الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الإيرانية - التركية تنشط عبر البوابة السورية

الإيرانية - التركية تنشط عبر البوابة السورية

30.11.2013
هند الأحمد


أنقرة وطهران تشهدان زيارات متبادلة وسط تطورات سياسية "مثيرة"
الوطن السعودية
الجمعة 29/11/2013
وسط استمرار المعارك الطاحنة في بعض المناطق السورية وانشغال الأوساط السياسية إقليميا ودوليا بالترتيب لانعقاد مؤتمر "جنيف 2"، ظهرت بوادر تعاون تركي - إيراني لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية عبر صدور دعوة مشتركة لوقف النار.
وأفادت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) بأن وجهات النظر بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو كانت، خلال لقائهما في طهران أول من أمس، "مشتركة إزاء سورية وتقديم المساعدات الإنسانية ووقف الحرب وعودة اللاجئين واستتباب الأمن وطرد الإرهابيين وتسوية المشاكل بشكل سلمي".
ونقلت الوكالة عن روحاني قوله إن "الأزمة السورية لا تحل بالخيار العسكري، بل يجب إيجاد مخرج لها من خلال الحوار الجاد بين المعارضة والحكومة"، مشيرة إلى أن أوغلو أكد التعاون التركي - الإيراني لتسوية المشاكل الإقليمية وضرورة مشاركة إيران في "جنيف 2".
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أعلن في مؤتمر صحفي مع أوغلو أن "كل جهودنا يجب أن تركّز الآن على طريقة إنهاء هذا النزاع والتوصل إلى وقف لإطلاق النار"، فيما قال الوزير التركي "علينا ألاّ ننتظر شهرين" للتوصل إلى وقف للمعارك. وأكد الوزيران أن لديهما "وجهات نظر متشابهة عدة" وخصوصاً حول فكرة أن "لا حل عسكرياً" للنزاع في سورية.
حرارة بعد برود
ويبدو أن زيارة أوغلو أعادت الحرارة إلى العلاقات الإيرانية - التركية التي اتسمت منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، بالتأرجح بين التوتر والانسجام شبه التام، في حين لم يقض البلدان على خلافات عدة بينهما وسرعان ما تظهر إلى السطح عند أدنى توتر أو تعارض في التوجهات السياسية بينهما.
ولقد أحدثت الثورة السورية لدى انطلاقتها قبل عامين، خلافاً سياسياً بين الجانبين وتسببت في تبادلها تصريحات انتقادية كان بعضها شديد اللهجة، خصوصاً عندما تحدثت وسائل الإعلام عن قرار السلطات التركية نشر درعا من صواريخ الناتو (من طراز باتريوت) على الحدود السورية التركية. وحينها زار رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني أنقرة، وعبر عن امتعاض طهران من هذا القرار باعتباره "خطوة استفزازية" ليس للنظام السوري فحسب بل ستكون له عواقب وخيمة ستؤدي إلى تفاقم المشاكل في المنطقة برمتها.
كما أن الرد التركي على انتقادات لاريجاني، لم يتأخر كثيراً فقد صرح وزير الداخلية التركي إدريس نعيم شاهين أن السلطات الإيرانية تدعم حزب العمال الكردستاني المسلح الذي تدرجه أنقرة ودول أخرى، ضمن المجموعات الإرهابية. ونقلت صحيفة "حريت" التركية عن الوزير أن تركيا على اطلاع كامل على دعم إيران لهذا الحزب "الإرهابي"، وأن الجانب الإيراني يقوم بنقل المصابين من أفراد الحزب إلى الداخل الإيراني ويقدم لهم الخدمات الطبية والعلاجية.
مرحلة جديدة
على جانب التعاون السياسي بين البلدين في الآونة الأخيرة، قال الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور محمد السلمي لـ"الوطن": شهدنا تقارباً كبيراً بينهما وتوافقا في وجهات النظر في عدة جوانب لعل أبرزها التقارب الكبير في ما يتعلق بالأزمة السورية، وهذا التقارب لا يمكن قراءته بمعزل عن التطورات السياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، لافتاً إلى ما قامت به السلطات التركية بتزويد المخابرات الإيرانية قائمة بأسماء 10 من جواسيس إسرائيل الإيرانيين الذين كانوا يترددون إلى تركيا للتنسيق مع المخابرات الإسرائيلية، وما ذكره موقع دبكا الإسرائيلي عن توقيع اتفاقية سرية للتعاون الاستخباراتي بين أنقرة وطهران بإشراف وزيري الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو والإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارة الأخير إلى أنقرة قبل أيام.
وخلال هذه الزيارة شدد وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني، على "العلاقات التاريخية والعميقة" بين إيران وتركيا، مضيفاً أن هناك من يحاول وضع الدولتين وجها لوجه ولكنهما ليستا متنافستين بل دولتان صديقتان.
ترميم الجسور
وأشار السلمي إلى وصف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني فتح الله حسيني إلى التقارب التركي - الإيراني بأنه يأتي بعد سياسة تركية كانت متعجلة تجاه ما يجري في سورية، وأدركت أنقرة ذلك وعادت إلى تعاونها مع إيران، لافتاً إلى أن أنقرة تسعى الآن إلى رفع مستوى تعاونها مع طهران و"ترميم الجسور المهدمة" بين الجانبين، وهذا التقارب توج بالكشف عن زيارة سيقوم بها الرئيس حسن روحاني إلى تركيا في شهر ديسمبر المقبل تليها زيارة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان لإيران في يناير المقبل.
وأضاف السلمي: "نستطيع القول إن البلدين يتجهان نحو مرحلة جديدة وقوية من العلاقة السياسية بينهما، ويمكن تلخيص أسباب هذا التقارب في وصول حكومة إيرانية "معتدلة" ركزت على الانفتاح على الغرب ودول الجوار وحل الخلافات حول برنامجها النووي، الأمر الذي سبق أن لعبت أنقرة فيه دوراً بارزاً قبل الثورة السورية في محاولة منها لتقريب وجهات النظر بين إيران والدول الكبرى، إضافة إلى التقارب الأميركي - الإيراني، ومحاولة تركيا أن تؤدي دوراً في هذا الاتجاه إذ رحبت بهذا التقارب على أمل أن تستفيد من أي انفتاح أميركي قادم تجاه إيران.
مساعي "العدالة والتنمية"
وتابع السلمي: كما أن تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية في العام المقبل ويسعى حزب العدالة والتنمية ووفقا للأوضاع الراهنة على المستويين الداخلي والخارجي، إلى إعادة تقييم دبلوماسيته مع دول الجوار. لذا فإن تركيا تسعى إلى تحسين العلاقة مع إيران والحكومة العراقية المقربة من طهران حيث توجه أخيراً وفد تركي إلى بغداد نقل دعوة من رئيس الحكومة إلى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لزيارة أنقرة، وكذلك تحسين العلاقة مع حكومة إقليم كردستان العراق بعد أن مرت هذه العلاقة بمرحلة توتر لبعض الوقت، إضافة إلى محاولة تركيا إقناع الجانب الإيراني بالتخلي عن دعم المجموعات الكردية التركية المسلحة وعدم إيوائها أو تقديم أي تسهيلات لها، وأخيراً المخاوف المشتركة بين أنقرة وطهران فيما يتعلق بالجماعات المسلحة من خلال لعب طهران على وتر خطر هذه الجماعات "الإرهابية" وتنظيم القاعدة. فتركيا تخشى من تسرب الجماعات "المتطرفة" في سورية إلى الداخل التركي خاصة بعد المناوشات الأخيرة بين الجيش التركي وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، المرتبط بتنظيم القاعدة، على الحدود التركية - السورية".
تغيير اللهجة
من جانبه أوضح الخبير في الشؤون التركية الكاتب السياسي التركي محمد زاهد جول في حديث إلى "الوطن"، أن العلاقة التركية - الإيرانية كانت خلال الفترة الماضية متوافقة مع ما شهدته إيران من تغيير في لهجتها الدبلوماسية بعد تولي روحاني الرئاسة، وهذا الأمر انعكس على كثير من الملفات، ليس فقط على العلاقات التركية فحسب بل على المجتمع الدولي وعلى الملف النووي الإيراني وأيضاً على محادثات 5+1.
ورأى جول أن هناك نوعا من القابلية للحديث عن الأزمة السورية مع إيران، إذ خلال فترة تولي الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد كانت الأمور واضحة للغاية من خلال الموقف الإيراني الذي يقف مع نظام الأسد ويقاتل بجانبه، أما الآن فباتت اللهجة الإيرانية مختلفة نسبياً ويمكن التحدث عن وجود سياسة جديدة بين العلاقات التركية الإيرانية.
التداعيات السورية
وأشار جول إلى أن العلاقة بين البلدين كانت تشهد تقاربا خلال السنوات الماضية وشهدت اتفاقيات استراتيجية مهمة للغاية، كما لعبت تركيا دورا إيجابيا في الملف النووي الإيراني، وهو دور الوسيط بين الغرب وإيران، كما كان هناك تقارب في كثير من الملفات والرؤى السياسية في السابق، إلا أن كل هذه الاستراتيجيات والتقارب تضررت بسبب الواقع في سورية، فتوقف التعاون في كثير من الملفات بسبب تطورات الأزمة السورية.
وتابع: كما أن المخاوف من مجموعات مسلحة على خط الحدود التركية - السورية والممثلة في "داعش"، سيفتح لتركيا أبواب التعاون ليس مع العراق فحسب وإنما مع إيران أيضاً، وهي النقطة التي نشهدها اليوم من خلال زيارة أحمد داوود أوغلو إلى بغداد، وهي زيارة تاريخية بسبب الظروف التي تشهدها المنطقة والتغير في الموقف التركي - العراقي بشكل ملحوظ تجاه سياسات الإقليم.
المستفيد الأول
وهل إيران هي المستفيد الأول من خلال سياستها الأخيرة مع تركيا والغرب، أجاب جول: إذا ما أصلحت إيران من سياستها العدوانية تجاه الجوار والدول العربية والخليج وتركيا ستكون حقيقةً هي المستفيد الأول، لأن تركيا لا تكن لها عداوة إلا بسبب أعمالها التخريبية في سورية وغيرها والتي جعلت الموقف الدولي والعربي والتركي يتخذ مواقف خصومة، وبحضور جنيف 2 في حال انقعد، فإن الطرح التركي لن يخرج خارج التوافقات التركية مع المملكة العربية السعودية وكذلك مع أطياف المعارضة السورية وأنه لا حل في مستقبل سورية إلا برحيل الأسد.
وأوضح أن هناك جزئية خلافية تبين أن تركيا لا مانع لديها من حضور إيران لـ "جنيف 2" ولكن لن تقبل بأقل من رحيل الأسد، موضحاً أن ما يشار إليه عن وجود توافق تركي إيراني تجاه تحسين العلاقات مع الأسد غير صحيحة ولا يمكن تصور مثل هذا الأمر وأن ذلك هو ما يشيعه نظام الأسد، ومعتبراً أنه كسر العزلة الدولية وهو غير صحيح ونظام الأسد لا شك أنه من أكبر الأنظمة الإجرامية التي شهدها التاريخ.
وأضح جول أن العلاقات الخارجية العربية - الإيرانية كانت خلال فترة محمد خاتمي تتسم بالإجابية الكبيرة، إلا أنها تدهورت بعدها بشكل عام بسبب تدخل إيران في دول الجوار بشكل سافر، وإيران إذا ما تخلت عن هذه السياسات العدوانية فستكون مقبولة لدى الجميع وليست لدى تركيا فحسب.
.. والتعاون الاقتصادي لم يتأثر
أوضح الباحث والمتخصص في الشأن التركي الدكتور محمد السلمي أن الخلافات بين إيران وتركيا سياسية بحتة، أما في ما يتعلق بالجانب الثقافي والاقتصادي والتبادل التجاري فالتعاون متواصل وفي حالة نمو مستمر. هناك تبادل تجاري كبير بين إيران وتركيا يصل في الوقت الراهن إلى 25 مليار دولار، ووفقا لتقارير إيرانية فإنه من المتوقع أن يرتفع ذلك خلال العامين القادمين إلى 35 مليارا، وإذا ما تم رفع العقوبات الغربية المفروضة على إيران فإن التبادل التجاري بين الجانبين قد يتجاوز المئة مليار دولار.
من جانب آخر، استمرت تركيا في استيراد النفط والغاز من إيران رغم الضغوطات الغربية على أنقرة بهدف تقليص وارداتها من الطاقة الإيرانية.
إلى جانب ذلك، تحتل إيران المركز الثالث من حيث استيراد السلع التركية وقد بلغت قيمة الصادرات التركية إلى إيران قرابة عشرة مليارات دولار، بينما تأتي إيران في المركز السادس من حيث التواجد في الأسواق التركية بمبلغ يصل إلى نحو 11.4 مليار دولار في عام 2012.
في إطار آخر، وبسبب العقوبات الدولية المفروضة على خطوط نقل البضائع إلى إيران، تسعى طهران جاهدة إلى إحلال تركيا محل دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بمسار وارداتها من البضائع التي تحتاجها كما يوجد في تركيا العديد من الشركات الإيرانية وتستفيد من التسهيلات التي تقدمها أنقرة فيما يتعلق بنقل البضائع والتعاملات المالية بين تركيا وإيران.
وفي الآونة الأخيرة ارتفع الدور الذي يلعبه الجانب التركي فيما يتعلق بتزويد إيران بما تحتاجه من مواد أولية، وكانت الأراضي التركية محطة عبور (ترانزيت) للبضائع المختلفة إلى الأسواق الإيرانية.
وأشار الخبير بالشؤون التركية والكاتب السياسي التركي محمد زاهد جول إلى أن العلاقات الإقتصادية لم تتأثر، مبيناً أنه خلال الأزمة السورية زاد حجم التبادل التجاري بين البلدين وأن استيراد تركيا من الغاز الإيراني زادت نسبته خلال هذه الفترة.