الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأكراد ومئوية سايكس - بيكو

الأكراد ومئوية سايكس - بيكو

12.06.2016
د. محمد نور الدين


الشرق القطرية
السبت 11/6/2016
التطورات الميدانية الجارية في سوريا منذ فترة، تثير قلق تركيا. لم يكن القلق في السابق بهذا الحجم الذي يعبر عنه اليوم المسؤولون الأتراك كما وسائل الإعلام المؤيدة لحزب العدالة والتنمية. ولا يخلو الأمر من أقلام مؤيدة لهذا القلق في أوساط معارضة.
منشأ القلق المتزايد هو الصعود المتزايد للقوى الكردية في سوريا وعامودها الأساسي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. لا يتحرك الحزب الآن تحت اسمه الوحيد بل كفصيل أساسي من "قوات الحماية الكردية". وبالتالي هو يحاول أن ينزع الانطباع بتفرده بقرار القوى الكردية.
الحزب ينتمي إيديولوجيا إلى مدرسة عبدالله أوجالان زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا منذ العام 1999. وزعيم الحزب صالح مسلم لا يخفي ذلك بل هو مدعاة فخر أن يكون من المناضلين لتحصيل الحقوق الكردية سواء في سوريا أو في تركيا وفقا للنهج الأوجالاني.
من هنا تبدأ مشكلة تركيا مع أكراد سوريا. بالطبع يبقى العديد من أكراد سوريا غير المنضوين تحت جناح مسلم لكنهم يتطلعون إلى تحقيق الكيانية الكردية وإن بغير طرق الإدارة الذاتية أو الفيدرالية.. إلخ.
الذي يجعل أكراد سوريا أو معظمهم مختلفين عن أكراد العراق أو عن نهج رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني أن الأخير ليس عنده هدف إقامة كردستان الكبرى أو اتحاد بين أجزاء كردستان. يحصر البرزاني مبدئيا هدفه في كردستان العراق وقد حقق غالبية ما يصبو إليه أكراد كردستان العراق.
أما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا فهو يضع أهدافا متواضعة قياسا على هدف الاستقلال وهو امتلاك الأكراد في سوريا حكما ذاتيا ضمن سوريا الواحدة. ويقول مسلم إنه لا يريد الاستقلال.
لكن هدف الفيدرالية في سوريا سيكون اتحادا كونفيدراليا بين فيدراليات كردية في العراق وتركيا وإيران وسوريا. وهذه الكونفيدرالية لا تلزم انفصال الفيدراليات عن الكيانات التي فيها.
المعادلة التي يطرحها أوجالان لأكراد تركيا وغير تركيا لا تطمئن الدولة المركزية في أي من البلدان الأربعة. لكن الحساسية القومية من الأكراد هي أعلى في تركيا من غيرها من الدول. ويعتبر الأتراك أن تحصيل الأكراد لأي مكسب له علاقة بالهوية هو من المخاطر الكبيرة على وحدة الكيان التركي. لذا هذا التفسير والتحسس هو الذي يحول حتى الآن دون إيجاد حل سياسي للمشكلة الكردية في تركيا والنظر إلى الأكراد على أنهم مجرد أداة بيد الخارج لإضعاف تركيا.
تنسحب هذه النظرة التركية على أكراد سوريا. حيث ترى أنقرة أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو منظمة إرهابية لأنه ينتمي إلى الأيديولوجية نفسها لحزب العمال الكردستاني في تركيا وبالتالي ما يتصرف به أكراد سوريا يؤثر حتما على أكراد تركيا بينما ما يقوم به أكراد العراق لا يؤثر على أكراد تركيا.
التطورات الميدانية في سوريا دخلت منعطفا جديدا مع تقدم ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، ذات العامود الفقري الكردي، إلى مدينة الرقة بدعم جوي أمريكي وصدور كلام كردي عن ضم الرقة بعد تحريرها إلى الفيدرالية الكردية. هذا يعني توسيع حدود الكانتونات الكردية في سوريا إلى مناطق غير كردية.
من ناحية ثانية، كسر الأكراد الخطوط الحمر التركية بعبورهم نهر الفرات متقدمين صوب مدينة منبج الذي يسيطر عليها "داعش".
الكلام المنتشر في تركيا أن استكمال الأكراد للشريط الكردي داخل سوريا على امتداد الحدود مع تركيا سيحمل تغييرا إستراتيجيا لموقع تركيا في الجغرافيا الإسلامية. إذ إنه بعد سيطرة الأكراد في العراق على كامل الحدود مع تركيا بموجب الفيدرالية التي نالوها، فإن سيطرة أكراد سوريا على كامل أو الغالبية الساحقة من الحدود مع تركيا يعني استكمال قطع تركيا عن الجغرافيا العربية تحديدا.
بطبيعة الحال، إن أكراد سوريا لن يضيعوا فرصة لتحقيق كياناتهم كما هو الحال مع أكراد تركيا وكل الأكراد الآخرين. لكن اللعبة الكبرى التي تدار في سوريا ومن سوريا عبر الأكراد تُسأل عنها قوى أخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي هي "خير" خلف لـ"خير" سلف إنجليزي وفرنسي في هذه الأيام من الذكرى المئوية لسايكس- بيكو.