الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأمة العربية اللاجئة

الأمة العربية اللاجئة

09.09.2015
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الثلاثاء 8/9/2015
إذا استعرضنا خارطة اللجوء في العالم فإننا نجد أن الشعوب العربية تقف على رأس القائمة، الفلسطينيون والصوماليون والعراقيون والسوريون واليمنيون يشكلون أعلى الأرقام، وأكثر الأعداد، ومن حيث السياق الزمني فإن الفلسطينيين الذين هجرهم اليهود الإسرائيليون من فلسطين بعد أن احتلوا ديارهم لهم قصب السبق في اللجوء، وبعد ذلك بالطبع الشعب العربي المنسي، الشعب الصومالي، الذي لا يكاد يتذكره أحد من أبناء الأمة العربية إلا في الملمات، ثم جاء الاحتلال الأمريكي للعراق ليهجر ملايين العراقيين، في تركيا وسوريا والأردن ودول أخرى، ثم الطامة الكبرى وهي النكبة التي يتعرض لها الشعب السوري الذي يقاتل في مواجهة مجرم العصر الإرهابي بشار الأسد، الذي قتل ثلاثمائة ألف وجرح نصف مليون وشرد 12 مليون سوري، ليكون النزوح واللجوء السوري هو الأكبر عربيا في العصر الحديث، فلم يسبق أن تم تهجير نصف شعب في أي دولة عربية أبدا.
إذا جمعنا هذه الملايين من العرب الذين تحولوا إلى "لاجئين" رغم أنوفهم، فإننا نستطيع أن نقول إن الأمة العربية لاجئة بامتياز، نصف الشعب الفلسطيني مهجر، نصف الشعب السوري مهجر، ربع الشعب العراقي مهجر، ربع الشعب الصومالي مهجر، ولا أدري كم نسبة اليمنيين المهجرين حتى في دول فقيرة مثل الصومال وجيبوتي وغيرها. هذا الواقع يعني أن الأمة العربية تعاني من نكبة لجوء جماعية،
وإذا أضفنا إليهم المهاجرون طوعا من العالم العربي مثل المصريين الذين يعيشون خارج بلادهم ويبلغ عددهم 11 مليونا، إضافة إلى أعداد كبيرة من المغرب والجزائر ولبنان والسودان فإن العدد يتضاعف، ويتحول إلى ظاهرة تحتاج إلى دراسة.
لماذا تحول العالم العربي إلى منطقة طاردة للعرب؟ ولماذا تقذف الدول العربية أبناءها إلى الخارج؟ وما هو تأثير ذلك على المستقبل العربي؟
العالم العربي أصبح طاردا بسبب مستويات العنف غير المسبوقة، ومستوى القتل الذي لم يعرف له التاريخ العربي الحديث مثيلا إلا في سوريا في عهد حافظ الأسد الذي قتل في مجزرتين 50 ألف سوري، 40 ألفا في حماة و10 آلاف في جسر الشغور، ناهيك عن المجازر الصغيرة التي قتل في كل واحد منها بضع مئات. فيما يجري في سوريا والعراق وليبيا واليمن حول هذه الدول إلى "مسالخ بشرية"، لا قيمة للإنسان فيها، مما أدى إلى تفضيل السكان في هذه البلاد الهرب والبحث عن ملاذ آمن، أفضل من الموت بلا سبب.
ولا شك أن الأنظمة العسكرية الدكتاتورية والأنظمة الشمولية الاحتكارية، حولت العالم العربي بدورها إلى منطقة طاردة لأنها قمعت المستقبل لجيل بأكمله، وحولته إلى ركام بشري، وقتلت هذه الأنظمة الطموح عن الشباب، مما دفعهم إلى الهجرة واللجوء أو الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة، في محاولة للثأر من الحكومات والمجتمعات التي ظلمتهم، وحالت بينهم وبين حصولهم على حياة كريمة، عوضا عن الحصول على الفرص التي تمكنهم من تحقيق ذواتهم.
الأمة العربية "أمة لاجئة" بامتياز، وهذا اللجوء القسري والإجباري لابد أن يتحول في المستقبل إلى "خنجر" مسموم مليء بالحقد والرغبة بالثأر للذات، وسوف تكون حشوته الكراهية، وأخطرها "كراهية الذات"، التي تتنكر للعروبة والإسلام، وتبحث عن ملاذ ثقافي آخر نكاية بالأمة التي عذبت أبناءها حولتهم إلى أعداء.
قد يعتقد البعض أن ما كتبته مجرد خيال، وللأسف أنه ليس خيالا بل حقيقة ألمسها في الحوارات الشخصية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي وإن بدت باهته اليوم إلا أنها تتسع يوما بعد يوم، وكما تحول السوريون إلى "أمواج بشرية" تبحث عن اللجوء في المنافي والملاذات الآمنة، والفضاءات الثقافية غير العربية، فإن هذه "الأمواج البشرية" يمكن أن ترتد حالة انقلابية، تتنكر لنفسها ولأمتها التي أهملتها، وقذفتها في اليم.
مطلوب من الأنظمة العربية أن تعمل شيئا للحد من الخسائر وإذا أرادت أن يبقى عندها بشر، حتى لا تجد نفسها تحكم دولا بلا شعوب، أو نصف شعوب أو ربع شعوب، أو تحكم طائفة أو قبيلة، في حين من كانوا يسمون "الشعب" أصبحوا "لاجئين" في دول أخرى، ولعل الإرهابي بشار الأسد الذي يحكم نصف شعب، ولا يدين له بالولاء إلا طائفته وعسكره، هو المثال الأبرز على ذلك.