الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإبراهيمي والمهمة التي لم تكتمل

الإبراهيمي والمهمة التي لم تكتمل

11.06.2014
د. مهند مبيضين



الدستور
الثلاثاء 10/6/2014
التصريحات الأخيرة للمبعوث العربي والدولي للأزمة السورية الأخضر الابراهيمي، والتي حذر فيها من تحول سوريا إلى دولة فاشلة وصومال اخرى، تؤكد أن الرجل قبِل بمهمة صعبة منذ البداية وقال عنها حين تولاها:"إنه يتمنى إحداث تحول في اتجاه الحل لإنهاء تقاعده السياسي وخبرته الدولية في حل الصراعات"، وهو وإن تحمل المهمة حينها على انقاض جهد المبعوث الأممي السابق له كوفي عنان، إلا أن الاثنين خرجا في النهاية بموقف واحد، وهو أن الحل ليس في دمشق بل في طهران، وعواصم أخرى.
منذ العام 1993 اختار الاخضر الابراهيمي الخروج من بلده والعمل في الأفق الدولي، مستنداً إلى إرث طويل في الدبلوماسية بدأ بتمثيل جبهة التحرير الوطني في جاكارتا (1954-1961)إبان الثورة الجزائرية، وعمل في مرحلة الاستقلال ثم البناء الوطني في حقبة احمد بن بله، ثم زمن الثورة ومجلسها وتجسيد الجمهورية الثانية على يد هواري بومدين 1976-1979 متدرجا في السياسة الوطنية والخارجية الجزائرية من مسؤول سام في الجامعة العربية  بين عامي 1984-1991 إلى وزير خارجية.
وبعد أن انفجرت اضطرابات القبائل أو ما سمي الربيع البربري في اكتوبر 1988، كان الرجل شاهداً على نتائج ما بعدذلك الربيع، والتي قادت إلى البدء باجراءات سياسية واصلاحلات دستورية حاولت دمقرطة البلاد وتنظيم عمل الأحزاب بنظام الحصص، فدخلت الجزائر آنذاك أول انتخابات متعددة في تاريخها والتي شاركت بها جبهة الإنقاذ في 19 تموز1990. لكنها انتخابات ألغاها الرئيس الجزائري الشاذلي ثم استقال.
عمل الأخضر الابراهيمي مع محمد بوضياف مفتتحاً عقد التسعينيات بمنصب وزير الخارجية، وهو العقد الذي دخلت به البلاد زمناً من الدم والفوضى وراح فيه أكثر من مائة ألف شهيد، واغتيل فيه بوضياف لتدخل البلاد الفوضى من جديد عندما حاول رئيس الحكومة آنذاك بلعيد عبد السلام التقرب من الإسلاميين، فتعمق انقسام الجيش مع اليميني زروال، حتى جاء بوتفليقه الذي وظف كل قوته ومهارته لاستعادة الاستقرار السياسي والتوازنات داخل المؤسسات الأمنية والوئام المدني والنمو الاقتصادي، وهو ما قاده للبقاء حتى اليوم.
في هذا الزمن الأخير زمن الدم وإعادة البناء، ومنذ 1993 ترك الاخضر العمل في الاطار الجزائري وتفـرغ للعمل في مهمات حفظ السلام في اطار الأمم المتحدة، وكانت بداية العمل في الأزمة اللبنانية مبعوثا للأمم المتحدة، وقد انجز اتفاق الطائف الذي ما زال يعاد الحديث عنه اليوم كسقف للحل الوطني، وهو يظل اتفاقا قلقا وغير ثابت.
ومن أزمات الشرق الأوسط في لبنان وافغانستان والسودان والحرب اليمنية وفي الإشراف على أول انتخابات في جنوب أفريقيا للعام 1994، كان الإبراهيمي يتعامل مع أعقد المشاكل والأزمات محاولا تفكيك الصعب منها، ويقابل الرؤساء في القصور وقادة التمرد والهبّات الشعبية في الخيام والجبهات وقمم الجبال. فكان قادرا على أن يحقق استجابات في قضايا دولية محددة أحياناً، وأن يعترف في الوصول لطريق مسدود في محطات ثانية أحياناً أخرى.
علاقاته الوطيدة مع زعماء القرن العشرين، وصمته وحكمته، لم تفد في الأزمة السورية، فقد عاصر الرجل القيادات التي حكمت سوريا وعرف إرث الدولة البعثية فيها جيدا، لكنه حين أراد البحث عن حل ذهب للأطراف المتصارعة متمسكا بالشرعية الدولية والإصرار على الوصول إلى جنيف 2 وهو السقف الذي اظهر تعنت النظام السياسي ضد الحل، وكأنه كان يريد أن يجعل من جيف 2 نسخة أخرى من اتفاق الطائف الخاص بلبنان، فتحطمت الأمال وبات الرجل يفكر بمخرج مشرف، ليستقيل بعد أن استحال تطبيق الوصفة اللبنانية على الساحة السورية. ولتأتي تحذيراته الأخيرة التي نشرتها مجلة ديرشبيغل أكثر واقعية من التصريحات التي اعتاد اطلاقها يوم كان في مهمته الأممية والعربية تجاه سوريا، والتي ظل متمسكا فيها بالحل السياسي فيما قوائم الموت السوري تطول وتتضخم.