الرئيسة \  تقارير  \  الإيكونوميست :هل ستطلق روسيا أسلحة نووية حقا؟

الإيكونوميست :هل ستطلق روسيا أسلحة نووية حقا؟

05.04.2022
الغد الأردنية


تقرير خاص – (الإيكونوميست) 30/3/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاثنين 4/4/2022
لم تعد الأسلحة النووية بمثابة السلاح النهائي الذي يستخدم فقط في الحالات بالغة التطرف. إنها يمكن أن تكون تكتيكية، وأن تستخدم ضد مراكز القيادة والسيطرة أو القواعد الجوية وليس المدن، ويمكن أن تكون قادرة على إحداث “ضرر مفصل على المقاس” حسب اللغة الروسية. وفي انعكاس غريب للمعنى العادي للكلمات، تشير العقيدة العسكرية الروسية إلى التحول نحو الأسلحة النووية على أنه “خفض للتصعيد” لأن الدمار الناجم عن مثل هذه الضربات سيكون (كما هو مفترض) محدودًا.
* *
في الرابع والعشرين من شباط (فبراير)؛ اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، أصدر الرئيس فلاديمير بوتين هذا التحذير: “أياً يكن مَن يحاول الوقوف في طريقنا، أو الأكثر من ذلك خلق تهديدات لبلدنا وشعبنا، فإنهم يجب أن يعلموا أن روسيا سترد على الفور، وستكون العواقب من نوعية لم تروا مثلها أبداً في تاريخكم كله”. ويجري تفسير هذا التصريح على نطاق واسع بأنه تهديد باستخدام الأسلحة النووية. وفي حالة وجود أي شك لدى أي طرف، وضع بوتين بعد ثلاثة أيام قواته النووية في وضع “استعداد قتالي خاص”، على الرغم من أنه لم يشرح ما يعنيه ذلك من الناحية العملية. وما تزال فرص تصعيد المواجهة بطريقة تؤدي إلى استخدام الأسلحة النووية في أوروبا منخفضة. ومع ذلك، في حال ساء الوضع بشكل كبير، هل ستلقي روسيا حقًا بقنبلة نووية على إحدى دول الناتو؟ هل ستستخدم واحدة ضد أوكرانيا؟
تبقى الإجابات الحقيقية عن هذه الأسئلة، بطبيعة الحال، في ذهن السيد بوتين وحده. لكن لدى روسيا عقيدة عسكرية من المفترض أنها توجه استخدام قواتها النووية. وتشير التقديرات إلى أن روسيا تمتلك اليوم 1.588 رأسًا نوويًا منتشرًا و2.889 رأسًا احتياطيًا، وهي أرقام مشابهة لما لدى الولايات المتحدة. ويُعتقد أيضًا أن روسيا تمتلك الآلاف من الأسلحة النووية غير الاستراتيجية، التي تسبب أضرارًا أقل بكثير من تلك التي تدمر مدينة والمثبتة على صواريخ بالستية عابرة للقارات. وهي تعتبرها وسيلة للتعويض عن قوة الناتو المتفوقة في الأسلحة التقليدية المتقدمة. وفي 26 آذار (مارس)، أشار دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي (الثاني بعد السيد بوتين) والرئيس السابق للبلاد، إلى العقيدة العسكرية لبلده عندما عرض المواقف التي قد تدفع روسيا إلى استخدام هذه الأسلحة. وقال ميدفيديف في مقابلة إن هذه المواقف تشمل “عملًا عدوانيًا (…) ضد روسيا وحلفائها، والذي يعرض للخطر وجود الدولة نفسها، حتى من دون استخدام الأسلحة النووية”. وتم وضع خطوط هذا المبدأ في الغالب تحت إشراف السيد بوتين عندما كان رئيسًا لمجلس الأمن القومي، في العام 1999، وحين كان رئيسًا للوزراء. وهو يسمح باستخدام الأسلحة النووية لأول مرة، في ظروف معينة. ومع ذلك، سيكون من الضروري لفهم أهميته الكاملة العودة أبعد من ذلك في التاريخ، إلى الموقف النووي للاتحاد السوفياتي.
بالنسبة لمعظم فترة الحرب الباردة، تعامل الاتحاد السوفياتي وأميركا مع الأسلحة النووية على أنها الرادع النهائي. ولأنها كانت موجهة بشكل أساسي إلى المدن، كانت الأسلحة النووية الاستراتيجية مدمرة جدًا لدرجة أن استخدامها كان غير قابل للتصور تقريباً أيضاً. وقد تخلى الاتحاد السوفياتي رسميًا عن الاستخدام الأول للأسلحة النووية في العام 1982. وكانت مؤسسات الدفاع الأميركية والسوفياتية تعرف في الغالب ما يفعله الطرف الآخر. وكان مذهبها المشترك بشأن التدمير المتبادل المؤكد، الذي يضمن عدم تمكن أي من البلدين من الفوز في حرب نووية، يقوم على التفاهم المتبادل. لكن تفوق أميركا في الأسلحة التقليدية -الذي ظهر أثناء حرب الخليج في العام 1990- غير كل هذا. وبسبب عدم قدرتها على المواكبة، أصبحت روسيا تعتمد أكثر على قواها النووية.
تخلت روسيا عن مبدأ عدم الاستخدام الأول لسلاح نووي في العام 1993، عندما كانت أحوال جيشها في حالة مد وجزر. وفي العام 2000 قالت العقيدة العسكرية الورسة المنقحة إنه يمكن استخدام ضربة نووية ضد خصم تهدد قواته التقليدية بالتغلب على الدفاعات التقليدية لروسيا. ومن الناحية النظرية، كان ذلك الاعتماد الأكبر على القوى النووية مؤقتًا فقط، إلى أن تتمكن روسيا من مضاهاة القوات الأميركية التقليدية.
ومع ذلك، من الناحية العملية لا يبدو أن روسيا تلحق بالركب، وقد بدأ مسؤولوها في الحديث عن المزيد من الاستخدامات لقواهم النووية. في العام 2009، قال خليفة بوتين كرئيس لمجلس الأمن إن لدى روسيا خيار استخدام ضربات نووية محدودة ضد معتد “يستخدم الأسلحة التقليدية في حرب شاملة أو إقليمية -أو حتى محلية”. كما أشار إلى “ضربات نووية وقائية” ممكنة أيضاً. وبعبارات أخرى، لم تعد الأسلحة النووية بمثابة السلاح النهائي الذي يستخدم فقط في الحالات بالغة التطرف. إنها يمكن أن تكون تكتيكية، وأن تستخدم ضد مراكز القيادة والسيطرة أو القواعد الجوية وليس المدن، ويمكن أن تكون قادرة على إحداث “ضرر مفصل على المقاس” حسب اللغة الروسية. وفي انعكاس غريب للمعنى العادي للكلمات، تشير العقيدة العسكرية الروسية إلى التحول نحو الأسلحة النووية على أنه “خفض للتصعيد” لأن الدمار الناجم عن مثل هذه الضربات سيكون (كما هو مفترض) محدودًا.
منذ ذلك الحين، أعلنت روسيا بشكل أوضح الظروف التي ستستخدم فيها الأسلحة النووية. وقالت أحدث نسخة من عقيدتها العسكرية (في العام 2010) أنها يمكن أن تستخدمها ضد خصم لديه قوات تقليدية “عندما يكون وجود الدولة ذاته تحت التهديد”. وبدا هذا مطلبًا أكثر صرامة إلى حد ما من عقيدة العام 2000 التي سمحت بالاستخدام النووي “في الحالات الحرجة للأمن القومي للاتحاد الروسي”. وفي العام 2020، أضافت الحكومة أنها “تعتبر الأسلحة النووية حصرياً وسيلة ردع”. ومن المفترض أيضًا أن تستخدم الأسلحة النووية الروسية فقط في النزاعات مع الدول الأخرى المسلحة نوويًا.
ولكن، يمكن لروسيا مع ذلك استخدام الأسلحة النووية ضد الناتو والالتزام حرفياً بعقيدتها العسكرية. فالناتو، بعد كل شيء، لديه أسلحة نووية. وتقول روسيا إن العقوبات الغربية لدعم أوكرانيا تشكل “إعلان حرب” (وبذلك يكون الناتو هو المعتدي حسب هذه القراءة). وقد أكد السيد بوتين مرارًا وتكرارًا أن أميركا والغرب يسعيان إلى تدمير روسيا (ما يعني أن وجود الدولة نفسه في خطر). ويجادل البعض بأن روسيا قد تستخدم حتى أداة نووية ضد أوكرانيا لأنه على الرغم من عدم امتلاك أوكرانيا أسلحة نووية؛ حيث اتهمتها روسيا (ولو من دون دليل) ببناء “قنبلة قذرة” تعمل بالبلوتونيوم. وقد طورت روسيا عقيدتها العسكرية لما بعد الحرب الباردة العسكرية لاستخدام الأسلحة النووية لأنها كانت تخشى الهزيمة في حرب تقليدية ضد أميركا. وعلى الرغم من أن هذا الاحتمال غير مرجح، فإنه إذا واجهت روسيا في أي وقت هزيمة تقليدية في أوكرانيا، فقد يضطر بوتين إلى تقرير ما إذا كان سيضع عقيدته موضع التنفيذ أم لا.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Would Russia really launch nuclear weapons?