الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية ... دروس السياسة

الأزمة السورية ... دروس السياسة

29.09.2013
غازي العريضي


الاتحاد
السبت 28/9/2013
للتذكير الدائم والمتكرر، فإن القاعدة التي بنى عليها الأميركيون والروس مواقفهم من الأزمة السورية، واتفاقاتهم حولها في مراحل مختلفة هي: "لا حل إلا الحل السياسي". وعن ارتباط الأمر بمصير بشار. قال الأميركيون: "بدء العملية السياسية ليس مشروطاً بتنحي الأسد"! وأجاب الروس: "انتهاء العملية السياسية ليس مربوطاً ببقاء الأسد! عندما نتفق يذهب الرجل".
هذه المعادلة تم تكريسها مؤخراً في الاتفاق -أو الدرس الدبلوماسي- السياسي، الذي تم التوصل إليه بشأن السلاح الكيماوي السوري بعد أن كان العالم ينتظر في لحظة ما الضربة الأميركية لمواقع نظام الأسد.
وعندما دار نقاش حول الفصل السابع وغيره قبل وأثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعتقد كثيرون أن الاتفاق يكاد يترنح، جاءت المواقف الروسية – الأميركية لتؤكد ثبات المعادلة – القاعدة.
الروس قالوا: " لا نتمسّك بالأسد كشخص. نتطلع إلى مصير سوريا واستقرارها ووحدتها ومنع تنامي الإرهاب وانتشاره ، وإلى السلام في المنطقة. وإذا شعرنا أن الأسد يخادع فنحن سنغيّر موقفنا، ويمكن الحديث في الفصل السابع واللجوء إلى خيارات تفضي إلى تنفيذ الاتفاق".
والأميركيون ردّوا ّ: "حان الوقت لتدرك روسيا وإيران أن الإصرار على إبقاء حكم الأسد سيؤدي مباشرة إلى النتيجة التي تخشيانها: ساحة في سوريا للمزيد من العنف يعمل فيها الإرهابيون. ونحن لا نريد سوى العيش اللائق للشعب السوري واستقرار الدول المجاورة ونزع الأسلحة الكيماوية، والتأكد من أن سوريا لن تكون ملجأ وملاذاً آمناً للإرهابيين"!
وقال الرئيس أوباما للمعارضة : "إن الشعب السوري لا يمكنه تحمّل انهيار مؤسسات الدولة، ولا يمكن التوصل إلى تسوية سياسية من دون معالجة المخاوف المشروعة للعلويين والأقليات الأخرى".
الطرفان الأساسيان أكدا التزامهما باتفاق الكيماوي والسير معاً على أساس المعادلة القاعدة وخارطة الطريق المشتركة. وتجسّد ذلك في المشاورات الثنائية داخل أروقة مجلس الأمن وخارجها، ومع الدول الحليفة والصديقة لهذا الطرف وذاك، وعلى رأسها إيران، وتم التوصل بالنتيجة إلى قرار في مجلس الأمن يكرّس التوافق على الثوابت المشتركة المندرجة في بيان "الاتفاق الكيماوي". بمعنى آخر، السلاح الكيماوي السوري انتهى سياسياً. سلّم سياسياً . البحث بات يدور حول الإجراءات التنفيذية والتفاصيل والكلفة المالية والوقت في موازاة النقاش في الملفات الثنائية الكبرى العالقة بين الطرفين.
الرئيس السوري أكد التزامه تسليم لوائح الأسلحة الكيماوية. أعلن" امتلاكه ألف طن منها. واعتبرها عبئاً عليه! وهي صنعت لتكون سلاحاً رادعاً في وجه السلاح النووي الإسرائيلي. لم يعد ثمة حاجة إليها، لأن سوريا باتت تملك سلاحاً رادعاً أكثر أهمية"! يدمّر أكثر داخل سوريا، ثم يدمّر أو يسلّم لاحقاً!
وأضاف الأسد: "الانتخابات عام 2014 هي من يقرر من يحكم سوريا"!
وفي موازاة ذلك حصلت تطورات مهمة. في بداية أسبوع الأمم المتـحدة وعشية اجتماعات دول ال 5السبت 28/9/20131 للبحث في الأزمة النووية الإيرانية سلمت روسيا مفاعل بوشهر لإيران. هذا تسليم تقني وتسليم سياسي ورسالة سياسية للغرب بأن إيران تمتلك طاقة نووية وهي "شرعية" "وقانونية" وتحظى بحمايتنا. وأعلن عن البحث في اتفاق لبناء مفاعل جديد بين إيران وروسيا. وكان سبق ذلك تصريح للرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، خاطب فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودعاه إلى استلام ملف الأزمة النووية الإيرانية والعمل على حلـّها بعد الاتفاق الروسي – الأميركي لحل الأزمة الكيماوية السورية.
ترافق ذلك مع الكلام عن استعداد إيران للقبول بالتخصيب النووي خارج أراضيها وحرصها على الحصول على طاقة بنسبة 20 في المئة. وهو اقتراح روسي قديم أعلن المسؤولون الروس تنفيذه على أراضيهم. وفي مرحلة معينة كانت تركيا قد دخلت على الخط أيضاً. وأعطي الرئيس روحاني تفويضاً كاملاً من المرشد الأعلى في الملف النووي. وفوّض أوباما بالمقابل وزير خارجيته جون كيري بمتابعة الأمر والمشاركة في اجتماعات الدول 5السبت 28/9/20131 إلى جانب زميله الإيراني محمد جواد ظريف. وجاء ذلك في أجواء من كسر الجليد بين واشنطن وطهران من خلال التصريحات والخطابات المتبادلة الانفتاحية الحوارية الحريصة على التوصّل إلى تفاهمات حول كل المشاكل العالقة، صدرت عن الرئيسين أوباما وروحاني. رغم أن اللقاء المشترك لم يعقد بين الرجلين وكان كثيرون ينتظرونه، لكن القنوات فتحت بينهما مباشرة ولا شك أن في ذلك تطوراً سياسياً جديداً مهماً جداً، مع تسجيل ملاحظة أن روحاني لم يحضر حفل الغداء الذي دعا إليه أمين عام الأمم المتحدة ليس لتجنب الجلوس إلى طاولة عليها مشروبات "ممنوعة". لكنه لم يكن يريد لقاءً هامشياً مع أوباما، بل يريد لقاء قمة، وهذا ما أكده أوباما وفي ذلك نقطة لمصلحة روحاني.
إسرائيل أخذت سياسياً "الكيماوي السوري"، عينها الآن على "النووي الإيراني". تمارس ضغطاً على أميركا وروسيا، هي لا تثق بإيران. وترى روحاني مخادعاً! تنظم "المناخات" حول أمنها ومستقبلها ومصالحها الاستراتيجية، وتجرف الأرض الفلسطينية وروسيا وأميركا ملتزمتان هذه المصالح!
سورياً المعارضة في مأزق حقيقي، معارك عنيفة بين "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وفصائل مقاتلة أخرى في عدة محافظات. وخلط أوراق سريع على الأرض وفي السياسة. عدد من الفصائل يعلن عدم التزامه بالائتلاف الوطني السوري. الإئتلاف مصاب بخيبة أمل وتراجع دوره، ولن يكون تسليح له ولفصائله خصوصاً بعد جنوح عدد كبير من المقاتلين نحو الفصائل المتطرفة والتركيز الإعلامي الغربي وبعض العربي على قوة وسيطرة المتشددين على الساحة السورية. ويترافق ذلك مع دعوة روحاني إلى "اجتثاث المجموعات الإرهابية بالتوازي مع نزع السلاح الكيماوي"، وتحذيرات روسيا من الإرهابيين والدعوة إلى مواجهتهم، والتحذيرات الأميركية الغربية من خطر هؤلاء عند عودتهم إلى بلادهم محملين بتجربة كبيرة. والمطالبة بمواجهتهم، والتراجع عن تسليح المعارضة خوفاً من وقوع السلاح تحت سيطرة المتطرفين. واليوم يمكن لهؤلاء أن يقولوا: لقد أخذنا من النظام سلاحه التدميري فلا يمكن أن نوافق على تسليم الآخرين سلاحاً فتاكاً! والنظام يستفيد من هذه المواقف ليقول: "كيف تقفون ضدنا، ونحن نقاتل الإرهاب الذي يهددكم ويقاتلكم"؟ ويؤكد أن لا حل إلا بقتل هؤلاء، وسيأتي الغرب ليقول: أعطينا بعض القوى المتحالفة مع "الجيش الحر" السلاح، فإذا بهم بين أيدي المتشددين . فكيف نسلّح؟ ومن نسلّح الآن؟ وقد تجاهل وتناسى الغرب مسؤوليته في وصول الأمور إلى ما هي عليه الآن.
واللافت في هذا المجال هو الموقف الإسرائيلي المتخوف من قتال فلسطينيي 48 في سوريا. إذ أعلن من إسرائيل عن وجود عدد من الإسلاميين من مناطق الـ 48 يقاتلون في سوريا إلى جانب المعارضة، وهؤلاء عندما يعودون سينقلون تجربتهم إلى الداخل، هذا هو الموقف الأميركي والغربي نفسه، فهل سنكون أمام تحالف جديد يخلط الأوراق وعنوانه "مواجهة الإرهاب"؟ طرحنا هذا السؤال سابقاً يوم نبـّهنا إلى أن الوقت لم يحن لضرب وقلب النظام في سوريا. الأولوية لمواجهة الإرهابيين الآخرين ولتدمّر سوريا! وهذه مسؤولية الغرب أيضاً . أما العرب، فغير موجودين غير مؤثرين لا رأي لهم في مصيرهم .