الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الائتلاف وجنيف 2.. ماذا بعد؟

الائتلاف وجنيف 2.. ماذا بعد؟

03.02.2014
د. وائل مرزا


الشرق القطرية
الاحد 2/2/2014
"الدبلوماسيون مفيدون فقط في الأجواء الصحوة، ولكنها ما إن تُمطر حتى تجدهم يغرقون في كل قطرة". قد لا تنطبق هذه المقولة للرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول على كل الدبلوماسيين وكل من فاوضوا باسم بلادهم في ساحة السياسة الدولية. لكنها تنطبق، حتى الآن على الأقل، على وفد الائتلاف السوري في مفاوضات جنيف2 إلى درجة كبيرة.
لا مجال اليوم للحديث العاطفي عن ضرورة جمع الصفوف وتناسي الفروقات والاختلافات في الرأي، والدعوات الحماسية للوقوف صفاً واحداً خلف وفد الائتلاف في المفاوضات المذكورة.
ولو كان ممكناً للسوريين أن يقبلوا بمثل تلك المقولات قبل الأسبوع الماضي، وقد فعل ذلك الكثيرون، إلا أن الأداء الهزيل للوفد بعد أسبوع من المباحثات لم يعد يترك مجالاً لمجرد التفكير بالاستجابة لمثل تلك الدعوات.
فالأمر يتعلق بمستقبل سوريا ومصير شعبها الذي قدم تضحيات باتت الكلمات المكتوبة عاجزة عن التعبير عنها وعن دلالاتها.
وبهذه النظرة الجدية والصارمة المطلوبة، نجد أن كل شيء قام به الائتلاف سواء في مرحلة التحضير للمفاوضات أو أثنائها كان قاصراً عما هو مطلوب إلى أبعد الدرجات.
من المعروف في العلاقات الدولية أن المفاوضات إنما هي في الحقيقة "استمرار للحرب بشكل آخر"، ويذكر المناضل الفلسطيني المخضرم شفيق الحوت أن المعارك الدبلوماسية يمكن أن تكون أحياناً أكثر شراسة بكثير من المعارك العسكرية.
فهل كان الائتلاف جاهزاً نفسياً وفكرياً وتنظيمياً وعلمياً لمثل هذه المجازفة؟
لا مكان هنا للدعاوى السطحية عن الانقسامات التي أصابت الائتلاف، ولا للتبرير بأنها كانت سبباً من أسباب هذا الفشل الذي يرى الشعب السوري دلالاته أمامه بكل بساطة.
لسنا في معرض الدفاع عن أعضاء الائتلاف الذين انسحبوا فهم قادرون على الدفاع عن موقفهم وأنفسهم، وقد يكون ثمة ملاحظات على طريقة تعاملهم مع الوضع، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى وجاهة السبب الذي أعلنوه كسبب لانسحابهم حين قالوا إنهم لا يرفضون المؤتمر أو المسار السياسي من جهة المبدأ، وإنما يرون ضرورة وجود حد أدنى من شروط نجاح المؤتمر ودرجة متقدمة من التحضير له.
لقد كان وفد النظام مضطراً تماماً لحضور المؤتمر في نهاية المطاف. من هنا، كان المطلوب وجود فكر سياسي يهيئ أوراقاً تفاوضية تضعه في الزاوية من البداية. وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي: "إذا كانت النتيجة النهائية المتوقعة من التفاوض هي تقديم بعض التنازلات، فإن من البديهي لك أن تبدأها من سقف مرتفع".
لا مكان هنا لخرافة بدء مفاوضات بدون شروط مسبقة أو جدول زمني أو ضمانات لتنفيذ المضمون الحقيقي لرسالة الدعوة إلى المؤتمر. فمثل هذه التنازلات المبدئية لا تمر تاريخياً إلا في حال القبول بالتنازل عنها، وبسبب فقدان تفكير سياسي يُتقن المناورة ولا يحاصر نفسه بين خياري رفض الحضور كلياً إلا بشروط من جهة، أو حضورها بشكل منبطح بدون أي شروط من جهة أخرى.
ثمة خيارات أخرى بين هذين الخيارين، وعلى سبيل المثال، لم ترفض القوى الثورية العسكرية الفاعلة على الأرض المؤتمر بشكل كامل وبغض النظر عن كل شيء آخر. من هنا، كان يمكن الاستقواء بخطابها وموقفها والضغط على رعاة المؤتمر لفرض بعض الشروط مع التأكيد القاطع على الالتزام بحضور المؤتمر، وربما تكون الوسيلة تأجيله لبضعة أسابيع يتم خلالها التحضير له بشكل أفضل.
ولو حصل هذا وامتلك الوفد بعض الأوراق مسبقاً، لوجدنا زخماً شعبياً عاماً، ودعماً من القوى الثورية العسكرية، تساهم في تقوية الوفد معنوياً وإعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً، أمام النظام وأمام رعاة المؤتمر خاصة أمريكا وروسيا.
ولما أمكن أن يتكرر مثلاً التساؤل الذي يُشكك بتمثيل الوفد للثورة وقدرته على تنفيذ ما يُتفق عليه من قبل وفد النظام وإعلامييه. علماً أن السؤال أصبح مشروعاً من وجهة نظر منطقية سياسية محايدة في الوضع الحالي.
لقد رضي الائتلاف تحمل مسؤولية الذهاب إلى المؤتمر في نهاية المطاف، فأصبح لزاماً عليه وعليه وحده أن يتحمل تبعات تلك المسؤولية.
ثمة مائة تعريف وتعريف للمفاوضات ومنها أنها "الفن" الذي يُمكِنكَ من توجيه الخصم إلى الطريق الذي تريده"، وأنها "الفن" الذي يمكنك من خلاله أن تطلب من الآخر أن يذهب إلى الجحيم، ولكن بطريقة يطلبُ فيها منك معلومات الطريق إلى هناك!". فهل كان الائتلاف جاهزاً لمثل هذا المستوى من الأداء السياسي ـ الدبلوماسي؟
لم نستعجل الحكم على الموضوع قبل بدء المفاوضات، لكن كل مؤشرات الأسبوع الذي مضى تؤكد بأنه لم يكن جاهزاً على الإطلاق.
فمن جهة، كان الفشل الإعلامي واضحاً بدرجة لم تخف على البسطاء من الناس، فضلاً عن الإعلاميين السوريين الذين كتبوا عن الموضوع وشواهده ما لا يحتاج إلى إعادة. والكل يعلم حساسية الوظيفة الإعلامية في مثل هذه المواقف، وأنها يمكن أحياناً أن تقلب الطاولة رأساً على عقب، ويعلم بوجود إعلاميين سوريين يستطيعون إيفاءها حقها المطلوب. فما الذي كان يمنع وجود وفد إعلامي كبير ومحترف يخدم وفد المعارضة؟ لا يتعلق الأمر بالتمويل يقيناً، وبالتالي فإن الإجابة الوحيدة الممكنة تتراوح بين افتقاد الجدية وافتقاد القدرة على التفكير حتى على تأمين شرط أساسي كهذا الشرط.
ثم إن التحضير التقني اقتصر إلى درجة كبيرة على مجموعة من دورات فن التفاوض حضرها بعض أعضاء الائتلاف اعتباطياً هنا وهناك لبضعة أيام، فجاءت تشكيلة الوفد إجمالاً بشكل جعل بضاعتها مُزجاة بدرجة واضحة، خاصة حين يتعلق الأمر بهذه المهمة الصعبة.
بالمقابل، يجب على من يتصدى لمثل هذه المهمة أن تكون لديه قدرات ومهارات وخبرات وكفاءات على أرفع المستويات. يجب أن يكون لديه خبراء يمتد اختصاصهم من علوم التفاوض والتواصل البشري إلى علوم النفس والتاريخ واللغة والجغرافيا والاقتصاد والقانون الدولي والجنائي وغيرها.
يجب أن يكون مُحيطاً بأدق التفاصيل المتعلقة بكل التجارب السابقة في مثل هذه المجالات.
يجب أن يكون قادراً على وضع البدائل والخيارات التي يمكن من خلالها تحقيق هدفه الثابت عبر التعامل مع المعطيات المتغيرة واستيعابها.
يجب أن يكون مُستحضراً مُسبقاً لكل الطروحات والحجج والمُعطيات التي سيسوقها الخصم وجاهزاً لتقديم إجابات مُفحمة لها وقت طرحها.
يجب أن يكون قادراً على استفزاز الوفد المقابل نفسياً وعملياً وإعلامياً بمختلف الأساليب، وعلى سحبه ليقع في أفخاخ مُحكمة أمام العالم من ناحية، وأمام السيد الذي لا يغفر له الخطأ من ناحية أخرى.
يجب أن يكون قادراً على استغلال كل معطى جديد خلال المفاوضات وعلى الأرض ليُعيد خلط الأوراق في وجه الخصم ويُشتت تفكيره ويحاصره ويُنهكه نفسياً وفكرياً وسياسياً.
لسنا هنا في مقام الحكم على النيات أو الأشخاص، لكن التساؤل مشروع جداً عن مدى جدية قيادة الائتلاف وهي تدخل في مثل هذه المهمة، وعن درجة إدراكها لخطورتها وحساسيتها التاريخية بكل المعاني وعلى كل المستويات.
ورغم الدلالات السلبية لموضوع تجميد المفاوضات والقبول المُسبق باستئنافها بعد عشرة أيام في ظل تزايد همجية النظام، ووسط أنباء عن شحنات روسية جديدة من الأسلحة إليه، إلا أن هذه الفترة يمكن أن تكون حاسمة لتصحيح الأوضاع بدءاً من ضبط الأداء الإعلامي، مروراً بتغيير تشكيلة الوفد لتضم شريحة أكبر من الخبراء الحقيقيين ومن الممثلين للقوى الثورية، وانتهاء بوضع مطالب واضحة ومحددة تؤكد جدوى استمرار التفاوض وفق جدول زمني لا يسمح بإدخال العملية في نفق يصبح فيه التفاوض هو الهدف والغاية بأي شكل من الأشكال.