الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإسلاميون السوريون والفصلُ بين (الدين) و(الثقافة) (2)

الإسلاميون السوريون والفصلُ بين (الدين) و(الثقافة) (2)

26.05.2014
د. وائل مرزا



المدينة
الاحد 25/5/2014
الإسلاميون السوريون والفصلُ بين (الدين) و(الثقافة) (2)لم يُنشر الجزء الأول من هذا المقال الأسبوعَ الماضي إلا والسوريون يشهدون صِدقيِّة أول فكرةٍ وردت فيه. دعت الفكرة المذكورة إلى فكّ الارتباط بشكلٍ نهائي بين الحديث عن (الإسلاميين) والحديث عن (الإسلام)، وإلى رفض دعوى الاقتران الماهوي بين الاثنين. وبَرَّرَت ضرورة ذلك بكثرة التجمعات والمنظمات والأحزاب التي تدَّعي تمثيلَ الإسلام بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، وبوجود فهمٍ متفاوت، وأحياناً متفاوتٍ جداً، في فهمها للإسلام وفي كيفية تنزيله على الواقع.
قبل نشر المقال بيوم صدر (ميثاق الشرف الثوري) الذي يُمثل طرحاً مُتقدماً في خطاب الفصائل الإسلامية العسكرية السورية. لن نناقش هنا حقيقةَ أن هذا الخطاب يمثل الحدَّ الأدنى من ملامح الخطاب الوطني السوري المطلوب، ولا الحاجةً للتأمل في أن (إنجاز) الوصول إليه تطلَّب أكثر من عامين، عاد فيهما ذلك الخطابُ إلى الوراء كثيراً. وإنما تكفي الإشارةُ إلى النقد الجذري الذي صدر عن جبهة النصرة لهذا الميثاق بعد صدوره بثلاثة أيام فقط.
لم يحتج الأمرُ أكثرَ من هذه الأيام ليظهر، واضحاً وجلياً، التناقضُ الجذري والشامل بين خطابين (إسلاميين) فيما يتعلق بالنظرة إلى الدين والنظرة إلى الوطن والمواطن والنظرة إلى الثورة. يحتاجُ تحليل الظاهرة إلى مقامٍ آخر، لكن المؤكد أنها خلقت علامة استفهامٍ كبرى تركت المَعنيين في حيرةٍ لا نعلم كيف يُعالجونها نظرياً وعملياً في قادم الأيام. والأرجحُ أنها ستُظهرُ حقيقةَ وُجودِ أكثر من خِطابين إسلاميين.
"الثقافة هي الجهد المبذول لتقديم مجموعةٍ متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجري حياتها، أي هي المواجهة المتكررة مع تلك القضايا الجذرية والأساسية التي تتم الإجابة عنها عبر مجموعة من الرموز، فتشكل بذلك مركباً كلياً متكامل المعنى، متماسك الوجود، قابلاً للحياة".
هذا أحد تعريفات الثقافة التي أوردناها سابقاً، والسؤال الذي يطرح نفسه على كل السوريين هنا هو التالي: هل يستطيع إنسانٌ أن يزعم وجود ما لهُ علاقة بهذا التعريف في طروحات وخطاب وممارسات الإسلاميين السوريين على اختلافها وتنوعها؟ السؤال مطروحٌ بقوةٍ ووضوحٍ وصراحة، مع التذكير مرةً أخرى أن الحديث هنا يتعلق بالتكوينات المؤسسية على اختلاف مجالاتها ومُسمياتها، وعلى أعضاء هذه التكوينات. ومع الإقرار، أيضاً، بوجود أفراد قد يصفون أنفسهم (إسلاميينَ) بمعنى من المعاني، ممن تصالحوا مع الثقافة، ولايرون في هذه المصالحة أي تهديدٍ للدين.
لاتكفي في هذا الإطار الشعارات، ومنها شعار (الإسلام هو الحل) بتلويناته المختلفة. ولايكفي برنامجٌ سياسي نظري تطرحه هذه الجماعةُ أو ذلك الفصيل حاملاً عناوين فخمة، في حين أن مضمونه أقرب بكثير لعمليات القصّ واللصق، فضلاً عن (الفِصام النَّكِد) بين ذلك المضمون وممارسات أصحابه في كل مجال. ولاتكفي، بطبيعة الحال، المدونةُ الفقهية الممتلئة بأحكام وفتاوى غالبيتُها العظمى تُحيل إلى محاولاتٍ تاريخية لتنزيل الدين على وقائع ذلك التاريخ، هدفُها في أحسن الأحوال تحقيقُ مقاصده بما يُلائمُ ظروف زمانٍ مختلف.
من المهم جداً إعادةُ التأكيد هنا على أننا لانُغادر ظرفَ الثورة وملابساتها، لأن من السهولة بمكان خلطَ الأوراق و(اتهام) هذه الرؤية بكونها دعوةً، في غيرِ وقتها، للترف الفكري. فعلى العكس من ذلك تماماً، يحمل الكلام دعوةً لمُمارسةٍ تُوسِّعُ مفهوم الثورة وإطارَها، تنبثق من تقويم عمل الإسلاميين السوريين وطروحاتهم مِنْ قُرْب على مدى أكثر من سنتين من عمرها، بحثاً عن فهمٍ مُختلفٍ للإسلام، يكون أقدرَ على تحقيق مقاصده الكبرى وتحقيق أهداف الثورة، دون تضاربٍ موهومٍ بين الهدفين.
أين تكمنُ الصعوبةُ في إدراك حقيقةٍ بسيطة يؤكدها الواقع بوضوحٍ وجلاء: إن خطاب الإسلاميين السوريين وطُرُقَ تفكيرهم وعملهم خلال الفترة السابقة لم تكن قادرةً على (إدارة) ثورة، وهي، بوضعها الراهن، ليست قادرةً حتماً على تقديم جديدٍ للثورة في الحاضر والمُستقبل. من يمكن له أن يُجادل في هذه الحقيقة؟ وماهي مؤشراتُ خطئها ومُجانَبتها للصواب؟
مُعيبٌ جداً الهروبُ من الاعتراف بهذه الحقيقة باستخدام مقولة وحشية النظام، وعَون أصدقائه الكثيف له، وخُذلان السوريين من قِبل (أصدقائهم) مالياً وسياسياً وعسكرياً، وغير ذلك من حقائقَ معروفة، لكنها بحدِّ ذاتها الحقائقُ التي تُعيدُ وضع المسؤولية الكبرى والأساسية على من (يدَّعي) التصدي لقيادة الثورة، كائناً من كان.
كل مانقوله أننا وصلنا إلى هذا الواقع، وأنه سيستمر، مادامت الخصومة قائمةً ومستمرةً بين الإسلاميين السوريين وبين الثقافة. الثقافة، نُعيد ونكرر، بمعنى "تقديم مجموعةٍ متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجري حياتها".
صدرَ عن هؤلاء الكثيرُ من الأقوال والأفعال خلال الفترة الماضية، وقدمَ بعضهم كثيراً من التضحيات في مجالات مختلفة. ولئن كان فيما فعلوه أيضاً الكثير من المشكلات، لكن المشكلة الأكبر كانت فيما لم يفعلوه. إذ لم يكتفوا بعدم تقديم إجاباتٍ على المآزق التي تواجه الثورة وسوريا بينما يتغيرُ مجرى حياة السوريين جذرياً، بل إنهم لم يُفكروا بطرح الأسئلة الصحيحة ابتداءً.
لم نصل بعدُ إلى الجزء الآخر من تعريف الثقافة: "المواجهةُ المتكررة مع تلك القضايا الجذرية والأساسية التي تتم الإجابة عنها عبر مجموعة من الرموز، فتُشكل بذلك مركباً كلياً متكامل المعنى، متماسك الوجود، قابلاً للحياة". إذ، كيف تظهر الحيوية الهائلة الكامنة في هذا الإنسان، وكيف تتكرر المواجهة مع القضايا الجذرية والأساسية، إذا لم تحصل تلك المواجهة للمرة الأولى أصلاً؟
يتحركُ الإسلاميون السوريون كثيراً، ويتحدثون كثيراً، ويمارسون المناورات كثيراً، ويُقدمُ بعضُهم على الطريق كثيراً من التضحيات. ألا يجب أن يلفتَ انتباهَهُم وانتباهَ السوريين أن كلَّ هذا قادَنا إلى الوضع الراهن للثورة؟! كيف لايُثير هذا الحال سؤالاً كبيراً يتعلق بما (لايفعلونه)؟ ومن أين ينبعُ هذا الإصرار العجيب على إنكار الواقع ورفض كل ماله علاقة بالمراجعات؟
مرةً أخرى، قد تكون البُشرى الوحيدة في الموضوع أن هذه الممارسات وتلك الأساليب في العمل والتفكير ستكون بنفسها عائقاً في وجه (أسلمة) الثورة بالفهم السلبي الشائع. لكنها ستكون، أيضاً، سبباً لإعادة نظر واسعة وعميقة في طريقة فهم الإسلام وتنزيله على أرض الواقع، وسيحصل هذا بشكلٍ يقلب الموضوع من (أسلمةٍ) للثورة في سوريا إلى ثورةٍ في إسلامها نهايةَ المطاف.