الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإسلام وبناء الإنسان

الإسلام وبناء الإنسان

07.12.2013
د. رحيل محمد غرايبة


الدستور
الجمعة 6/12/2013
المشروع الأول والأكثر أهمية، والذي احتلّ المرتبة الأولى على سلم الأولويات، لدى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولدى كل الأنبياء قبله والمصلحين والسائرين على دربه إلى يوم يبعثون يتمثل ببناء الإنسان بناءً سليماً متكاملاً عقلاً ووجداناً، ونفساً وروحاً، وبدناً ومظهراً خارجياً.
ولذلك تستطيع القول إن مشروع بناء الدولة هو ثمرة بناء المجتمع، وبناء المجتمع يقوم على حسن بناء الإنسان وإعداده وتربيته وتزكيته وتأهيله أولاً، ليكون قادراً على التعامل مع ذاته، وقادراً على التعامل مع مجتمعه بنجاح وكفاءة، وقادراً على التعامل مع الموجودات على أسس علميّة صحيحة، وقادراً على التعامل مع الأفكار الموضوعية، وقادراً على فهم أسرار الكون ونواميسه، وفقاً لمقتضيات المعرفة التي تجعل منه سيدا وخليفة، يقود رحلة الإعمار الطويلة المستمرة على وجه الأرض منذ وجد الإنسان، والمتطورة تبعاً لتطور ما لديه من إمكانات، وأدوات ووسائل وأساليب، وخبرة متجددة لا تتوقف.
يقول الله  تعالى في سورة «الشمس»: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا*وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا))? هذه الآية تفيد بوضوح أن النفس الإنسانية تخلق سويّة على الفطرة، قابلة للتزكية، والسمو الأخلاقي في معارج الكمال البشري، والصعود في درجات القوة العقلية والنفسية، ومن جهة اخرى هي قابلة للهبوط ايضا نحو درجات الانحطاط السفلي، حيث  قال الله تعالى في هذا الشأن في سورة التين: (ولَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ).
 لقد بعث الله الرسل والأنبياء من أجل بيان طريق الإيمان والهداية، التي تزكي النفس وتأخذ بيد الإنسان نحو النجاة والفلاح، وحذره كذلك من طرق الضلال ودروب السوء ، التي تجعله بحصد الشقاء و الثمرات المرّة على صعيد الذات وعلى صعيد الجماعة والمجتمع، قال تعالى: ((وهديناه النجدين))، والهداية لا تتحقق إلا من خلال توافر الحرية وإطلاق الإرادة، فهو مخيّر في سلوك أي الطريقين، ولكنه ينبغي أن يتحمل مسؤولية اختياره، وأن يتحمل نتائج سلوكه في الدنيا والآخرة.
سلوك طريق الحق يحتاج إلى جهد ومجاهدة، ولا يتأتى للإنسان بتلك السهولة التي يتمناها الأغبياء والكسالى، وأصحاب النفوس الرديئة والمروءات المخرومة، فقد قال تعالى: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا))، فالهداية تحتاج إلى مجاهدة وبذل على صعيد تنمية العقل واكتساب المعرفة، وتطوير طرق التفكير وأساليب الإبداع، وتنمية الخبرات العملية، والبحث عن الحكمة والتقاطها، وينبغي أن يكون ذلك مصحوباً بتزكية النفس بأنواع العبادات المفروضة والمندوبة.
والله عز وجل الذي فرض العبادة على الخلق، إنما كان ذلك من أجل تزكية أرواحهم وتهذيب نفوسهم وأخلاقهم، إذ أن كل عبادة من العبادات لها أسرارها وغاياتها، ما يقتضي من المكلفين أداء العبادات وفقاً لما شرعت له من غايات وحكم ،كلها تدور حول معنى التزكية والتهذيب والنماء، سواء أكان من خلال الصلاة، أو الصوم أو الزكاة أو الحج، وما يدور في فلكها من سنن ومندوبات، وما يتبعها من نواه ومحرمات ومكروهات.
كل مشروع لا يقوم على حسن بناء الإنسان وإعداده، سيكون في متاهة العبث، وسيحصد نتائج الفشل، وكل مشروع ينجح في هذه الأولوية سيكون قادراً على المضي في مشوار النجاح وتحقيق الانتصارات.
إن الحركات والأحزاب والجماعات، يجب أن ننظر في قدرتها على بناء الإنسان، وأن ننظر في برامجها القادرة على إيجاد الكفاءات المؤهلة لقيادة المجتمع وإدارة الدولة، في كل مجالات الحياة وعلى كافة الصعد، أما الحركات الإسلامية فيجب أن نمزج المهارة والكفاءة العملية، بصفاء الروح وجمال الخلق وتزكية النفس، حتى تستطيع أن تكون مميزة عن غيرها، وحتى تستطيع أن تنافس في ميادين السباق الطويلة.