الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد ليس مجنونا ويريد ضمانات!

الأسد ليس مجنونا ويريد ضمانات!

04.11.2013
طارق الحميد


الشرق الاوسط
السبت 3/11/2013
يقول رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إن فكرة رحيل بشار الأسد عن السلطة غير واقعية وإن الأسد "ليس مجنونا، ويريد أن يحصل على ضمانات، أو مقترحات متعلقة بتطور الحوار السياسي في سوريا، وانتخابات محتملة، ومصيره الشخصي".
ومن يقرأ هذا التصريح الروسي متذكرا ما أعلنه نائب رئيس وزراء النظام المقال قدري جميل عن أن الأسد لن يرحل نتيجة مؤتمر "جنيف 2"، وأنه باق حتى نهاية ولايته، أي منتصف عام 2014، إضافة إلى التصريحات التركية الإيرانية الأخيرة حول سوريا، سيجد أن موسكو لا تلمح إلى أن الأسد لن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة وحسب، بل إنه، أي الأسد، يريد ضمان مصيره الشخصي، خصوصا أن ميدفيديف يقول في مقابلته مع وكالة "رويترز" إنه لا يمكن حل القضية السورية بسهولة عبر استبعاد الأسد فقط، معربا عن شكه في أن يوافق الأسد على ذلك خصوصا وهو يتذكر مصير الرئيس المصري المخلوع مبارك، أو معمر القذافي!
وعليه فإن التصريح الروسي، وجل التصريحات الأخيرة في اليومين الماضيين، خصوصا تصريحات الأخضر الإبراهيمي، الذي اتهمه نظام الأسد بأنه بعين واحدة وعدة ألسن، كلها تشير إلى أن التفكير، أو التفاوض، أو قل الإيحاءات، تصب في أن يكمل الأسد فترته الرئاسية، وهو ما توقعته هنا في 29 أبريل (نيسان) 2013 تحت عنوان "الأسد حتى 2014؟"، فتصريحات رئيس الوزراء الروسي عن سلامة الأسد هي إيغال في التفاصيل، وعملية جس نبض، علما أنه ما دامت موسكو تحرص على سلامة الأسد فلماذا لا تقوم باستقباله، وتضمن سلامته الشخصية، لكن هل القصة بهذه السهولة؟ أشك! والسبب بسيط جدا وهو أن الأسد نفسه أعلن عن رغبته في الترشح في الانتخابات المقبلة، ولم يعلن عن ذلك في مقابلته التلفزيونية الأخيرة وحسب، بل وفي أكثر من مقابلة، وبالتالي فإن الحديث عن أن الأسد لن يرشح نفسه للانتخابات المقبلة ليس بالأمر الذي من الممكن أن يؤخذ على محمل الجد، وإن لوح به الروس الآن ما دام أنه لا ضمانات حقيقية على ذلك.
صحيح أن الروس، وقبلهم الإيرانيون، قد يرضون بأهون الضرر وهو رحيل الأسد وبقاء النظام، خصوصا أنه سبق للروس أن قالوا ذلك لمسؤولين عرب يقول لي أحدهم إن الروس يقولون: "لماذا مقبول أن يرحل مبارك ويبقى النظام، بينما غير مقبول أن يرحل الأسد ويبقى النظام؟" إلا أن السؤال هنا هو: من يضمن أن يرحل الأسد مع نهاية فترته؟ هل يضمن ذلك الروس، أم الإيرانيون؟ ومن يضمن أننا لسنا أمام لعبة جديدة مثل لعبة تدمير الكيماوي ليبقى الأسد؟ الواضح أن هناك أمرا ما يخطط له، خصوصا مع قلق الروس المعلن على مبادرتهم حول "جنيف 2"، وهو ما عبر عنه لافروف أمس، مما يوحي بأن أمرا ما يخطط له الروس بتوافق مع إيران، ودراية أميركية!
e='te#�lg�4�^3;text-justify:kashida; text-kashida:0%'>لقد أدى الموقف العربي العام في المستويين الرسمي والشعبي إلى إحباط سوري عام. وبخلاف نداءات المتظاهرين الأوائل للعرب، دولا وشعوبا، من أجل نصرتهم في المعركة ضد النظام، فإن هناك من السوريين من فقد الأمل بالموقف العربي، خاصة بعد التجربة المرة التي عاشها ويعيشها السوريون المقيمون واللاجئون في بعض الدول العربية، وفي كل واحد منها يعيش السوريون تفاصيل مأساة إنسانية ربما لم يعشها أي من شعوب المنطقة في التاريخ الحديث.
ورغم ما تقدم، فإنه لا ينبغي الركون إلى المحصلة السابقة؛ فالسوريون لا يمكن أن يعيشوا خارج الجغرافيا والسياسة، والعرب في دولهم وشعوبهم كذلك. وباستثناء وجود كل من لبنان والعراق والأردن في الجوار السوري، فإن في هذه البلدان وغيرها من البلدان العربية مقيمين ولاجئين سوريين، ولكل البلدان العربية مصالح مباشرة وغير مباشرة في سوريا، الأمر الذي يعني في كل الأحوال صعوبة تفكيك العلاقات السورية من البلدان العربية وبالعكس، أو إبقاء تلك العلاقات في وضعها الراهن المأزوم والملتبس، إضافة للجوانب العاطفية والثقافية والتاريخية، التي تفرض ضرورة تجاوز الواقع الراهن.
غير أن الأهم في ضرورة حدوث تبدل نوعي في علاقات الموقف العربي من القضية السورية، محكوم بما صار إليه الحال السوري واحتمالات تطوره؛ ففي احتمال بقاء النظام على حاله، فإن على جواره العربي أن ينتظر منه سياسة لا تقل عنفا وقسوة عن تلك التي مارسها ضد السوريين، وستكون تجربة تدخلات النظام الدموية، التي قام بها في لبنان والعراق وفلسطين مجرد بروفات أولية وقديمة عن تدخلات دموية مستقبلية يقوم بها في محيطه العربي، وإذا قدر للنظام أن يذهب، وأن يحل مكانه نظام تحكمه جماعات التطرف من "القاعدة" وأخواتها، فلن تكون البلدان العربية والمحيط الإقليمي أفضل حالا، إذ ستكون هدفا ميدانيا لنشاطات تلك الجماعات وأنصارها. والحال لن يكون بالأحسن إذا بقي الحال على نحو ما هو عليه الآن من صراع سوري مفتوح على كل التدخلات الإقليمية والدولية، وهو صراع سيولد مزيدا من التداعيات السياسية والأمنية والمآسي ليس في سوريا وحدها، بل في محيطها وفي الأبعد منه.
خلاصة القول أن القضية السورية باتت تفرض على البلدان والشعوب العربية وعلى العالم، موقفا جديا ينطلق ليس من الخلفيات الإنسانية والعاطفية والثقافية والتاريخية فقط، ولا من المصالح المستقبلية البعيدة، وإنما من مصالح مباشرة وحقيقية، تتعلق بالأمن الكياني والاجتماعي، الأمر الذي يتطلب تحركا عربيا عاما، ومن دول الجوار خاصة، خارج التقديرات والرؤى الصغيرة والتفصيلية. ومن الحق أن يسعى السوريون إلى بيان هذا الجانب؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يعيش خارج الجغرافيا ولا خارج السياسة!