الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإرهاب .. وصنيعة قوى الأمر الواقع

الإرهاب .. وصنيعة قوى الأمر الواقع

13.01.2015
اليوم السعودية


كلمة اليوم
الاثنين 12-1-2015
أفرز النظام العالمي الجديد ضمن منتجاته التي أسقطتْ مصداقية مجلس الأمن، بعدما حولته إلى حلبة مناورات بالفيتو بين الولايات المتحدة وروسيا التي تحاول استرداد قيصريتها، واستخدامه كأداة ضغط يوظفها كل طرف لصيانة مصالحه بعيدا عن المواجهة المباشرة التي بات يحذرها الجميع لارتفاع تكلفتها العسكرية والمادية، أفرز هذا الواقع صيغة جديدة للتعامل مع قضايا المجتمع الدولي، تمثلتْ في استثمار قوى الأمر الواقع كأوراق لعب .
اتضح هذا من خلال التعامل الذي بلغ في بعض الأوقات مرتبة الدلال مع إيران وملفها النووي .
كما تجلى في سياق الصمت عن غزو حزب الله اللبناني الأراضي السورية، واستبداد الحوثيين في اليمن وفرض إرادتهم بما يشبه الوصاية على قراره السيادي، أيضا اتضح هذا التوجه من خلال صيغة التعامل مع الانفصاليين في بعض أقاليم أوكرانيا .
ما الذي يدفع هذه القوى للتعامل سرا أو علنا مع قوى الأمر الواقع ؟ ثم متى كانت هذه القوى العظمى تنتهج هذه السياسة التي سبق أن رفضتها طويلا مع حركة فتح والفدائيين في الستينات والسبعينات ، ولا تزال طالما أن الأمر يتصل بإسرائيل ؟
ألا يكشف هذا التوجه عن اتفاق ضمني بين الطرفين على استثمار أي قوة تنشأ على الأرض ومن ثم توظيفها لضرب الآخرين وفق مصالح الدول الكبرى، شريطة ألا تشكل قوى الأمر الواقع أي تهديد واضح لإسرائيل ؟
قد تبدو الصورة ملتبسة بعض الشيء مع حزب الله اللبناني ، الذي بات مقبولا من قبل دول العضوية الدائمة في مجلس الأمن بدليل التغاضي عن ارتكاباته في الداخل السوري ، رغم تصنيف ذراعه العسكرية ضمن لائحة المنظمات الإرهابية ، لكن هذا اللبس سرعان ما يزول عندما ندرك أن هذا الحزب هو أول من هبّ لمساعدة النظام السوري على البقاء والصمود في وجه الثورة .
ذلك النظام الذي طالما برّد جبهة الجولان طوال أكثر من أربعين عاما ، ووفر على الدولة العبرية عناء حشد قواتها هناك ، بمعنى أن الغرب بمقدوره أن يتنازل سريعا عن تصنيفاته ، وأن باستطاعته أن يطهّر أي حزب أو منظمة من تهمة الإرهاب طالما أن دوره سيصب في النهاية في خدمة مصالحه ، وهذا يعني أيضا أننا لا نستبعد أن يتم مسح تهمة الإرهاب عن داعش أو جبهة النصرة بجرة قلم متى ما ساهم مشروعهما في خدمة المصالح الغربية .
لكن يبدو أن الغربيين لم يستوعبوا الدرس جيدا حتى الآن ، ولم يدركوا بعد أن الأيديلوجيا لا يُمكن أن تلتقي مع العقائد العسكرية التي تعمل الجيوش النظامية على ضوئها ، حتى وإن تقاطعت الخدمات والمصالح لبعض الوقت ، لأن هذه القوى التي أفرزها واقع الحال ، والمؤدلجة فكريا ما تلبث أن تعود إلى أيديولوجيتها .
وقد تكون حادثة الصحيفة الفرنسية مدخلا لفهم هذه الحقيقة خاصة إذا ثبت أن لتلك المنظمات الإرهابية أي يد فيها ، وهو الأمر الذي حذر منه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ من أن يد الإرهاب ستمتد إلى أوروبا، ومن ثم إلى أمريكا طالما بقي التعامل مع قوى الأمر الواقع يحظى بهذا القبول الظاهر حينا والمستتر أحيانا .
لأن أجندة الإرهاب لا تستثني أحدا ، حتى وإن هادنت البعض بعض الوقت فإنها في النهاية ستعود لممارسة نشاطها الدموي ، في ظل رعاية بعض القوى الاقليمية التي لا تزال تحلم بمد سيطرتها على المنطقة بأكملها تارة بالتهديد وتدريب وإرسال فرق الموت إلى المناطق الملتهبة، وتارة بالاستعراضات العسكرية التليفزيونية التي تعزف على وتر سحق إسرائيل ورميها في البحر ، في الوقت الذي تعيد فيه تثبيت كرسي النظام السوري الحارس الأمين والموثوق بالتجربة للجبهة الاسرائيلية الشمالية .