الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإمارات: "قلوبنا مع أهل الشام"

الإمارات: "قلوبنا مع أهل الشام"

24.12.2013
عبدالله بن بجاد العتيبي


الاتحاد
23/12/2013
أطلق "الهلال الأحمر" الإماراتي حملةً خيريةً لجمع التبرعات للشعب السوري إزاء ما يواجهه من محنةٍ مناخيةٍ في شتاء قارسٍ لم تعرفه المنطقة منذ عشرات السنين تحت اسم "قلوبنا مع أهل الشام"، وقد تسابق الناس للتبرع، ووصل المبلغ الإجمالي إلى مئة وعشرين مليون درهم.
المجلس الوطني للإعلام شارك مع "الهلال الأحمر" في رعاية الحملة بما ضمن لها الوصول لغالب شرائح المجتمع من المواطنين والمقيمين عبر وسائل الإعلام المختلفة، التي احتفت بالحدث، وساهمت في نجاحه، ووصوله لأهدافه المرجوة.
هذه المحنة المناخية تأتي عقب المحن الأقسى التي لم يزل يعانيها الشعب السوري منذ ما يقارب من ثلاث سنواتٍ عجافٍ واجه فيها كل ما يمكن تصوّره من عنف النظام وبطشه وصواريخه وبراميله المتفجرة وأسلحته الكيماوية وحلفائه الشرسين من إيران والعراق و"حزب الله" اللبناني و"الحوثيين" من اليمن وبعض مناصري النظام من بعض دول الخليج، تكالبوا جميعاً على هذا الشعب المسكين وساموه سوء العذاب.
الحلول السياسية للأزمات الكبرى هي الأنجح والأبقى، وهي من هنا الأقدر على إنهاء أزمة الشعب السوري، ولكن هذا لا يمنع أبداً من تكثيف المساعدات الإنسانية التي تخفف عنه شيئاً ولو يسيراً في مسار العذابات الطويل، الذي لم يزل يغتال خطاه بالشوك والدماء، ويزرع دروبه بالآلام والجراح.
مثل هذه الحملات الإنسانية يجب أن تنتشر وتتكرر في الدول العربية ذلك أن غالبية الناس يشاهدون مآسي الشعب السوري كل يومٍ عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي وتتدفق لأجهزتهم الذكية آلاف الصور ومقاطع الفيديو عبر برامج التواصل كـ"واتس آب" وأمثاله، وكلّما استمرت المأساة السورية كلّما تزايد حجم التعاطف والألم وعلت الرغبة في المساهمة بأي شكلٍ في دعم هذا الشعب المرزأ والمنكوب.
إن تنظيم حملاتٍ شعبيةٍ برعايةٍ رسميةٍ من المؤسسات المعنية بالعمل الخيري والتطوعي تشكل ضرورةً ملحةً لعدة أسبابٍ: الأول: إغاثة الشعب السوري ومساعدته قدر المستطاع. الثاني: فتح فرصةٍ مهمةٍ للناس للتعبير عن مدى تعاطفهم وتضامنهم مع هذا الشعب. الثالث: استيعاب هذه الأموال والتبرعات ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، ويتمّ بذلك أمران: ضمان وصول الأموال لمستحقيها وتحجيم تدفق الأموال المجهولة التي يصل كثير منها لجماعات العنف الديني والإرهاب. الأرقام الدقيقة التي تنشرها مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الخيرية الدولية المعتبرة عن اللاجئين والنساء وكبار السن والأطفال هي أرقام مخيفة وتصرخ بحجم الفجيعة وضخامة المأساة، وذلك يوجب وضع خطط إغاثية متعددة ومنها توفير الحملات الشعبية التي تنقل عبر وسائل الإعلام، ويجود فيها كل بما يستطيع مالياً وعينياً تحت سمع الدولة وبصرها.
لقد عانت الدول والشعوب العربية كثيراً جرّاء التهاون سابقاً في ضبط العمل الخيري قبل 11 سبتمبر 2001، والذي كان من آثاره تدفق أموالٍ ضخمةٍ لتنظيمات العنف الديني وعلى رأسها تنظيم "القاعدة" سيئ الذكر، الذي عاث فساداً بتلك الأموال وصرفها على قتل الأبرياء، وتفجير المباني وتدمير الممتلكات، ولا يوجد عاقل يحتمل فكرة أن تعود هذه المشكلة من جديدٍ، والحلّ ميسور ومتاح عبر خلق آلياتٍ محكمةٍ لضبط جمع الأموال وصرفها تحت إدارة المؤسسات الرسمية أو شبه الرسمية.
بالتأكيد أن دعم المؤسسات الدولية ودعم الدول هو الأهم والأقوى والأبلغ تأثيراً، ولكن هذا لا يلغي أهمية الدعم الشعبي الذي يمنح الناس فرصةً أمام ضمائرهم للمساهمة، ولو باليسير في تضميد جراح شعب مكلوم لم تزل جراحه تنزف كل يومٍ وكل لحظةٍ
توالت التحذيرات منذ بدء الأزمة السورية بأن عنف النظام ووحشيته وطائفيته الفاقعة مع حلفائه في الجمهورية الإسلامية في إيران وأتباعها ستجبر المقابل الموضوعي لها بالخروج في المشهد السوري، وأن تنظيمات "القاعدة"، لا تجد بيئة أفضل للتكاثر والتدريب والانتشار مثل تلك البيئة التي كانت تتخلق على التراب السوري، وبالفعل فقد بدأ تدفق الإرهابيين لسوريا بعدما ظلّ النظام يصم خصومه من الشعب السوري، بأنهم إرهابيون ويفتش عن أي بارقة أملٍ تشير لدخول تلك الجماعات، وقد حصل له ما أراد، فدخلت تلك التنظيمات حين وجدت بيئتها الخصبة للتكاثر واتجهت كما هي عادتها لا لمحاربة النظام بل لمحاربة "الجيش السوري الحر" وقتل الشعب السوري، إن جماعات الإرهاب في سوريا تنفذ ما عجز عنه نظام الأسد وتكمل مشواره في تمزيق "الجيش السوري الحرّ" وقتل الشعب السوري.
لم تزل غالب هذه الجماعات إما تأتمر بأمر إيران التي دخلت معها منذ سنين طويلةٍ في حلفٍ متواصلٍ سبقت الإشارة له في هذه المساحة أكثر من مرةٍ، وإما تنفذ أجندته وتخدم مصالحه، ولكنها في ظلّ الاستقطاب الطائفي المستمر والمتواصل ستصل يوماً هي أو بعض ما يتفرع عنها إلى مهاجمة الحلف الإيراني واستهدافه والانقلاب لخنجرٍ يتوجه لصدره.
وتشكل البيئة الحاضنة للإرهاب على التراب السوري اليوم مكاناً للتدريب والتخطيط لعملياتٍ أكبر وأشمل ستصل نيرانها إلى أقدام الدول الغربية التي اعتقدت أنّ تلك النار لن تحرق غير الشعب السوري، وحينها سيعلم المتردد والضعيف أن الانكفاء والانعزال لا يحمي من لهيب التطرف وانفجار مكنونات التاريخ الأكثر تخلفاً وانغلاقاً.
إن الانسحابات الكبرى من أي دورٍ مهمٍ في العالم تعقبها غالباً تبعاتٌ لا تقل عنها أهميةً، فعبر التاريخ كان انكماش الإمبراطوريات العظمى سبباً مباشراً لانتشار الحروب وتفشي الفوضى، وهو أمر يجب أن يكون حاضراً في ذهن منظري وصانعي القرار بالتخاذل تجاه الأزمة السورية.
إن تنظيمات العنف الديني في سوريا كـ"جبهة النصرة" و "داعش" تقودها وتغذيها على المستوى الفردي أيديولوجيات "تنظيم القاعدة"، التي من أهمّ مصادرها أدبيات "الإخوان المسلمين"، وهي تستغل اختلاط الأوراق بين اللاعبين السياسيين في العالم والمنطقة في التوسع والانتشار. الحاجة كبيرة مع تزايد الاضطرابات، وتصاعد المفاهيم المتخلفة وانتشار التفسيرات الأكثر تطرفاً للأحداث السياسية المضطربة إلى التصدي لهذا الثالوث بنشر الوعي والتسامح وتركيز تفاعل الناس على العمل الخيري المثمر والبنّاء بدلاً من اختطافهم أو فئات منهم جرّاء الشحن الطائفي والمذهبي إلى مراتع التطرف وجماعات الإرهاب.
أخيراً، فإن تلبية حاجة الناس لفعل الخير وتقنين تلك الحاجة وتمريرها عبر قنوات آمنة يخفف من غلواء التوجهات المتطرفة والتيارات الإرهابية.