الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأمن القومي العربي المهدد ومرتكزه الأساسي: سوريا (2-2)

الأمن القومي العربي المهدد ومرتكزه الأساسي: سوريا (2-2)

16.11.2015
وائل مرزا



المدينة
الاحد 15/11/2015
الأمن القومي العربي المهدد ومرتكزه الأساسي: سوريا (2-2) قلنا في الحلقة الماضية أن الأمن القومي العربي لم يكن متداخلاً من قبل كما هو عليه الحال اليوم. وأكثرُ من ذلك، لم يكن الأمن المذكور مُهدداً، من قَبل، بهذه الخطورة. وقبل الإجابة عن سؤال: ما العمل؟ يمكن التذكير بحقائق أخرى، إضافةً إلى ماسبق، كمؤشرات على هذا الموقف
ففي مسألة الطاقة التي تُعتبر عنصراً رئيساً في رؤية العالم للمنطقة، وسياساته بخصوصها، ثمة حساباتٌ جديدةٌ كلياً تعتمد على اكتشاف احتياطيات من البترول والغاز في أماكن مختلفة من باكستان إلى بحر الشمال ومن الكونغو إلى رومانيا، مروراً بكل من تنزانيا وكينيا والهند والفليبين وتركمانستان و"إسرائيل" وغيرها، هذا فضلاً عن استمرار الاكتشافات في البلدان المعروفة كأميركا وروسيا والمكسيك. مامن شكٍ أن البترول والغاز في العالم العربي سيظلان عنصراً أساسياً في الحسابات، لكن الصورة العامة للموضوع تمثل عاملاً أساسياً في زحزحة الاهتمام الكامل السابق بأمن المنطقة واستقرارها لدى النظام الدولي.
وفي عالمٍ يتمحور حول لغة المصالح، يبدو المشهدُ التالي بؤرةَ اهتمامه ومرتكزَ صناعة سياساته: منطقةٌ تتصاعد فيها العواصف من ناحية، وتقل أهميتها الاقتصادية من ناحية ثانية، وتبدو طامحةً للعب دورٍ إقليمي يُحقق مصالحها أكثرَ من ذي قبل من جهةٍ ثالثة.
لايكفي هذا المشهد، على أهميته، لإعلان الزهد في المنطقة. المطلوب إذاً معادلةٌ جديدة تؤمِّنُ ماتبقى من مصالح، دون اضطرارٍ لأي نوعٍ من توريط النفس فيها.
هنا تحديداً يأتي دورُ الروس والإيرانيين.
يقول المثل السوري أن الطباخ الماهر "لا يُزفِّر يديه" إذا كان هناك من يمكن له القيامُ بهذه المهمة.. وهذا مايفعله بوتين وآياتُ طهران بالضبط. لمزيدٍ من التوضيح: لايعني التحليل أن روسيا وإيران تقومان بالمهمة لـ "زرقة عيون" الآخرين. على العكس تماماً. كل ما في الأمر أن ثمة نقطة التقاء مصالح تاريخية يعمل الطرفان بدأب على أن تُحقق المعادلة المشهورة بالإنجليزية win win situation، بمعنى فوزهما سوياً بالغنيمة.
عودةً إلى سؤال: ما العمل؟ ثمة أمران في غاية الأهمية: رؤيةٌ استراتيجية ومدخلٌ للتنفيذ العملي. أما الرؤية فتتمثل في مغادرة طريقة التفكير التقليدية المذكورة أعلاه بخصوص وجود تفريقٍ في نظرة النظام الدولي إلى العالم العربي بين دولةٍ وأخرى، وإدراك حتمية ارتباط المصير، وإبداع رؤيةٍ سياسية تقلب الوضع الراهن الذي يسمح بالتفرد بكل دولة، وتأجيل معالجة ملابسات وتداعيات (الربيع) و(الثورات) وما إليها داخلياً، والتركيز على (مقصلةٍ) تتعلق بالمصير. سيما وأن أطرافاً عربية مؤثرة وحساسة، كالسعودية، أثبتت أنها مصرةٌ على توازنات حساسة فيما يتعلق بتلك التداعيات وستكون قادرةً أكثر على التعامل معها، بما يحقق مصلحة الجميع مع زوال التهديد الوجودي المباشر.
أما مدخل التنفيذ فلا حاجة للمناقشة في أنه يتمثل في القضية السورية. يأسفُ السوريون لكون بلادهم ساحة الصراع الإقليمي والدولي، لكن هذا بات حقيقةً من جانب. الأهم من ذلك، أن كسرَ روسيا وإيران في سوريا سيؤكد حقيقة أخرى تتمثل في كون هذا البلد العربي مرتكزاً للأمن القومي للعالم العربي بأسره، وأن هذا سيظهر كثابتٍ من ثوابت الجغرافيا السياسية للمنطقة في المستقبل، بما يقتضي القيام بكل ماهو لازم لإنهاء الوضع الراهن برحيل الأسد وكسر حلفائه، وبناء سوريا الجديدة التي تحقق الهدف المذكور