الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد وإسرائيل خطوط مفتوحة

الأسد وإسرائيل خطوط مفتوحة

17.08.2016
فايز الفايز


الشرق القطرية
الثلاثاء 16/8/2016
إسرائيل كانت في نظر العرب وعموم المسلمين في العالم كيانا صهيونيا مُغتصبا وغير منسجم مع المحيط الشرق أوسطي، وهي جيش معتدٍ ودولة احتلال سرقت القدس الشريف والأراضي العربية، ولهذا كانت هي البضاعة المحتكرة للأنظمة الدكتاتورية لتسويق حكمها، ولكن خلال جريان الأنهار السياسية في صحراء العرب القاحلة، لم يجد الجيل الجديد من الأبناء السياسيين في القيادات العربية طريقة غير التعامل مع إسرائيل واقعا للحال، ودولة تجاوزت مرحلة "الصراع العربي الإسرائيلي" إلى مراحل متقدمة من الشراكة في رسم سياسات الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وتأكد للزعماء والقيادات السياسية والعسكرية أن واقع الحال يؤكد عدم قدرة الدول العربية المعنية وغير المعنية على هزيمة القوة الإسرائيلية المتفوقة عسكريا وأمنيا وصناعيا، ولهذا اختصر البعض المسافة ووقع معها معاهدات السلام أو فتح مكاتب تمثيلية، فكانت مصر ثم منظمة التحرير الفلسطينية فالأردن قد طبعت علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي للقفز عن حواجز الصراع.
فيما مضى من سنين بعيدة كان هناك ما يسمى "دول الطوق"، وهو تعبير يشير إلى أربعة دول عربية تحيط بفلسطين المحتلة وإسرائيل، وهن مصر والأردن وسوريا ولبنان، وبعد معاهدة كامب ديفيد المشهورة انكسر الطوق، ثم تلاحق الانكسار حتى في ظل المصطلح الجديد "جبهة الصمود والتصدي" وهو أحد نظريات المدارس الحزبية والعسكرتارية وعلى رأسها البعث، ثم توالت الأحداث وتكشفت الأسرار، وخرج الأردن والسلطة الفلسطينية من دائرة الصراع والتصدي، فبحث النظام السوري عن شعار جديد للبقاء على قيد الصراع الزائف، فكان مصطلح "دول الممانعة" الذي تبناه عبثا وكذبا وزيفا النظام الإيراني، ودرسّه للنظام السوري، الذي أجبر الدولة اللبنانية تاريخيا مشاركته الرأي والرغبة بالقوة الجبرية، وصنع تنظيم حزب الله ذراعا متقدمة للتلويح بالقوة أمام إسرائيل التي احتلت جنوب لبنان والجولان مسبقا.
اليوم تتكشف أسرار التاريخ المزيف للنظام الأسدي السوري في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، والأحداث العسكرية التاريخية تثبت أن النظام السوري وجيشه، منذ اغتصاب الرئيس الأسبق حافظ الأسد للسلطة عقب الانقلاب الذي قاده، لم يشكل أي تهديد لإسرائيل ولا أمنها الخارجي والداخلي، بل إن مرتفعات الجولان قد تم تقديمها للجيش الإسرائيلي كما يقدم الراعي خروفه هدية للذئب بعد أن ذبحه وهرب، ومع هذا لا يزال النظام السوري وأعوانه وعملاؤه ومنافقوه يرقصون على نغمة الأسطوانة المشروخة، ويديرون المعارك الكلامية والحروب التلفزيونية والإذاعية ضد ما يسمونه العدو الصهيوني، وهم لا يكافحون الذباب القادم من عنده، وممنوع رسميا تحت طائلة العقوبة إطلاق النار على الخنازير البرية التي تخترق الحدود من طبريا باتجاه الجولان وسفوح جبل الشيخ.
إن نظام الأسد الابن الذي استخدم أخيرا جيش أبيه وسلاح طيرانه وفنون الوحشية الأمنية التي كان يوهم الناس بأنها موجهة لإسرائيل فوجهها لشعبه، بات أكبر وأخطر نظام دولة في محيطنا تتهم الآخرين بما تقوم به وتسعى إليه، فهي منذ سنوات الأب تحاول فتح الطريق بين دمشق وتل أبيب عن طريق بيروت، ومن ثم على عهد الابن الوارث تسعى إلى ذلك قبل اندلاع الثورة وأثنائها ولا تزال، فهي تحافظ على أمن حدود الإحلال الإسرائيلي في الجولان، وتصمت على كل الغارات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد مواقع الثوار ومخازن أسلحتهم، معتمدة على صمت الدول التي تدعم الثوار، فتعلن بكل صفاقة أن الغارات تستهدف مخازن ومواقع لجيش النظام أو حزب الله، ومع هذا تلتزم إسرائيل الصمت حيال ما يجري في سوريا.
إن الرسائل التي أرسلها ويرسلها النظام السوري إلى الحكومة الإسرائيلية واضحة دون أي شروحات، فهو لغايات بقائه على رأس السلطة سيقوم بإبادة كل الشعب السوري، حتى لو اضطر إلى استيراد شعب جديد من عالم آخر، ولكنه سيحافظ على مبدأ الحياد مع إسرائيل والحفاظ على حدود آمنة معها وضمان أمنها إذا ما استمر على رأس القيادة، ولغايات حُسن النوايا فإن ذراعه الخارجي في لبنان نصر الله ملتزم بالترتيبات الأمنية السرية مع تل أبيب، فمنذ قدوم نتنياهو للحكم لم يشتبك جيشه مع أي خطر حقيقي في الجبهة الشمالية كما حدث مع سلفه أولمرت، ولذلك فإن الحكومة الإسرائيلية لا تزال صامدة رغم عدم تقدمها خطوة واحدة إلى الأمام.
صحيفة "هيرالد تربيون" الأمريكية كشفت أخيرا مآلات "الممانعة وبطولات الخطابات"، فقد نقلت عن البروفيسور الإسرائيلي "نرومان بايلي" من معهد سياسات العالم في واشنطن والموظف السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن الأسد وجه رسالة لبنيامين نتنياهو، بواسطة الرئيس فلاديمير بوتين، مفادها "إذا دعمت إسرائيل النظام السوري، فسنضمن أمن حدود إسرائيل، كما هو الحال قبل الأزمة السورية"، وهذا ما كان يؤكد عليه "عاموس جلعاد" من تل أبيب صاحب نظرية دعم نظام بشار لحماية إسرائيل منذ اندلاع الثورة، لهذا فإن "الجيش العربي السوري" التاريخي قد دمره بشار ونظامه، ولم يعد جنوده يشكلون أي خطر على إسرائيل، والسلاح الكيميائي قد سلمه ودمره الأسد حسب شروط واشنطن وحلفائها، ولا خطر من دول الممانعة على أمن إسرائيل حسبما يفهم الجنرال "هرتسي هيلفي" رئيس الاستخبارات العسكرية، ولذلك فإن الأسد سيبقى مطمئنا على بقائه ما دامت إسرائيل شريكا في التفاهمات ما بين دمشق وموسكو ضد المقاومة والثوار الإسلاميين.