الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة مع روسيا والعرب الذين يدعمون تركيا

الأزمة مع روسيا والعرب الذين يدعمون تركيا

03.12.2015
كمال أوزتورك



الشرق القطرية
الاربعاء 2/12/2015
لقد تم إضافة أزمة جديدة إلى قائمة الأزمات التي عانت منها تركيا في السنوات الأخيرة، حيث تشهد البلاد في هذه الآونة أزمة خطيرة في علاقاتها مع روسيا، بعد حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية التي اخترقت الأجواء التركية. لم تقدم أي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال السنوات الـ60 الماضية، على إسقاط أي مقاتلة روسية، لذا فإن إسقاط تركيا طائرة حربية روسية تستحوذ على أهمية خاصة، وبطبيعة الحال، فإن العلاقات متوترة بين الطرفين.
هل التدخل التركي كان على حق؟
لقد تصاعدت أزمة إسقاط الطائرة الحربية الروسية، سيما وأن روسيا التي بدأت تسترجع زخمها، وزعيمها (فلاديمير بوتين) الذي يدعي أن بلاده باتت إحدى الدول العظمى في العالم، رفض الاستجابة لكل الجهود الرامية إلى خفض حدة التوتر مع تركيا. صادق الرئيس الروسي خلال الأسبوع الماضي على حزمة من العقوبات الاقتصادية الأحادية ضد تركيا، وفرض تأشيرات دخول على المواطنين الأتراك الراغبين بزيارة روسيا، حيث سيؤثر ذلك القرار في المقام الأول، على شريحة الطلاب ورجال الأعمال والسياح.
اتسمت السياسات والحجج التركية حيال الأزمة بالاتزان والاتساق، إلا أن روسيا لا تريد رؤية أو سماح الحجج والمبررات التركية، خاصة أنها تعلم بأنها انتهاك المجال الجوي التركي عدة مرات في وقت سابق، وأن تركيا وجهت لها عدة تحذيرات في هذا السياق، إضافة إلى أن روسيا وعدت بالتعاون من أجل عدم انتهاك طائراتها الحربية للمجال الجوي التركي، إلا أن ذلك لم يحدث في الواقع. وفي النهاية عاودت طائرتان روسيتان انتهاك المجال الجوي التركي مرة أخرى، ومن أجل ماذا؟. من أجل قصف شمالي اللاذقية (السورية)، تلك الأماكن الخالية تمامًا من أي وجود لعناصر تنظيم داعش، والتي يسكنها التركمان الذين هم أبناء جلدة الأتراك وأشقائهم في النسب.. لقد دأبت روسيا على قصف المناطق التركمانية ولاسيَّما سكانها المدنيين عند الحدود التركية.
حذر الجيش التركي الطائرتين الروسيتين اللتين اخترقتا المجال الجوي، 10 مرات خلال 5 دقائق، من أجل العودة عن مواصلة انتهاك الأجواء التركية. لم يصغ الطياران الروس لتلك التحذيرات، فقام سلاح الجو التركي بإسقاط إحدى الطائرتين الحربيتين.
أردوغان: أشعر بالحزن لكني لن أعتذر
قال كل من رئيس الجمهورية التركية "رجب طيب أردوغان"، ورئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو"، في معرض تصريحاتهما التي تناولت حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية، إن ذلك الإجراء ليس تصرفًا عدائيًا يستهدف روسيا، إنما تدخل ضروري يهدف لحماية حدود البلاد.
ومع ذلك، فإن الرئيس الروسي اعتبر ما جرى بأنه تصرف معادٍ لشخصه وبلاده، ولم يقبل التصريحات الرسمية التركية وطلبات الحوار، وزاد من حدة تصريحاته التي من شأنها تصعيد التوتر بدلًا من خفضه، وقال إنه يتوقع من الجانب التركي تقديم اعتذار ودفع تعويضات. أما أردوغان فأكد أنه يشعر بالحزن بسبب وقوع الحادث، لكنه لم يعتذر، وقال "إذا انتهكت أي طائرة حربية مجالنا الجوي مرة أخرى فسنقوم بضربها".
قد تكون روسيا غاضبة لإسقاط طائرتها من قبل سلاح الجو التركي، لكنها قد تكون أيضًا خلطت بين تركيا وأوكرانيا، هي تظن بأنها قادرة على انتهاك مجال تركيا الجوي كيفما تشاء دون أن يصدر أي صوت يؤرق صفوها، لكن كان عليها أن لا تتوقع ذلك من تركيا. بطبيعة الحال، تركيا لا تريد قيام أي حرب، ولا تريد كسب الأعداء بأي حال من الأحوال، إلا أنها في الوقت نفسه، دولة قوية بما فيه الكفاية للحفاظ على سيادتها الوطنية، وحريصة أشد الحرص على تحقيق ذلك، وقادرة إذا لزم الأمر على إعطاء الجواب المناسب لكل من تسوغ له نفسه خرق سيادتها.
شددت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية على حق تركيا في الدفاع عن النفس. وبطبيعة الحال، علينا أن لا ننسى أنهم مضطرون لتقديم هذا الدعم، كون أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الحملة العربية لدعم تركيا وقفت نسبة كبيرة جدًا من أبناء الشعب التركي إلى جانب الحكومة التركية، وقدمت لها دعمًا قويًا. وإلى جانب ذلك، فإن الدعم الذي قدمه إخواننا في البلدان العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتركيا، أثار في نفسنا أطيب المشاعر. حيث بدأ إخواننا العرب بحملة لدعم المنتجات التركية، ردًا على حزمة العقوبات الاقتصادية وحظر روسيا لاستيراد البضائع التركية، وقد قوبلت تلك الحملة في تركيا باهتمام وتقدير كبيرين. قد لا تكون لهذه الحملة معنى من الناحية المالية، ومع ذلك، فإن هذا الدعم الكبير المقدم لتركيا التي تشهد علاقاتها مع بلد مثل روسيا أزمة حقيقية، يحمل بين جنباته قيمة معنوية كبيرة جدًا بالنسبة لنا.
أعتقد أن هذا التضامن العظيم بين الشعوب، سيتطور ويرتقي يومًا ما، إلى مستويات أعلى على الصعيد الحكومي والمؤسساتي بين الدول، علينا أن نفهم بعد كل هذه التجارب المريرة التي مررنا بها، مدى أهمية تكاتفنا وتعاضدنا مع بعضنا بعضًا، من أجل استمرار بقائنا في هذه المنطقة.