الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاتفاق الأميركي ـ الروسي الافتراضي..هل تستطيع الدولتان الأعظم فرض حلّ سياسي على السوريين؟

الاتفاق الأميركي ـ الروسي الافتراضي..هل تستطيع الدولتان الأعظم فرض حلّ سياسي على السوريين؟

19.05.2013
ماجد الشّيخ

ماجد الشّيخ
المستقبل
الاحد 19/5/2013
في مقالة له في "واشنطن بوست"، رأى مايكل غيرسون، أن أوباما يبدو أحيانا معزولا في داخل ادارته فيما يتعلق بسوريا. وأن عدم تحركه لحل الملف السوري، يعود الى انه انتخب كي يخفض الالتزامات الخارجية، لا اضافة اعباء جديدة عليها. ففي حملتيه الرئاسيتين اللتين قادهما كان يشجع على التخلي عن الحروب، ومن هنا فأي عمل عسكري في سوريا؛ مهما كان محدودا، ستكون له آثاره التاريخية.
ويقول الكاتب ان مواقف أوباما من سوريا وغيرها تعتبر تحدياً لاستراتيجية ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي حكمت السياسة الخارجية الاميركية، والتي تقوم على ان السلام العالمي مرتبط بامن المنطقة واستقرارها، اي حماية المصادر النفطية والدفاع عن اسرائيل ومواجهة المتطرفين. ومن هنا فسوريا تعتبر امتحانا لـ "عقيدة أوباما" اذ لم تلق سوريا الاهتمام الذي تستحقه. كان امامه منذ البداية فرصة للتصرف وانهاء النظام؛ إما عبر عقوبات اقتصادية حادة، أو بدعم الجماعات المقاتلة. ولكنه لم ينتهز الفرصة. فسوريا الآن تقوض جهوده في مجال السياسة الخارجية القائمة على تحسين صورة اميركا في العالم الاسلامي، والتركيز على التسوية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتوجه نحو آسيا. واكثر من هذا فعدم تحركه من البداية ادى الى حرب اهلية في قلب الشرق الاوسط تهدد دولا حليفة، وقوّت "الجهاديين"، وزادت من التوتر الطائفي. والتأخر في انتهاز الفرصة حسب الكاتب لا يعني القبول بانهيار سوريا وتفككها الى دويلات توفر الملجأ للجماعات المرتبطة بالقاعدة، ولا اعادة تأسيس نظام الاسد على جبل من الجماجم. وعليه فليس امام اوباما الا مساعدة المقاتلين "الاخيار" لقيادة مرحلة ما بعد الاسد. لكن تأخر اوباما سيعقد من مهمته، لأن الحروب الاهلية عادة ما تفضل الراديكاليين والمتشددين.
من هنا يمكن النظر إلى المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، في موسكو، مع الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، كونها محاولة في سياق إنقاذ السياسة الأميركية الحائرة، وإحياء للأمل بإمكان التوصل الى حل سياسي للازمة السورية. اذ وافقت موسكو على السعي الى ترتيب مؤتمر بنهاية هذا الشهر، وربما خلال الشهر المقبل؛ بين مسؤولين في النظام السوري والمعارضة بدعم إقليمي ودولي، بهدف إزالة الغموض الذي ساد بعد صدور "بيان جنيف" في نهاية حزيران (يونيو) من العام الماضي، لجهة نقل صلاحيات الرئيس بشار الاسد الى حكومة انتقالية.
كذلك فإن من حسنات التفاهم الاميركي - الروسي الجديد، إرجاء نية استقالة المبعوث الدولي- العربي الاخضر الابراهيمي، الذي سارع الى الترحيب بنتائج المحادثات. واعتبر ان "المعلومات الاولى تدعو الى التفاؤل الغائب منذ وقت طويل جدا". في حين افاد مسؤول كبير في الامم المتحدة ان الامين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون اقنع الدبلوماسي الجزائري الاخضر الابراهيمي بالبقاء في منصبه وسيطا في الازمة السورية، بعد المبادرة الاميركية الروسية الاخيرة. وقد وافق على ذلك.
وأكد لافروف وكيري أنهما يأملان في الدعوة إلى مؤتمر دولي في نهاية أيار (مايو)، أو أوائل حزيران/يونيو المقبل، وذلك للبناء على ما تم إقراره خلال "بيان جنيف" الذي أقرته القوى الكبرى في حزيران (يونيو) من العام الماضي، من أجل حل سلمي للنزاع. وهو اتفاق حدد الطريق الواجب اتباعه من اجل تشكيل حكومة انتقالية، ولكن من دون التطرق الى مصير الرئيس بشار الاسد. إلا أن كيري وفي وقت لاحق، اعتبر أن الأسد لا يمكن أن يشارك في حكومة انتقالية سورية مزمعة. وأضاف أن الاتفاق الجديد الذي يتضمن ست نقاط بالاضافة الى ما تفاوض في شأنه مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة السابق كوفي أنان: "يجب أن يكون خريطة الطريق (...) التي يستطيع الشعب السوري من خلالها إيجاد طريقه إلى سوريا الجديدة، ويمكن أن يتوقف بها حمام الدم والقتل والمجازر".
ولئن أعرب الاتحاد الاوروبي عن "الارتياح البالغ" للاعلان الروسي الاميركي؛ فقد لوحظ بدء مساع بريطانية لاتخاذ قرار من وزراء الخارجية الاوروبيين في اجتماعهم نهاية الشهر الجاري، يقضي برفع الحظر عن تصدير السلاح للمعارضة لدعم "المعتدلين" في صفوفها. فيما اتهم وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، في مقابلة مع صحيفة "حرييت" التركية الرئيس السوري، بأنه انتقل إلى "الخطة باء" في محاربة مقاتلي المعارضة، ومفادها أو قوامها "التطهير العرقي" في بعض المناطق في سوريا. وقال انه شرح ذلك لوزير الخارجية الاميركي في مكالمة هاتفية أبلغه فيها ان "مجزرة بانياس مرحلة جديدة في الهجمات التي يشنها النظام السوري. وما يقلقنا في مجزرة بانياس هو الانتقال إلى استراتيجية التطهير العرقي في منطقة محددة عندما يفقد السيطرة على كامل البلاد."
من جهة اخرى، وبينما دعت واشنطن مرارا الى رحيل الرئيس السوري بشار الاسد، فقد قال كيري للصحافيين ان المعارضة والنظام وحدهما من يمكنهما تحديد شكل الحكومة الانتقالية لاجراء انتخابات ديموقراطية. لكنه اضاف أنه "من المستحيل بالنسبة لي شخصيا تفهم كيف يمكن لسوريا ان تحكم في المستقبل من قبل الرجل الذي ارتكب الأمور التي نراها الآن".
ويلاحظ أنه منذ بدء الحديث عن حل سياسي، تؤكد المعارضة السورية على ان اي عملية سياسية يجب ان تتضمن رحيل الاسد، الامر الذي يرفضه النظام. وقد اكد الاسد مرارا ان مصير الرئيس يقرره الشعب السوري عبر الانتخابات. في حين كان اتفاق جنيف الذي توصلت اليه مجموعة العمل حول سوريا (الدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن وتركيا والجامعة العربية) في حزيران (يونيو) من العام الماضي، قد نص على تشكيل حكومة انتقالية بـ "صلاحيات تنفيذية كاملة" تسمى "محاورا فعليا" للعمل على تنفيذ الخطة الانتقالية، على ان تضم الحكومة اعضاء في الحكومة الحالية وآخرين من المعارضة، من دون التطرق الى مسألة تنحي الاسد.
في أعقاب ذلك بدأت واشنطن ممارسة ضغوط على المعارضة السورية لتشكيل وفدها إلى المؤتمر الدولي، في وقت أعرب النظام السوري عن "الترحيب" بالتقارب الأميركي - الروسي استناداً إلى "ثبات" موقف موسكو، وإلى برنامج الحوار الذي أعلنه الرئيس بشار الأسد.
وفي حين أكدت المعارضة ضرورة "تغيير موازين القوى على الأرض" قبل بدء المفاوضات مع النظام، شدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري على أن الرئيس الأسد "لن يشارك" في الحكومة الانتقالية المتوقع تشكيلها بين المعارضة والسلطة، وقال إن تسليم روسيا صواريخ متطورة إلى سوريا سيؤدي "إلى زعزعة الاستقرار" في المنطقة؛ جاء ذلك في إطار تعليقه على معلومات عن احتمال بيع نظام صواريخ مضادة للطائرات والصواريخ الموجهة إلى سوريا. وأضاف: "نفضل ألا تقدم روسيا مساعدة" إلى نظام الأسد.
وبهذا يدخل الاتفاق الروسي - الأميركي المتمثل بحض النظام السوري والمعارضة على إيجاد حل سياسي للصراع المستمر منذ أكثر من سنتين، مرحلة اختبار على قدرة الدولتين الأعظم على فرض الحل على السوريين، وإنهاء "حرب الاقتتال الطائفي" الهادفة إلى إيجاد واقع جديد في سوريا.
من جانبه اكد الرئيس الاميركي باراك اوباما، بمعية رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاثنين الماضي ان واشنطن ولندن تريدان تعزيز الضغط على الرئيس السوري بشار الاسد، لاجباره على التنحي، فيما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين ساكي ان المؤتمر الذي يحتمل عقده بمشاركة ممثلين للحكومة السورية والمعارضة لمحاولة انهاء الحرب الاهلية، قد يتأجل الى اوائل حزيران (يونيو) المقبل.
وقال اوباما في مؤتمر صحافي مشترك مع كاميرون "معا سنواصل جهودنا لزيادة الضغط على النظام وتقديم المساعدة الانسانية للسوريين (الذين يعانون من النزاع) وتعزيز الجناح المعتدل في المعارضة والاستعداد لسوريا ديموقراطية من دون بشار الاسد". فيما دعا كاميرون الاسرة الدولية الى التحرك في ظل عجزها عن ذلك، بسبب الخلافات القائمة بين العواصم الغربية وروسيا.
وبعد ثلاثة ايام من لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يدعم نظام الاسد، اكد كاميرون ان "تاريخ سوريا يكتب بدماء شعبها وهذا على مرأى منا". وشدد على "وجوب ان يعمل المجتمع الدولي على وقف المجزرة التي تحصل. ليس من مصلحة احد ان يهدر المزيد من الارواح وان تستخدم الاسلحة الكيميائية، أو أن تتسع أعمال العنف التي يرتكبها متطرفون". جاء ذلك في أعقاب دعوة أوباما لموسكو الى تغيير موقفها من الأزمة السورية. وقال "إن من مصلحة روسيا كدولة عظمى على الساحة الدولية، لا بل من واجبها؛ أن تحاول تسوية المشكلة بطريقة تفضي الى النتيجة التي نرغب فيها على الأجل الطويل".
جميع هذه التحركات ومن ضمنها كذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لموسكو، تأتي في أعقاب وفي ضوء اعلان وزيري الخارجية الروسي والاميركي سيرغي لافروف وجون كيري، في موسكو الثلاثاء ما قبل الماضي، ان البلدين اتفقا على حث النظام السوري ومعارضيه، على ايجاد حل سياسي للنزاع على أساس "اتفاق جنيف"، وعلى الدعوة إلى مؤتمر دولي لإرساء هذا الحل.
أمل جديد، قد لا يدوم الحلم به طويلا، فكوابيس الحرب أقوى من أن تفتح طريقا للحلم بسوريا ديموقراطية تعددية، في ظل استمرار نظام أمني تغول طويلا في طغيانه واستبداده واستملاكه للوطن. مع ذلك لا بد من حلم وإن طال الانتظار؛ انتظار أن ينتصر الوطن على النظام.