الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد بين مشروعين: أدنى وأقصى!

الأسد بين مشروعين: أدنى وأقصى!

24.09.2013
سركيس نعوم


النهار
الاثنين 23/9/2013
للرئيس السوري بشار الأسد، الذي يخوض منذ سنتين ونصف سنة مواجهة دامية جداً مع غالبية شعبه الثائرة عليه، مشروعان في رأي عدد من متابعي الأوضاع في بلاده والمنطقة كما العالم، وبعضهم عرب مطلعون جداً. المشروع الأول، يُمثّل الحدّ الأقصى، ويقضي باستعادة نظامه السيطرة على سوريا كلها بعد القضاء على الثورة بواسطة "جيشه" والميليشيات السورية التي أسسها لمعاونته، والأخرى غير السورية التي دفعت اعضاءها إلى الانتقال إلى سوريا للمساعدة، بحمية مذهبية بعدما تحوّلت الثورة حرباً أهلية بل مذهبية. أما الثاني، وهو يُمثّل الحد الأدنى، فيقضي بالتحصّن في المنطقة التي تنتمي إليها أساساً الأقلية المذهبية المساندة لنظام الأسد، بل التي هو جزء منها، ولكن بعد رسم حدود جديدة لها توسِّع مساحتها الجغرافية، وتوفِّر لها معبرين بريّين يضافان الى الممر البحري الذي تشكله سواحلها. المعبر الأول يصلها بلبنان وتحديداً بحليفه الأقوى فيه، "حزب الله". وقد تم تأمينه قبل مدَّة بـ"استعادة" بلدة القصير المجاورة لمنطقة الهرمل في البقاع. والمعبر الثاني يصلها بالعراق ومن خلاله بالجمهورية الاسلامية الايرانية الراعية للغالبية الحاكمة فيه، هذا اذا كان يمكن الحديث عن حكم جدّي وفاعل في هذه الدولة. وتأمينه لم يتم بعد لأن استكمال سيطرة نظام الاسد على كل مدينة حمص وريفها لم ينجز بعد، ولأن السيطرة على "البادية" وعاصمتها تدمر التي تصل حمص بالحدود العراقية لم تبدأ بعد في صورة جدية.
وعلى رغم التناقض الظاهر بين المشروعين، يلفت المتابعون إياهم، فإن التدقيق يُظهر تكاملاً بينهما خلافاً لأي اعتقاد آخر. وينبع من حقيقة أساسية هي ضرورة تعزيز "المعقل الأقلوي الموسّع" في كل الأحوال باعتباره الملاذ الأخير للنظام "ومكوناته" وأبرزها الأقلية التي تشكّل عصبه الأساسي، وباعتباره في الوقت نفسه نقطة الانطلاق أو إحدى نقاط الانطلاق لـ"تحرير" المناطق الأخرى من احتلال "الثوار" الذين يسميهم تكفيريين، والذين يعتبرهم مرتزقة قدموا من الخارج لمحاربة التسامح والاعتدال اللذين هما سمة الدين الاسلامي. لكن ذلك لا يمنع الاعتراف، في رأيهم، بأن النظام، وتحديداً رأسه الأسد، لم يستقر على موقف نهائي من المشروعين الأقصى والأدنى بعد. فهو يشعر تارة بأن الأمور لا تسير في مصلحته داخل بلاده وفي المنطقة والعالم، ولذلك يركز على الأدنى. وطوراً يشعر بأن التطورات الخارجية والداخلية بدأت تصبح في مصلحته، فتعود اليه الثقة بالنفس، ويعود الى الهجوم متصوراً أن الحد الأقصى صار ممكن الإنجاز؟
أي من المشروعين المشار إليهما أقرب إلى الحقيقة والواقع؟
سمع اللبنانيون من وسائل الاعلام قبل اسابيع، وعبر الوزير السابق وئام وهاب، وهم يظنون أنه ينطق باسم سوريا، أو على الأقل يعرفها جدياً، أن أحداً لا يستطيع الحسم في سوريا، لا النظام ولا الثوار. وقرأوا أخيراً أن نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل قال الكلام نفسه. وهو صاحب دور مهم لأسباب عدة أهمها قربه الشديد من روسيا الحالية كما من الاتحاد السوفياتي الذي تأسست على أنقاضه. والقوى الكبرى في العالم، تميل إلى هذا الاستنتاج استناداً الى عدد من المتابعين الاجانب لمواقفها وسياساتها السورية. فالمؤيدة منها للاسد لا تستطيع أن تؤمن له الحسم، لأن قدرتها تقتصر على تأمين صموده. والمؤيدة منها للثوار لا تريد أن تؤمن لهم الحسم لاعتبارات صارت معروفة على رغم قدرتها على ذلك. لكنها ستزيد مساعداتها لهم لإقامة توازن مع الأسد قابل لأن يساعد على انتصارهم مستقبلاً عند تغير الظروف والمعطيات. والمستقبل هنا يقاس على الأرجح بالسنوات.
ماذا يعني ذلك؟
يعني استمرار القتال وجريان الدم بين الثوار على تناقضهم والنظام، ولا تمانع في ذلك قوى عالمية كبرى عدة مثل أميركا وحلفائها الاوروبيين وربما العرب ومثل روسيا والصين، لأنه سيجعل من سوريا وغيرها مقبرة لكل الاسلاميين المتشددين والتكفيريين "القاعديي" العقيدة والمنهج والآخرين. والمقصود هنا متشددو ايران الشيعية شيعة كانوا أم سنَّة. ويعني ايضاً تشعّب القتال لاحقاً بحيث يصبح بين الثوار أنفسهم بعد ان ينجح كل فريق منهم في "اقتطاع" منطقة له. وهو قد يعني أخيراً توسُّع القتال ليشمل لبنان، وخصوصاً بعد اشتراك الفريقين اللبنانيين الأكثر تمثيلاً في "حرب" سوريا، سواء بالقتال أو بالإعلام أو بالسياسة أو بالتمويل أو بالتدريب وبعض ذلك بدأ من زمان.