الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإخفاق في علم الحساب

الإخفاق في علم الحساب

28.05.2013
أنس زاهد

المدينة
الثلاثاء 28/5/2013
بعد مرور حوالى عامين على اندلاع الاقتتال الداخلي في سوريا، يمكننا القول بأن شيئا لن يحول بين الأمريكيين وبين حصاد نتائج الفشل المرير، سوى وقوع معجزة ما. لكن أنى للمعجزة أن تقع في زمن لا مكان فيه للمعجزات، إلا في خيال جمهور بعض الوعاظ الذين تربوا على ثقافة (كرامات المجاهدين) منذ حقبة ما كان يُعرف بالجهاد الأفغاني، وصولاً إلى حقبة الخيّالة البيض الذين دحروا ولا زالوا يدحرون، دبابات الجيش السوري!
مشكلة أمريكا أنها بليدة في علم الحساب السياسي، وهذا ما جعلها تكرر ارتكاب نفس أخطائها السابقة.
في الأزمة السورية أدى فشل الأمريكيين في تقدير الموقف الروسي، إلى إصابتهم بالذهول وبالتالي محدودية القدرة على الفعل. كيف لم يتمكن الأمريكيون من تقدير قوة منافسهم الذي استعاد شبابه وجدد خلاياه، وأصبح قادرا على فرض نفسه كلاعب أساسي على الساحة الدولية؟
إجادتك علم الحساب تجعلك محصنا من وقوع المفاجآت، وعندما تتمكن من تحييد المفاجأة، ستتمكن من أن تصنع المبادرة لا المقامرة السياسية المحفوفة بالمخاطر.
الأمريكيون فشلوا حسابيا وبشكل عجيب، في قراءة مكامن وعناصر القوة التي يتمتع بها الجيش والنظام السوري على حد سواء. وهو فشل لا عذر لهم فيه، فالإمبراطوريات التي ترسب في مادة الحساب، هي إمبراطوريات آيلة للسقوط والتآكل مهما امتلكت من قوة.
الفشل الأمريكي في تقدير قوة الخصوم، أدى إلى إطالة أمد المعركة التي أصبح من الواضح أنها غير قابلة للحسم العسكري. الأمريكيون لم ينتبهوا في غمرة إصرارهم على عدم الاعتراف بحق المنافس-الروس- في الوليمة المعدة للتوزيع، أن مواقفهم المتصلبة يمكن أن تحث أعداءهم الذين يشكلون عناصر التحالف الدولي والإقليمي المناهض لمشروعهم، إلى تخطي مستوى التحالف الاستراتيجي في علاقاتهم مع بعض البعض، إلى مرحلة الارتباط العضوي التي لا تنشأ إلا في ظل القناعة بوجود ما هو متعارف على تسميته بالمصير المشترك.
لقد تخطّى السوريون والإيرانيون مرحلة التحالف الاستراتيجي إلى مرحلة الارتباط العضوي، حيث انفتحت بسبب الأزمة السورية مجالات جديدة للتعاون، وفضاءات لم يكن لأحد أن يتخيّل ما بلغته فعلا، وعلى جميع الأصعدة. أما التحالف الروسي السوري فقد وصل إلى مستوى لا يقل، إن لم يكن يفوق، المستوى الذي وصل إليه التحالف السوفييتي السوري عقب نهاية حرب لبنان، فأي غباء أمريكي هذا؟!
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف لم يتمكن الأمريكيون من قراءة المشهد، وكيف أخفقوا في تقدير مدى قوة خصومهم الذين امتصوا الضربة تلو الضربة، ليصلوا إلى مرحلة الانقضاض بدلا من التكتل في الخطوط الخلفية؟!
لا شيء يفوق من حيث نتائجه الكارثية، الإخفاق في علم الحساب.