الرئيسة \  تقارير  \  الأمم المتحدة : عام صدام الحضارات والكوارث الطبيعية ومونديال قطر

الأمم المتحدة : عام صدام الحضارات والكوارث الطبيعية ومونديال قطر

02.01.2023
عبد الحميد صيام

الأمم المتحدة : عام صدام الحضارات والكوارث الطبيعية ومونديال قطر
عبد الحميد صيام
القدس العربي
الاحد 1-1-2023
نيويورك ـ “القدس العربي”: يسدل الستار على العام الذي شهد تطورات عظمى على المستويات الدولية والعربية والفلسطينية. ولا أظن أن أحدا يختلف على أن الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ شباط/فبراير الماضي هي أهم هذه التطورات الجارية والتي على ضوء نتائجها قد يتشكل عالم جديد متعدد الأطراف أو أن تستمر الهيمنة الأمريكية الأوروبية لمعظم سنوات القرن الواحد والعشرين. وسنراجع بعض أهم التطورات في العام المنصرم على المستويات الثلاثة:
الحرب في أوكرانيا
عندما كتب صاموئيل هانتنغتون مقاله الشهير “صدام الحضارات” عام 1993 ردا على مقال فوكوياما حول “نهاية التاريخ” بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية، توقع فيه أن لا تكون الحروب المقبلة على أساس الأيديولوجيا كما كان الحال بين الرأسمالية والشيوعية في مرحلة الحرب الباردة بل على أساس الثقافة والدين والمكونات الحضارية التي لا تتغير. وستنطلق الحروب الحضارية بين العالم الغربي الليبرالي على جبهتين الأولى ستكون مع الحضارة الإسلامية حيث رسم خطا طوليا سماه “خط الصدع” وستنطلق المواجهات في مرحلتها الثانية مع الحضارة الصينية. لكن الذي شهدناه هذا العام هو انطلاق المواجهات بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وحلفائه القلائل، علما أن الدول الغربية كانت تعتقد أن روسيا ستبتعد عن الصين وتنضم إلى مجموعة الدول الغربية وتتخلى عن أحلامها الامبراطورية، وعلى أساس ذلك تم ضمها لمجموعة السبع.
انطلقت شرارة الحرب يوم 24 شباط/فبراير الماضي فيما أسماه بوتين “عملية عسكرية خاصة”. وبعد ثمانية أشهر من الحرب وما رافقها من دمار وضحايا أدت إلى اقتلاع ملايين الأوكرانيين من ديارهم وتحويلهم إلى لاجئين، لا يبدو السلام قريبا.
لم تنشغل الأمم المتحدة في قضية في تاريخها الحديث منذ احتلال العراق للكويت عام 1990 مثل انشغالها بالحرب في أوكرانيا. لقد استخدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجمعية العامة في دورة استثنائية طارئة لإدانة الغزو الروسي واعتبار المناطق المضمومة من أوكرانيا عبر الاستفتاء أمرا باطلا وغير شرعي. ولم تجد روسيا من يقف معها إلا بيلاروسيا وسوريا وكوريا الشمالية وإرتريا. كما اعتمدت الجمعية العامة مؤخرا قرارا خطيرا يدعو لتشكيل آلية لحصر الخسائر وتقدير حجم التعويضات المطلوبة. أضف إلى ذلك ما تعرضت له روسيا من إهانة بطردها من مجلس حقوق الإنسان ثم تشكيل فريق متكامل من المحققين تابعين للمحكمة الجنائية الدولية لتوثيق ما ارتكب من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويبدو الوضع الحالي غير محسوم وغبار المعركة لا يسمح بالرؤية السليمة. فهناك نظام تفردي متعجرف يرفض أن ينهار وهناك نظام تعددي تقوده روسيا والصين ودول أخرى مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند ما زال لم يكتمل. على ضوء نتائج الحرب الحالية سيتحدد مصير المجتمع الدولي لسنوات قد تستغرق كل القرن الواحد والعشرين.
على المستوى الدولي أيضا جاءت الفيضانات في باكستان في حزيران/يونيو وكانت من أضخم الكوارث الطبيعية في العصر الحديث والمرتبطة بمسألة التغير المناخي. لقد أغرقت تلك الفيضانات ثلث الأرض الباكستانية وشردت الملايين وهدمت القرى والبنى التحتية وتركت جزءا أساسيا من البلاد غارقا تحت المياه حتى هذه الأيام. أودت الفيضانات بنحو 1128 ضحية و1700 إصابة. وقدرت الخسائر بنحو 30 مليار دولار. وسيعقد في كانون الأول/يناير 2023 مؤتمر للدول المانحة لتقديم المساعدات لباكستان. وليس من العدل أن تتعرض باكستان لمثل هذه الكارثة المتسببة عن التغير المناخي، بينما لا تسهم في الانبعاثات الكربونية بأكثر من 1 في المئة.
العالم العربي
أما على الصعيد العربي فقد بقيت الأزمات العميقة متواصلة فلا بوادر لحلول في الأفق لا للأزمة السورية ولا للأزمتين اليمنية والليبية. ويمكن أن نشير إلى أن قمة لم الشمل العربي التي عقدت في الجزائر بحضور رفيع المستوى والتوصل إلى إعلان الجزائر يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر الذي وضع القضية الفلسطينية على رأس اهتمامات الأمة، كان الحدث الأبرز على مستوى العمل القومي حتى في ظل انعدام الثقة الشعبية في مؤتمرات القمة التي في الغالب لا تتجاوز مرحلة البيانات. كذلك فإن فشل القمة الأمريكية الخليجية ونجاح القمة الصينية العربية في السعودية يعتبران تطورين مهمين على صعيد التفكك المطلق من الهيمنة الأمريكية والعمل على خط سير جديد للأمة العربية تنتصر فيه لمصالحها أولا قبل الانصياع لإملاءات الخارج كما جرت الأمور لسنوات عديدة.
أما الحدث العربي الأهم، في رأينا، وهو تنظيم قطر لتظاهرة كأس العالم في نسختها الثانية والعشرين، والتي كانت أفضل نسخة أقيمت على الإطلاق منذ إنشاء هذه المسابقات الكروية مرة كل أربع سنين عام 1930. لقد نجحت قطر نجاحا باهرا شرف العرب جميعا بل وأسمتها مونديال قطر- مونديال العرب، حتى يشعر كل عربي أنه جزء من النجاح وجاهز للرد على المشككين والعنصريين الذي لا يعجبهم أن ينجز بلد عربي صغير في المساحة، كبير في الإمكانيات، كل هذه المرافق ويستقبل 3.5 مليون متفرج وخمسة مليارات مشاهد عبر العالم من دون أي حادث يذكر. لقد ترك العرب أجمل الانطباعات لدى الزوار والمتابعين. وما زاد التاج جوهرة أداء الفرق العربية في المونديال والتي رفعت رؤوسنا عاليا سواء بانتصار الأخضر السعودي على الأرجنتين أو نسور قرطاج على ديوك فرنسا أو بوصول أسود الأطلس المربع الذهبي لأول مرة في التاريخ وهو إنجاز لا شك سنبقى نذكره على مدى الأيام متباهين برؤية فرق كبار يتم إقصاؤها مثل بلجيكا وكندا وإسبانيا والبرتغال. ورفعت للجماهير العربية التي اصطفت وراء المنتخبات العربية اسم فلسطين عاليا في كل المباريات والفعاليات، والتي أثبتت أن علاقات الحكام المطبعين ستبقى محصورة في القصور ودوائر المخابرات بعيدا عن الشارع العربي النقي.
فلسطين ومآسيها
أما على الصعيد الفلسطيني فقد شهدت الضفة الغربية بالتحديد تصعيدا في مستوى القتل هو الأعلى منذ عام 2006. حيث سقط أكثر من 225 شهيدا على الأقل من بينهم نحو 55 طفلا، وهو ما استدعى ممثلة الأمين العام لدى الأطفال والنزاع المسلح، فرجينيا غامبا، للقيام بزيارة للأراضي الفلسطينية المتحلة بين 11 و 16 كانون الأول/ديسمبر للاطلاع على حقيقة أوضاع أطفال فلسطين لتضمين تلك الحقائق في تقريرها السنوي المقبل.
أما الجريمة التي هزت كيان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمجتمع الدولي فهي استهداف الصحافية الفلسطينية، مراسلة قناة “الجزيرة” شيرين أبو عاقلة يوم 11 أيار/مايو. وراء جنازتها سارت الأمة وحملتها إلى مثواها الأخير بالدموع. لقد استهدفت شيرين لإدخال الحزن إلى كل بيت في فلسطين والوطن العربي والأحرار في العالم. لم تبق دولة أو مؤسسة حقوقية أو صحافية إلا وأدانت الجريمة واستنكرتها وكذلك الاعتداء الأرعن على الجنازة. في الأمم المتحدة أصدر مجلس الأمن بيانا بالإجماع يدين القتل والاعتداء على الجنازة والجمعية العامة تبنت قرارا يدعم برنامج تقديم المساعدة للصحافيين والذي أعيد تسميته باسم شيرين أبو عاقلة وأدان نفس القرار الذي صدر بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر مقتل الصحافية الفلسطينية وطالب باستكمال التحقيق وتقديم المرتكبين للعدالة. وهذه السوابق لم تحدث من قبل.