الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإفراج عن سوريا المحطمة!

الإفراج عن سوريا المحطمة!

12.04.2016
د. طيب تيزيني


الاتحاد
الاثنين 11/4/2016
منذ بداية العام الجديد، وقد مضت ثلاثة أشهر منه، كنا نلاحظ تعاظم وتائر الأسى والقلق والحذر العميق، خوفاً من القادم القريب وما بعده، في أوساط كثيرة من الناس، يحدث ذلك مع عقد كل اجتماع دبلوماسي بعد آخر، ومع صدور تصريح بعد آخر من الدبلوماسية الداخلية والخارجية، دونما تسجيل علامات لتغير أو آخر في المياه الآسنة.
يحدث ذلك كله، مع عزوف يحمل من المأساوية والجهل المرير بالفعل السياسي "المفتوح" ما ينتج مزيداً من القلق الوجودي ضمن أوساط السوريين في الداخل كما في الخارج، أما الاستقطاب بين الفاعلين على الأرض فيأخذ مكاناً مغلقاً ومفعماً بالجهل والأنانية والشعور بحق الاستفراد بالموقف القطعي، وليحدث ما يحدث بعد ذلك من خراب الوطن، وطن الجميع.
وفي سبيل إنجاز ما ينبغي إنجازه على هذا الصعيد، كنا قد تحدثنا وكتبنا عما قد يكون مقاربة مناسبة، وحددنا حيثياتها بثلاث يحيط بها إطار يساعد على ضبطها بنسبة مقبولة.
أما الحيثيات المعنية هنا مع إطارها، فيمكن التعبير عنها بكلمة "اللحظة الأخيرة" المنوط بها وضع المسألة المطروحة في حُلتها الأخيرة: والحيثيات المذكورة تتحدد في مبدأ المحافظة على وحدة سوريا أرضاً وشعباً أولاً، وفي مبدأ الرفض القطعي للصراعات الطائفية بين مكونات الشعب السوري ثانياً، وأخيراً في مبدأ الرفض القطعي للنزاعات الثأرية بين الجميع تحت حد الإدانة المطلقة لمرتكبيها، وجعل العدالة هنا سيد الموقف. وتبقى "اللحظة الأخيرة" لتفصح عن نفسها بوضوح قاطع في رفض السلاح بمثابته الطريق القطعي إلى الحل الناجز.
ها هنا لا نرغب في الاستفاضة بما قد يترتب على الغلو الشنيع في التمترس بمواقف خارجة عن العقلانية الحكيمة في سبيل الوطن السوري، مع التنويه إلى أن النسق المعرفي الذي نستخدمه هنا في مهمتنا على صعيد إنجاز ما هو أمامنا، إنما هو الفكر السياسي بعُجره وبجره، ولكن كذلك بصفة كونه التفكير في الممكن والفعل والعقل، لا بالغباء والحماقة، وربما كذلك التفريط في الغاية التي نعمل من أجلها، وهي الخروج من الخصام الشنيع حتى الحد الأقصى ومعه من العار التاريخي الذي انزلقنا إليه وفيه، وهنا قد يصح القول إن "التنازلات" تصبح واردة بل ضرورية، إذا كان ذلك لا يمس كرامة الوطن السوري ولا وجوده التاريخي ولا مشروعه في الحرية والديمقراطية والتنوير.
لم يعد الصمت ممكناً ولا مسوغاً، فأن يستمر صراع الدم وحرب الإبادة للشعب السوري وأفاعيل التفكيك للوطن السوري، فإن ذلك يمثل تدميراً للوطن برمته، والتشبث ها هنا بموقف أو بآخر يقف في وجه الخروج من خرائب التاريخ السورية الراهنة، صار أمراً يقارع تاريخ السوريين وما أنجزوه فيه، وخصوصاً ما قدموه للبشرية تحت العنوان الذي قاد إلى إمكانية تأريخ التاريخ ونعني "الأبجدية".
أما إذا ظل الأمر في سوريا على ما انتهى إليه من تفكيك وتصديع ومن إغراق لا يتوقف في الجريمة والحماقة والدماء النازفة، فإن حالة من اليُتم ستكون أول ما يُبدأ به من التاريخ السوري والعالمي، وقد نتحفظ الآن جزئياً على ذلك، الذي يُراد له أن يكون إنهاء للسوريين.
وعلينا كعرب أن نتمسك بالإرهاصات الأولية للحدث المصري- السعودي الجديد الذي تبلور مؤخراً في 8 أبريل الجاري في اللقاء السعودي- المصري باتفاق قد يكون بداية أمر ذي أهمية قصوى، ونعني بذلك انفتاح مرحلة في التاريخ العربي الراهن، مجسدة بما راح يُعلن عن نفسه بمثابته تباشير جديدة عن طريق المشروع العربي في النهوض والتقدم، كما في الدفاع عنه، أما كيف فنقول: عبر لم شمل العرب بطريقة من طرق الاتحاد القابل للوجود أولاً، وفي التحفيز على الحفاظ على كرامة العرب التاريخية ثانياً، ومن دون استعادة قوة نظامنا الإقليمي، فليس أمامنا سوى هذا الذي أصبح واحداً من احتمالات ثنائية العدم أو الوجود.