الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد وتقسيم سوريا

الأسد وتقسيم سوريا

07.03.2016
عبدالهادي الخلاقي


الشرق القطرية
الاحد 6/3/2016
يحكى أنه كانت هناك امرأتان، ومعهما ابنيهما الرضيعان، فجاء الذئب وأخذ ابن إحداهما، فقالت الكبرى للصغرى: "أكل الذئب ولدك وهذا ابني"، قالت الصغرى: "بل أكل الذئب ابنك أنت وهذا ولدي"، واختصمتا إلى نبي الله سليمان - عليه السلام - فقال لمن حوله من الرجال أتوني بسكين أشق الطفل إلى نصفين بينهما لتأخذ كل منهما جزء، فسكتت الكبرى راضية بذلك، بينما صرخت الصغرى مرتعبة لا لا.. لا تفعل بل هو ابنها فلتأخذه، ورضيت أن يكون ولدها للكبرى فيعيش وتراه يكبر حتى وإن لم يكن في كنفها - وهل ترضى الأمّ أن يُقتل ولدها أمام أعينها؟! فنظر سليمان إليها وقال هو ابنك فخذيه وحكم به للصغرى.
حُب الشيء يعني الحفاظ عليه لا تمزيقه وتقسيمه هكذا نتعلم من القصة وتعلمنا من تجارب الحياة – بشار الأسد ومنذ بدء الأزمة في سوريا عام 2011 وضع أمامه خيارا واحدا وهو البقاء في هرم السلطة، وإن كان ذلك على حساب الشعب السوري والأرض السورية، قتل الناس ودمر المدن عن بكرة أبيها بلا رحمة ولا إنسانية يظهر إستراتيجية الأسد إما هو أو كل شيء يفنى.
الخارجية الروسية وعلى لسان نائب خارجيتها ألمحت إلى تقسيم سوريا وكذلك ألمح كيري وزير الخارجية الأمريكي إلى ذلك الهدف، المعارضة السورية استنكرت هذه التصريحات واعتبرتها مخططا خبيثا يراد به الانقضاض على سوريا وتمزيقها إلى دويلات ودعم الأسد حتى يخرج من هذه الأزمة منتصرا ولو بأقل القليل، الغريب في الأمر أن بشار الأسد الذي يرى نفسه الرئيس الشرعي المنتخب لسوريا لم يعترض على هذه التصريحات ولم يبد أي استياء تجاهها، خاصة وأنه هو من استعان بالدب الروسي لتثبيت حكمه وبقائه في رئاسة السلطة، وجل ما يهمه أن يظل رئيس دولة حتى وإن كان على جزء من الأرض السورية وليس لديه مانع من أن تقسم دويلات، كما يحاول الغرب تنفيذه بغية توفير الأمن والحماية لإسرائيل، فتقسيم سوريا إلى ثلاث دول كردية وعلوية وسنية، وتحديداً أن تكون الدولة العلوية محاذية للبنان والجولان المحتل ليستمر توفير الحماية والأمان للكيان الإسرائيلي المحتل للأراضي العربية.
السؤال: لماذا يتجه الأسد لخيار تقسيم سوريا؟!
من خلال المعطيات الميدانية اتضح بأن دخول روسيا بقواتها لم يغير شيئا على الأرض السورية، في الوقت نفسه لا تستطيع روسيا المغامرة بقوات أكثر خوفاً من مغبة مصير مجهول في بلد منفلت، أضف إلى ذلك التكلفة الباهظة للقوات الروسية في ظل ما تعانيه موسكو من أزمة اقتصادية حادة، من جهة أخرى جدية قوات التحالف الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية في ضرورة إنهاء الأزمة برحيل الأسد، والتي باتت تلوح بخيار تسليح المعارضة السورية المعتدلة بمضادات للطائرات التي بدورها سوف تغير موازين القوى في سوريا وبلا شك سوف تضع حداً للتدخل الروسي في دعم الأسد الذي لم يبق لديه سوى خيار تفتيت سوريا وتقسيمها ليشعل فتيل الصراع ويكون نواة لتقسيم منطقة الشرق الأوسط بأسرها، فحصول أكراد سوريا على دولة بلا شك سوف يمهد الطريق لكردستان العراق للانفصال عن العراق والانضمام إلى الدولة الكردية الديمقراطية الكبرى، يليها أكراد تركيا ليلحقوا بالركب وتشتعل المنطقة بحرب ضروس تقسم دولتي سوريا والعراق وتستنزف الدولة التركية في حرب طويلة الأجل مع الأكراد وبدعم روسي أمريكي.
من جانب آخر تدرك إيران جيداً أن مواجهة التحالف الإسلامي يعتبر أمراً مستحيلاً فهي لم تستطع إنقاذ الأسد طوال خمسة أعوام بما قدمته من دعم مالي ولوجستي، واستنزفت هذه الحرب ميزانيتها وأضعفت موقفها في المنطقة، وإن كابرت وروجت لخلاف ذلك فقد أصبح أهل الشام والعراق أكثر كرهاً وحقداً على النظام الإيراني وبكل ما يرتبط به في البلاد العربية، في الوقت نفسه فقدانها لدمشق يعتبر انتكاسة كبيرة لمشروعها التوسعي ومن المحتمل أن يكون نقطة انطلاقة لاستعادة بغداد في ظل توجه عربي إسلامي لعدم السكوت على ما يحدث في أرض الرافدين من قتل طائفي ممنهج على أيدي المليشيات الإرهابية الطائفية بمباركة الحكومة العراقية الطائفية الموالية للنظام الإيراني، وفي كل الحالات تعتبر طهران تقسيم سوريا والاحتفاظ بدمشق كعاصمة موالية لها أفضل بكثير من استمرار سوريا موحدة، فقد زادت ضريبة تدخلها في سوريا وأضحت عبئا يثقل كاهل النظام الإيراني وينذر بمزيد من الخسارة لابنها المدلل حزب الله في لبنان، الذي أصبح في وضع حرج خاصة بعد وقف الدعم السعودي للبنان جراء ممارسات هذا الحزب وتصنيفه كحزب إرهابي وتجفيف منابعه وترحيل كل اللبنانيين ممن يرتبطون بهذا الحزب من دول الخليج العربية لتزداد الأعباء أكثر فأكثر على النظام الإيراني.