناك بوارق أمل تلوح بالأفق تؤذن بزوال الأزمة ،أو التخفيف من حدتها، فالحرب هي الحرب، والخاسر الأكبر هو الشعب السوري وأطفال سوريا والدولة السورية كلها بمؤسساتها وتاريخها وتراثها، واقتصادها ومستقبلها ومستقبل أبنائها..
الحديث عن الأزمة السورية ينبغي أن يتخذ ألواناً من المراجعة والتقويم وشيء من خطاب العقل، بعيداً عن منطق الإدانة وإصدار الأحكام بقدر ما ينبغي أن يسهم الخطاب في البحث عن مسارات تحفظ ما تبقى من دم، وتحمي ما تبقى من وطن، ممّا يفرض على أطراف أخرى تتسم بقليل من الحياد والموضوعية وتحمل قدراً من إمكانية الاتصال بمختلف الأطراف المتصارعة، وتبادر في محاولة وقف الاقتتال دون يأس أو ملل.
يجب أن تقتنع كل الأطراف أن المعيار الأول في أي محاولة توافق يتمثل في إعلاء مصلحة الشعب السوري، وليس مصلحة النظام وأصحاب السلطة، وليس كذلك مصلحة المعارضة بكل ألوانها وتفاصيلها، ومن هذا المنطلق يمكن التوصل إلى معالم مدخل مقبول للحل، حيث يجب التخلي عن معيار السلطة والحكم لأن الحكم والسلطة لا يعبران عن معيار النجاح والفشل أو الانتصار والهزيمة، فأي انتصار في ظل بحور الدم وبيادر الجثث والموتى، مهما كانت درجة المنطق الذي يتحدث به من يدعي الحق، إذ يجب التخلي عن منطق الشرعية المتهافت الذي يخوّل أي طرف الإقدام على القتل والولوغ في الدم، ويجب التخلي عن منطق الشرعية الذي يسمح بالاقتتال الداخلي وحرب الإبادة، مهما كان الخطأ المزعوم، ومهما كانت حجم الجريمة للخصم، وأما الحديث عن شرعية المقاومة وشرعية الممانعة والتصدي، فهذه أكذوبة أكبر من الأكذوبة الأولى، ومن هنا يجب التوقف عن كل أنواع المعزوفات المخروقة، ويجب التوقف عن تكرار مقولات ملها الشعب السوري، وملتها كل الشعوب العربية والإسلامية، ويجب التخلي عن منطق الوصاية على الحق، ومنطق الوصاية على فلسطين، والوصاية على الجهاد، والوصاية على الإسلام، والوصاية على الشعب.
النظام أولاً وبدرجة أولى يتحمل المسؤولية في إخراج البلاد من ورطتها، ومن هنا يجب أن يبادر من تلقاء نفسه بوضع حد لهذه الحرب المجنونة، عبر مبادرة وطنية كبيرة تؤذن بمرحلة جديدة خارج منطق السحق والرعب والدم، وخارج منطق الحسم بقوة الدبابات والطائرات والبراميل المتفجرة عبر تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية من شخصيات سورية وطنية معروفة بالحياد وليست محسوبة على أي طرف.
 ودون وصاية من أي جهة، تمهل لانتخابات بإشراف الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة.
عندما تتخلى الأطراف المتصارعة عن منطق الصراع على السلطة والتمسك بها، سواء الحزب الحاكم والقوى المتحالفة معه، أو من قبل القوى المقاتلة ومن معها من الجانب الآخر، من أجل تمرير مرحلة انتقالية بإشراف قوى محايدة.
لقد أخطأ النظام ابتداءً باستخدام القوة المفرطة ومنهجية السحق للمعارضة، بكل تأكيد، وكذلك أخطأت قوى الثورة بالإتجاه نحو العسكرة، والاتجاه نحو استخدام القوة، وأخطأت بالاستجابة للمصيدة التي نصبها النظام التي كانت تهدف إلى جر معسكر الثورة إلى استخدام العنف، وفتح الساحة للمقاتلين من خارج سوريا، وكذلك أخطأت الدول التي ساندت منطق السلاح واستخدام القوة من جميع الأطراف، سواء من ساند النظام، أو ساند المقاتلين لأن ذلك شكل تنفيذاً حرفياً للمخطط الذي يقضي بدخول كل الأطراف بهذا النفق المظلم الذي لا نهاية له، وليس فيه بصيص من ضوء.
أعلم تماماً أن هذا المنطق لا يرضي كل الأطراف، ولكن يجب البدء بإشاعة ثقافة جديدة تقوم على تخلي كل الأطراف عن السلطة والذهاب إلى منطق وقف حمام الدم، حتى لو كان الثمن كبيراً وباهظاً، لأن مصلحة الدولة ومصلحة الشعب فوق مصلحة أصحاب السلطة وفوق مصلحة الأحزاب والقوى مهما كانت قوية وكبيرة ومهما كان منطقها وقربها من دعوى الصواب والحق والمصلحة.