الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأكراد عالقون بين "داعش" و"أردوغان"

الأكراد عالقون بين "داعش" و"أردوغان"

30.09.2014
سلكان هوكأوغلو



الاتحاد
الاثنين 29-9-2014
انتشرت قوات الشرطة ووحدات مكافحة الشغب التركية على طول حدود منطقة "مورسيتبينار" الحدودية مع سوريا، وعززت وحدات عسكرية محمولة على ناقلات الجند مراقبتها للمناطق القريبة من الحدود المتاخمة للمناطق التي يتقدم فيها مقاتلو "داعش" داخل سوريا ليخلقوا بذلك أزمة سياسية جديدة.
وبسبب الطبيعة المعقدة للأحداث التي تجري على الأرض، كان الأكراد يتدفقون عبر الحدود في كلا الاتجاهين. وفرّ الآلاف منهم إلى تركيا خلال الأيام العشرة الماضية الأخيرة عندما سيطر المقاتلون المتطرفون على قراهم الواقعة شمال سوريا. وكانت مجموعات أخرى منهم تتدفق في الاتجاه المعاكس للقتال إلى جانب إخوانهم. واندلعت اشتباكات بين الأتراك والأكراد هذا الأسبوع عندما حاولت القوات التركية توقيف بعض المقاتلين الأكراد أثناء محاولتهم العبور إلى سوريا.
وكانت التطورات الأخيرة التي شهدتها الحرب الأهلية السورية قد أظهرت بعض البوادر لإمكانية انتقال الصراع إلى داخل تركيا. وأمام هذا الوضع، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اتخاذ خطوات من النوع الذي كان سابقوه يتجنبونه، ويتعلق بطريقة التعامل مع مطالب الأكراد بالحصول على المزيد من الحريات المدنية والسياسية، وأعلن عن نيّته في إنهاء حرب العصابات معهم، الحرب التي استمرت لثلاثة عقود. وفي مقابل ذلك، تلقى دعماً قوياً من المناطق الجنوبية الشرقية لتركيا ذات الأغلبية الكردية، والتي انخفضت فيها حدة المعارك منذ وصوله إلى السلطة قبل نحو عقد كامل.
وأدى الهجوم الوحشي للجهاديين المتطرفين إلى توحيد أكراد المنطقة. وبالإضافة لتركيا، تتوزع أقليات كردية في كل من العراق وإيران وسوريا. ويتهم بعض الأكراد تركيا بأنها لم تقدم الملاذ والمأوى وبقية المساعدات الإنسانية للنازحين. بل إن بعضهم الآخر ذهب إلى حد اتهام الحكومة التركية بأنها فضّلت مساعدة تنظيم "داعش" بدلا من مساعدة المقاتلين الأكراد الذين يتصدون له. ومن أمثلة ذلك أن تركيا تسمح للجهاديين بالدخول والخروج عبر حدودها بكل حرية، في الوقت الذي لا تسمح فيه للأكراد بذلك. ولقد بادرت المرجعيات الرسمية التركية إلى نفي هذه المزاعم.
وقالت "صباحات تونسيل"، المحامية والعضوة الناشطة في "حزب الشعب الديمقراطي الكردي"، في لقاء صحفي عبر الهاتف: "تحاول تركيا (خنق) المنطقة الكردية المستقلة التي ظهرت إلى حيز الوجود في سوريا خلال الحرب الأهلية". وأضافت "تونسيل" قولها: "وبدأت تركيا أيضاً العمل على إجهاض عملية البحث عن حلول لمشاكل الأكراد في تركيا ذاتها".
وفي خطاب ألقاه أردوغان أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك هذا الأسبوع، قال إنه سمع عن تقارير صحفية تزعم أن تركيا تدعم "داعش"، ووصف تلك المزاعم بأنها "خاطئة تماماً ولا تستحق أن يهتم بها أحد". وقال في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن تركيا "ليست هي البلد الذي يدعم الإرهاب أو يغضّ الطرف عنه".
وقالت مصادر البيت الأبيض إن أوباما وأردوغان عقدا جلسة محادثات الخميس الماضي تناولا فيها الأخطار الحقيقية لتنظيم "داعش". ويجدر هنا التذكير بأن تركيا عضو فاعل في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأن الولايات المتحدة تبحث عن أكبر عدد من الحلفاء في المنطقة من أجل تأمين التغطية السياسية والعسكرية لضرباتها الجوية ضد المليشيات المتطرفة في العراق وسوريا.
وفي بلدة "سوروك" التركية الحدودية مع سوريا، فشلت جهود قوات الأمن التركية في الحدّ من تدفق اللاجئين الأكراد السوريين. وعبر طريق طويل ممتد داخل البلدة كانت طوابير اللاجئين تتزاحم للفوز بطبق من الحساء الذي يقدمه مطبخ ميداني تم إنشاؤه على عجَل، فيما اكتفى العشرات منهم بالتفيُّؤ في ظلال بعض أشجار الحديقة المجاورة.
وكثيراً ما أعربت تركيا عن خوفها من استضافة الأكراد السوريين. ففي حوار مع صحيفة "كومحريات"، نُشر هذا الأسبوع، قال مساعد رئيس الوزراء التركي "يالسين أكدوغان"، إن على الأكراد أن يعلنوا جهاراً عدم ولائهم لبشار الأسد إن هم أرادوا التفاهم مع تركيا التي تعمل كل ما في وسعها لعزله وإزاحته عن سدة الحكم في سوريا.
ولقد تمكن الأكراد الذين يمثلون إحدى أكبر المجموعات العرقية "الإثنية" في الشرق الأوسط ويعملون لإنشاء دولة مستقلة، من تحقيق مكاسب سياسية وجيوسياسية كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية. وكان في وسعهم أن يبسطوا سيطرتهم على الشمال العراقي الغني بمصادر الطاقة عقب الهزيمة النكراء التي مُنّي بها جيش بغداد بعد اشتباكه مع مقاتلي "داعش".
ولم يفوّت الأكراد السوريون الفرصة، وتمكنوا في شهر نوفمبر من العام الماضي، من استغلال الفراغ الأمني والسياسي الذي نجم عن الحرب الأهلية، وسارعوا إلى الإعلان عن ضم مناطق واسعة من شمال شرق سوريا لتصبح تحت وصايتهم. ولقي هذا التطور الميداني قبولا ضمنياً من بشار الأسد بعد أن اقتنع بأن مجال السيطرة العسكرية لقواته لم يعد يمتد إلى تلك المناطق النائية.
ويبدو أن ما يحصل في بلدة "سوروك" وغيرها، أصبح يشعل نيران الغضب الكردي ضد أردوغان بعد أن شعر الأكراد أن الهجوم الوحشي لتنظيم "داعش" يهدد بالاستيلاء على المكاسب التي حققوها على أراضي المعارك. وقال سياسي تركي في معرض تعليقه على هذه الأحداث: "تعمل الحكومة التركية بالتحالف مع داعش على إنشاء منطقة عسكرية عازلة".
وكان لي لقاء مع كردي سوري يدعى "روحات سيدار" (في الثالثة والعشرين من عمره)، كان يجلس في مقهى مفتوح على الهواء الطلق، فقال لي إنه يستعد للعودة إلى سوريا لقتال "داعش" بعد ستة أشهر من استلامه لعمله في مصنع للنسيج بمدينة اسطنبول. ويبدو لي أن وحشية وهمجية "داعش" هي التي أجّجت هذه الحمية القتالية لدى الأكراد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"