الرئيسة \  مشاركات  \  الأسد ، المالكي ، السيسي ..تعددت الأشكال والمضمون واحد

الأسد ، المالكي ، السيسي ..تعددت الأشكال والمضمون واحد

29.01.2014
د. محمد أحمد الزعبي




خطرت لي فكرة هذه المقالة ، وأنا أستمع يوم أمس إلى تصريحات وتصورات هذا المثلث من وزراء الدفاع العرب والتي كان يتداخل فيها ماهو سياسي مع ماهو ديني مع ماهو عسكري ، وكانت تصب جميعها في طاحونة واحدة ، هي وضع حد لموجة الربيع العربي التي انطلقت من تونس في شهر ديسمبر 2010 ، وامتد ت إلى دول عربية أخرى كثيرة ومعروفة ، ومن بينها دول هؤلاء " الفرسان الثلاثة !!" ، مصر وسورية والعراق .
وإذا كان شكل الممارسة ، في هذه الأقطار العربية الثلاثة ، متاح عبر مختلف وسائل الإعلام ، للجميع ، ولا سيما أشكال وأنواع مابات معروفاً تحت مسميي " الاستبداد والفساد " فإننا في هذه المقالة سوف نسلط الضوء ، من منظور علم الاجتماع السياسي ، على بعض الزوايا ، التي يمكن أن تكون بحاجة إلى النبش والحفر والكشف عن بعض غوامضها التي يمكن ألاّ تكون متاحة للجميع , لكن بصورة مكثفة ومختصرة .
1. إن هولاء الفرسان الثلاثة المذكورين في عنوان هذه المقالة ، هم الرتبة الأعلى في بلدانهم مدنياً وعسكرياً ، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون ،
2.كلهم وصلوا إلى السلطة عن طريق " الدبابة " ، ثم تربعوا هم ودباباتهم على ظهر الشعب بدون إذن منه ،
3.كلهم مارس ويمارس رباعية التدليس و الكذب والتزوير والقتل ، تبريراً لوصوله غير الشرعي إلى سدّة الحكم ، ومن أجل بقائه واستمراره في هذه السدّة أطول مدة ممكنة ،
4. كلهم يظهر مالا يبطن ، يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر ، في إحدى جعبتيه خطاب للشعب ، وفي الجعبة الأخرى خطاب لأتباعه وأزلامه ومرتزقته ( الشبيحة ، البلطجية ، واللطمجية ...الخ )
5. كلهم يتبعون عندما يجلسون على كرسي الحكم نفس " خارطة الطريق " ، والتي هي بصورة أساسية :
+أنهم اضطروا لقبول هذه المسؤولية من أجل حماية الشعب من " الإرهاب " ! . والإرهاب هنا هو واقعياً الإسم الحركي ل " الشعب " الذي يحكمونه ويتحكمون به وبمقدراته عامة ، والاقتصادية خاصة ،
+ تقتضي لعبة مكافحة الإرهاب ، أن يكون الجيش وكافة قوى الأمن تحت قيادة الرئيس ، تحقيقاً لهذا الغرض ،
+ وتقتضي ذات اللعبة ، أن يكون القمع الذي سيمارسه الجيش و /أو أجهزة الأمن بمختلف أشكاله ودرجاته ، محميّاً بالدستور والقانون ، طالما أن ممارسته كانت في إطار " مكافحة الإرهاب !! " ، والذي سنّ له المسؤولون المعنيون قانوناً خاصاً ، لحماية من تتلطخ أيديهم من أتباعهم بدماء أبناء الشعب ،
+ تقتضي ذات اللعبة أيضاً أن يعتمد الحاكم على أبناء عشيرته ( عصبيته) ، . مع المفهوم الخلدوني للعصبية بصورة عامة ( عصبية الدم ) علماً أن مفهوم العصبية الحديث ، يتجاوز الجانب البيولوجي الذي كان سائداً في القرن الرابع عشر ( قرن ابن خلدون ) إلى الجانب الأيديولوجي والديني في القرن الواحد والعشرين ( قرن الفرسان الثلاثة ) ولكنه ( مفهوم العصبية الخلدوني ) يتطابق إلى حد بعيد مع عصبية عائلة الأسد الحاكمة في سوريا ولا سيما قوله "اعلم أن كل حي أو بطن من القبائل ، وإن كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام ، ففيهم أيضاً عصبيات أخرى لأنساب خاصة هي أشد التحاماً من النسب العام لهم مثل عشير واحد أو أهل بيت واحد أو إخوة بني أب واحد لامثل بني العم الأقربين أو الأبعدين ... والنعرة تقع من أهل نسبهم المخصوص ومن أهل النسب العام إلاّ أنها في النسب الخاص أشد لقرب اللحمة ، والرياسة تكون فينصاب واحد منهم ولا تكون في الكل " (عبد الحمن بن خلدون ، المقدمة ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1961 ط2 ) .
+ التنسيق بين أجهزتهم الأمنية والعسكرية ، وأجهزة الدول الغربية الكبرى ( دول المصنع والمدفع والإنترنت ) وأيضاً مع بعض الدول العربية ، حول قضيتين أساسيتين هما : مكافحة الإرهاب عامة ، والإرهاب الاسلامي خاصة (!!) ، وحل القضية الفلسطينية ، حلاً لايتعارض مع بقاء إسرائيل ولا مع استمرار وظيفتها الاستراتيجية في المنطقة ، أي عملياً حلاًّ غير عادل ، وغير أخلاقي ، وغير منصف .
6. يصادف هذا اليوم الذكرى الثالثة لجمعة الغضب في جمهورية مصر العربية ، والتي أطاحت بالرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك ، وحرمته من توريث حكم مصر لولده جمال ، ويصادف أيضاً بدء محاكمة الرئيس المصري الشرعي محمد مرسي ، بتهم كاملة التلفيق ، وذلك تمهيداً لفتح الطريق أمام عبد الفتاح السيسي نحو تحقيق حلمه في رئاسة مصر . إن ما ينبغي قوله هنا ، حول هذا الموضوع ، هو أن موقف ناصريي مصر المؤيد لانقلاب السيسي العسكري بتاريخ الثالث من تموز 2013 ، إنما هو مأخذ كبير عليهم ، ذلك أن الرئيس جمال عبد الناصر شيئ ، وعبد الفتاح السيسي شيء آخر ، أكاد أقول أن نسبة الاختلاف بين الرجلين تكاد تلامس رقم ال 100% ، فعبد الناصر انقلب على نظام ملكي وراثي ، ذي جذور غير مصرية وغير عربية ، بينما انقلب السيسي على نظام شرعي منتخب ديموقراطياً ، الأول كان واقفاً كالطود في وجه المصالح الأوروأمريكية والإسرائيلية ، ليس في مصر وحدها ، وإنما في كل الوطن العربي ، والثاني دفعت به هذه المصالح نفسها إلى أن يقوم بفعلته الدموية الشنيعة ، بعد مرور أقل من عام على استلام محمد مرسي السلطة .
اعرف أن الدول الغربية ( ومنها ومعها الولايات المتحدة الأمريكية ) قد تغاضت من جهة عن تنحية حسني مبارك ، وتغاضت من جهة أخرى عن وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر ، لأنها كانت تعرف تماما مدى عمق العداء التاريخي بين التيار الناصري في مصر وجماعة الإخوان المسلمين ، ولذلك فإن وصول الإخوان إلى السلطة في مصر ، شكل نقطة انبجاس النار التي كانت تحت الرماد ، وهذا ماكانت تبحث عنه وتنتظره الدول الغربية ، لأسباب تتعلق بمصالحها من جهة ، ولأمن الكيان الصهيوني في فلسطين من جهة أخرى . لقد كان الناصريون هم العمود الفقري لجبهة الإنقاذ ، والتي وظفها السيسي -- مع الأسف الشديد -- منذ اليوم التالي لانتخاب مرسي ،لتنفيذ انقلابه ، وتسويقه على أنه من أجل الشعب ، بل وبأمر من الشعب ( !!) .ولابد من تحميل جماعة الإخوان المسلمين المسؤولية السياسية عن تفردهم بالحكم ، وعن عدم تصالحهم وتحالفهم مع التيار الناصري في مصر ، حيث يمثل الطرفان معاً الركيزة الأساسية لاستقرار مصر ولأمن مصر ولجيش مصر . نعم إن مسؤولية الدماء الطاهرة التي تجري فوق ارض الكنانة هذه الأيام ، إنما يتحمل مسؤوليتها -- من وجهة نظرنا -- بالإضافة إلى المشير (!) عبد الفتاح السيسي قائد إنقلاب 3 تموز 2013 ، كل من الإخوان المسلمين ، والتيار الناصري ، بصورة أساسية ، ولست أدري فيما إذا كان ما يجري الآن في مصر يتعلق بصراع على السلطة ، أم بأمور أبعد من ذلك ؟ ! ، والله أعلم