الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأماني الأمريكية بـ”تقسيم سوريا” تعود إلى الواجهة من جديد

الأماني الأمريكية بـ”تقسيم سوريا” تعود إلى الواجهة من جديد

02.08.2016
أحمد أبو الخير


ايوان 24
الاثنين 1/8/2016
أثارت تصريحات رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جون برينان، التي تحدث فيها عن مستقبل مجهول لسوريا، تكهنات مراقبين بما وصفوه بـ”أمنيات أمريكية” لتقسيم البلد المثخن بالجراح.
جون برينان، الذي يشغل أيضاً منصب كبير مستشاري مكافحة الإرهاب للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قال خلال مشاركته في منتدى أسبين الأمني السنوي، السبت 2016/7/30: “لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سوريا موحدة مرة أخرى، ولا أعرف ما إن كان سيقام فيها نظام كونفيدرالي يسمح أن تتولى كل طائفة إدارة حصتها من البلاد”.
وهذه الـ”لا أعرف.. لا أعرف”، كانت كافية ليشعل مدير الـ”CIA” وسائل الإعلام بالحديث عن “تقسيم سوريا”، ذاك الحديث الشهيّ لكل المتآمرين على هذا البلد الذي بات مسرحاً لحروب العالم، وإذا كان زعيم مليشيات حزب الله، حسن نصر الله، وقحاً بقولها صراحة لخصومه في لبنان: “دعونا نتقاتل في سوريا”، فإن أمريكا وروسيا وإيران وغيرها من دول العالم والإقليم، ذهبت بالفعل إلى سوريا لتجعل منها ميداناً لتصفية الحسابات، أو عقد الصفقات.
وأضاف برينان أن سوريا كانت بلداً يضم مسلمين ومسيحيين ويهوداً يعيشون جنباً إلى جنب، والآن كثير من الدماء أريقت، ويبدو أنه بات من المستحيل أن تعود سوريا موحدة مثل ما كانت في الماضي
تصريحات رئيس الـCIA ليست جديدة أمريكياً، ففي فبراير/شباط، قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إنه في حال فشل كل من “اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا، والانتقال السياسي الذي أقرته الأمم المتحدة، فإننا قد نتخذ موقفاً أكثر شراسة بما فيه تقسيم سوريا”.
وأشار في كلمة له خلال جلسة لمجلس الشيوخ، إلى أن عدم إيجاد حل للأزمة السورية عبر طاولة المفاوضات، سينجم عنه تدمير البلاد بالكامل، قائلاً: “أعلم جيداً أنه في حال فشل الاتفاق فهناك احتمال انهيار سوريا بالكامل
وتابع كيري: “إن كان الروس والإيرانيون ليسوا جادين في موضوع تحقيق عملية السلام، فإن ذلك سيتسبب في مزيد من الاختلاف الفكري، والانتقال إلى الخطة (ب) التي تؤجج القضية بشكل أكبر
ومطلع فبراير/شباط الماضي، اتهم وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، روسيا باستغلال عملية السلام السورية المتمثلة بمحادثات جنيف، لاقتطاع “دويلة علوية” لبشار الأسد في سوريا، من خلال قصف معارضيه بدلاً من قتال تنظيم الدولة، بالإضافة إلى قصف المدنيين من دون تمييز؛ ما يعتبر انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي.
وكانت “إسرائيل” قد دخلت على خط “التبشير” بسوريا مقسمة، وقال وزير الجيش الإسرائيلي، موشي يعلون، منتصف فبراير/شباط الماضي: “سوريا التي نعرفها لن تكون موحدة في المستقبل القريب، وفي نفس الوقت أعتقد أننا سنرى جيوباً سواء كانت منظمة أم لا، تشكلها مختلف القطاعات التي تعيش وتقاتل هناك”.
فيدرالية.. حدث ولا حرج
أما الحديث عن “تقسيم مخفف” بشكل دولة بنظام لا مركزي، فيدرالي أو كونفيدرالي، فحدث ولا حرج، ومن أبرز من أقحم هذه الفكرة بشكل علني، سيرغي ريفكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، عندما قال في مارس/آذار الماضي: “إذا قرر السوريون أن تكون سوريا دولة فيدرالية، لا أحد يمكنه منع ذلك، أنا أتمنى من الأطراف المشاركين في المفاوضات دراسة اقتراح الفيدرالية”.
وفي مارس/آذار من العام الجاري، قال المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، ستافان دي مستورا، إنه لا يستبعد مناقشة فكرة الفيدرالية في سوريا، تعقيباً على دعوة روسيا أطراف النزاع للتفكير في تحويل البلاد إلى جمهورية فيدرالية.
وحينها نقلت رويترز عن دبلوماسي بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، طلب عدم نشر اسمه، أن بعض القوى الغربية الكبرى وليست روسيا فحسب تبحث أيضاً إمكانية إقامة نظام اتحادي لسوريا، وعرضت الفكرة على دي ميستورا
وأضاف الدبلوماسي: “مع التأكيد على الحفاظ على سلامة أراضي سوريا من أجل بقائها كدولة واحدة، يوجد بالطبع جميع أنواع النماذج المختلفة لنظام اتحادي سيكون -كما في بعض هذه النماذج- متحرراً للغاية من المركزية، ويعطي الكثير من الحكم الذاتي لمختلف المناطق”.
وفي مقابلة في سبتمبر/أيلول 2014 لم يستبعد زعيم النظام السوري، بشار الأسد، فكرة النظام الاتحادي، لكنه قال إن أي تغيير يجب أن يكون نتيجة لـ”حوارٍ بين السوريين، واستفتاء لإدخال التعديلات اللازمة على الدستور
الحديث عن تقسيم سوريا، وبلاد عربية أخرى بطبيعة الحال كجارتها العراق، حديث ذو شجون، ويحلو لمراكز الأبحاث الغربية رسم وبثّ خرائط جديدة لهذه البلد التي تعاني حرباً ضروساً شارك العالم في استمرارها، عبر التراخي عن تنحية الأسد، المسبب الرئيسي لمأساة العصر.
كثرة المتحاربين في سوريا، وتنويعاتهم وولاءاتهم وخلفياتهم وأهدافهم ومؤامرات داعميهم، وحجم الجغرافية السورية فضلاً عن موقعها الاستراتيجي والجيوسياسي، يجعل فرض واقع جديد للبلاد محيراً لأمنيات الطامعين؛ فالتقسيم لا يمكن أن يكون أفضل من الوحدة لمصالح أيّ من الدول التي أثيرت شهيتها لقضم الكعكة السورية.